- حق الأولياء في مباشرة العقد على ترتيب المتقدم فإذا زوج الولي الأبعد الذي لم يأت دوره مع وجود الولي صاحب الحق فإنه لا يصح ( 1 ) .
وتنتقل الولاية للأبعد عند غيبة الأقرب أو عضله إياها - أي منعها من الزواج - وغير ذلك على تفصيل في المذاهب ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : إذا وجد أولياء أقرب وأبعد صح عقد النكاح بالولي الأبعد مع وجود الأقرب مثلا إذا وجد أخ مع عم وباشر العم العقد الصحيح . وكذا إذا وجد أب مع ابن وباشر الأب العقد فإنه يصح ولكن هذا في الولي غير المجبر أما الولي المجبر فإنه لا يصح أن يباشر العقد غيره مع وجوده سواء كان المجبر أبا أو وصيا أو مالكا إلا في حالة واحدة وهي أن يكون لذلك المجبر أب أو أخ أو ابن أو جد وقد فوض لهم أو لواحد منهم النظر في أموره وثبت تفويضه له ببينة شهدت بأنه قال له : فوضت إليك جميع أموري أو أقمتك مقامي في جميع الأمور فإنه يجوز للمفوض إليه في هذه الحالة أن يباشر عقد زواج بنت ذلك الولي المجبر المفوض له بدون إذنه موقوفا على اجازته عند الإطلاع عليه بشرط أن لا تطول المسافة بين الإجازة والعقد وقيل : لا يشترط ذلك . فإذا فوض الولي المجبر إلى أجنبي أموره فزوج بنته بدون إذنه فإنه لا يصح ويفسخ ولو أجازه الولي . وكذلك إذا فوض إلى أقاربه المذكورين بإقراره فإنه لا يعتبر بل لا بد أن يكون التفويض بالبينة . وإذا قال له : فوضت إليك قبض أموالي فإنه لا يصح له مباشرة عقد زواج ابنته بدون إذنه وهل إجازة الولي بعد التفويض ضرورية أو لا ؟ الجواب أنه قال له فوضت إليك نكاح ابنتي أو زواجها فإنه لا يتوقف على إجازته باتفاق أما إذا لم يذكر لفظ التزويج أو النكاح فقولان والمعتمد أنه يتوقف على إجازته .
هذه هي الحالة التي يصح للولي غير المجبر أن يباشر فيها عقد بنت الولي المجبر أو من يقوم مقامه بدون إذنه فإن لم يكن الولي المجبر حاضرا بل غاب في مكان بعيد خيف علها الفساد لانقطاع النفقة عنها أو لعدم وجود من يصون عرضها للحاكم تزويجها ولا يفسخ العقد أما إذا غاب في مكان قريب ولم يترتب على غيبته ضرر من له عليها الولاية فإنه لا يصح للحاكم ولا لغيره أن يزوجها ولو زوجت لا يصح حتى لو أجازه الولي وولدت أولادا .
والمسافة البعيدة هي أن يكون بينهما أربعة أشهر كأن تكون في المدينة المنورة ووليها في القيروان بتونس . وبعضهم يقدرها بثلاثة أشهر كمصر والقيروان .
وهذا التقدير إنما هو بحسب صعوبة المواصلات فيما مضى أما الآن فيصح أن يعمل بمبدأ كون الحاكم يكتب إليه بأن يوكل في تزويجها أو يزوجها عليه إن ترتب على غيبته ضرر ولا ينتظر حتى يحضر .
فإذا فقد الأب ووصيه انتقلت الولاية للحاكم كما إذا كان في غيبة بعيدة . وبعضهم يقول : تنتقل الولاية للولي الأبعد لا للحاكم ولكن الأول صوبه بعضهم . وإن حبس الولي المجبر أو جن جنونا متقطعا لا تزوج بنته بدون إذنه فإن كان الجنون مطبقا سقطت ولايته وتنتقل للولي الأبعد وكذلك إذا كان الولي المجبر صغيرا أو معتوها أو رقيقا انتقلت ولايته للأبعد . هذا و لا تسقط الولاية بالفسق إنما الأكمل أن يتولى الولي غير الفاسق إذا تساويا في المرتبة .
والحاصل أن الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطا بل هو مندوب أما الولي المجبر فإنه لا بد منه على التفصيل الذي عرفته .
