النكاح ترد عليه الأحكام الشرعية الخمسة : الوجوب : والحرمة والكراهة والسنية أو الندب والإباحة أما المواضع التي يجب فيها النكاح الخ ففيها تفصيل المذاهب ( 1 ) .
ويتعلق بالنكاح أمور أخرى مندوبة مفصلة في المذاهب ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : يفترض النكاح على من له رغبة فيه ويخشى على نفسه الزنا إذا لم يتزوج ولم يستطع كف نفسه بالصيام وليست له قدرة على شراء جارية تغنيه عن زواج الحرة ففي هذه الحالة يفترض عليه الزواج ولو كان عاجزا عن الكسب من حلال فيفترض النكاح بشروط