وقد يقال : إذا كان الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطا ومعلوم أن المالكية يعتبرون ولاية المسلمين العامة فكل واحد من المسلمين ولي فعلى هذا يصح للمرأة أن تتزوج بواسطة أي فرد من أفراد المسلمين مع وجود وليها الخاص غير المجبر مع أخ وعم ونحوهما . والجواب أنه يصح للبالغة العاقلة أن تفعل ذلك بشرط أن تكون غير ذات مال أو جمال أو نسب عال وهي المعبر عنها بالدنيئة وينفذ العقد مع وجود أوليائها غير المجبرين سواء دخل بها أو لم يدخل أما إن كانت ذات مال أو جمال أو نسب فإنه لا يصح فإن فعلت فسخ العقد قبل الدخول ما لم يطل الزمن على العقد ويقدر الطول بالعرف وقيل : يفسخ قبل الدخول مطلقا أما بعد الدخول فإنه يفسخ إن لم يطل الزمن ويقدر الطول بثلاث سنين أو بولادة بطنين فإن أجازه الولي الخاص قيل : يصح - وهو الظاهر - وقيل : لا يصح ) .
( 2 ) ( الشافعية - قالوا : الترتيب في الأولياء شرط لا بد منه ولا تنتقل الولاية من الولي الأقرب للأبعد إلا في أحوال : منها الولي القريب الذي له حق مباشرة العقد صغيرا فإذا بلغ ولم يرتكب جريمة فسق بعد بلوغه ثبت له حقها ولا يلزم أن تثبت عدالته و لكنه لا يشهد إلا إذا ثبتت عدالته بانقضاء سنة بعد بلوغه لم يثبت عليه فيها فسق ففرق بين الشهادة والولاية إذ الشهادة لا بد فيها من ثبوت العدالة بخلاف الولاية فيكفي فيها عدم الفسق .
ومنها : أن يكون الولي الأقرب مجنونا ولو كان جنونه متقطعا ولكن يزوج الولي الأبعد في زمن جنون الأقرب دون زمن إفاقته إلا إذا كان زمن الجنون قليلا كيوم في سنة فإنه ينتظر زمن الإفاقة باتفاق .
ومنها : أن يكون الولي فاسقا فإذا تاب رجع إليه حقه في الحال . ولا ينتظر زمنا تثبت فيه العدالة لأن المطلوب في عدم الولي عدم الفسق لا العدالة بخلاف الشهود . فإن الشرط فيها العدالة ولهذا لا يصح له أن يشهد إلا بعد مضي سنة من التوبة تظهر فيها عدالته كما علمت .
ومنها : أن يكون محجورا عليه فإن كان محجورا عليه لفسق سلبت عنه الولاية للفسق كما تقدم وإن كان محجورا عليه لسفه وتبذير في ماله فبعضهم يرى أنه لا حق له في الولاية على المرأة في النكاح لأنه إذا كان لا يصلح لإدارة شؤون نفسه فلا يصلح لإدارة شؤون غيره . بعضهم يرى أن السفه لا يمنع الولاية في النكاح ورجحه بعضهم وضعفه آخرون والمرجحون موافقون لغيرهم من المذاهب . أما إذا كان محجورا عليه لفلس فإن الحجر لا يمنع ولايته بلا خلاف لأن الحجر عليه لا ينقصه .
ومنها : أن يكون نظره في الأمور مختلا لسبب من الأسباب كمرض ملازم أعجزه عن البحث في أحوال الناس وتعرف أوصافهم وهوج وبله .
ومنها أن يكون دينه مخالفا لدين المرأة فلا ولاية لكافر على مسلمة ولا ولاية لمسلم على كافرة أما الكافر فإنه يكون وليا للكافرة بشرط أن لا يرتكب محظورا في دينه الذي يدين به ولا عبرة باختلاف دينهما فلليهودي أن يلي النصرانية وبالعكس .
فهذه الأمور تنقل الولاية من الولي الأقرب له حق مباشرة العقد إلى الولي الأبعد هذا ولا ينقلها العمى لأن الأعمى يمكنه أن يعرف أحوال الناس وينتقي الكفء بالسماع . . ولا ينقلها الإغماء لأن المغمى عليه ينتظر برؤه . ولا ينقلها الإحرام بالنسك إلى الأقرب .
وينتقل حق مباشرة الزواج للسلطان بالولاية العامة في أمور : منها الإحرام بالنسك فإذا كان الولي محرما امتنع من مباشرة العقد وانتقلت الولاية للسلطان . فلا يزوج الولي الأبعد وإذا وكل المحرم عنه شخصا يتولى العقد فإنه لا يصح للوكيل أن يباشر العقد وموكله محرم لأن الوكيل قائم مقام الموكل فلو باشر الوكيل العقد كان العاقد الموكل . فإذا تحلل الموكل كان للوكيل مباشرة العقد لأنه لا ينعزل بالإحرام .
ومنها : أن يغيب الولي مسافة قصر ولم يوكل عنه وكيلا يزوج في غيبته وإلا باشر العقد وكيله فإذا زوج الحاكم ثم حضر الولي وقال : إنني كنت قريبا من البلدة عند العقد فإن العقد يصح وإذا حضر وقال : إنني زوجتها قبل الحاكم نفذ فعل الحاكم إن لم تقم بينة على دعوى الولي ومنها عضل الولي المرأة من الزواج فإذا طلبت منه أن يزوجها من الكفء ولو بدون مهر المثل ومنعها فإن لها أن تلجأ إلى الحاكم فيزوجها نيابة عن الولي لأن حق الولي لم يقسط في الولاية بالمنع مرة أو مرتين فيكون الحاكم نائبا عن الولي فإذا عضلها ثلاث مرات فأكثر فإنه يكون بذلك فاسقا قد ارتكب محظورا فيسقط حقه في الولاية وتنتقل للأبعد .
ومنها : أن يكون الولي محبوسا حبسا يمنع من مباشرة العقد فإنه في هذه الحالة يزوج السلطان .
الحنفية - قالوا : الترتيب بين الأولياء ضروري ولكن العقد يقع صحيحا إذا باشره الأبعد مع وجود الأقرب موقوفا على إجازته فإن أجازه نفذ وإلا فلا وهذا الحق ثابت للولي الأقرب حتى في حالة ما إذا زوجت البكر البالغة العاقلة نفسها من غير كفء فإن له أن يجيزه فينفذ وله أن يعترض عليه فيفسخ . وتنتقل الولاية من الأقرب للذي يليه في أحوال : .
منها : أن يغيب الأقرب مسافة بحيث لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر لخطبة الصغيرة على الأصح فلا يلزم تقدير المسافة بمسافة القصر وفي هذه الحالة تنتقل الولاية للذي يليه ولا يكون له حق الاعتراض بعد ذلك بل ينفذ العقد فإذا كان الغائب أباها ولها جد وعم انتقلت الولاية للجد لا للعم ثم إذا زوجها الولي الأقرب في المكان الذي هو غائب فيه لا يصح على الراجح لأن ولايته قد زالت فمتى كان الولي غائبا في مكان يتعذر استطلاع رأيه أو استحضاره فيه قبل فوات فرصة العقد فإنه لا يصح له أن يباشر فيه عقد من له عليها الولاية ما دام لها ولي أبعد منه حاضرا معها ولا تنتقل الولاية عليها للسلطان ما دام لها ولي أبعد .
ومنها : أن يعضلها الولي الأقرب من الزواج بالكفء فإذا منع الأب بنته الصغيرة التي تصلح للأزواج من الزوج الكفء إذا طلبها بمهر المثل كان عاضلا وتنتقل الولاية للذي يليه كالجد إن وجد وإلا فللأخ الشقيق وهكذا .
ومنها : أن يفقد الولي شرطا من الشروط وهي : الحرية والتكليف والإسلام إذا كانت مسلمة وأن لا يظهر كون الأب أو الجد سيء الاختيار فإن فقد شرط من هذه الشروط من ولي انتقلت الولاية منه للذي يليه على الوجه السابق .
الحنابلة - قالوا : الترتيب بين الأولياء لازم لا بد منه ولكن يسقط حقه في أمور : .
منها : أن يمنع من له عليها الولاية من الزوج الذي رضيت به وبما قدره لها من مهر يصلح للإمهار إذا بلغت تسع سنين فأكثر أما من دون ذلك فلا عضل لها وينتقل الحق من العاضل للحاكم فهو الذي يباشر زواج التي منعها الولي من الزواج سواء كان مجبرا أو غيره .
ومنها : أن يغيب مسافة فوق مسافة القصر أو يغيب مسافة مجهولة أو لا يعرف له مكان أصلا ولو كان قريبا .
ومنها : أن يكون الولي غير أهل للولاية بأن كان طفلا أو كافرا أو عبدا على أنه إذا غاب الولي الأقرب أو لم تتوفر فيه الشروط انتقلت الولاية لمن يليه فإذا زوج الولي الأبعد مع وجود الأقرب المستكمل للشروط أو زوج الحاكم من غير عذر للأقرب لم يصح النكاح فإذا كان الولي الأقرب لم يعرف أنه عصبة وأن له الحق أو صار أهلا بعد وقوع العقد يصح مع وجوده في هذه الحالة )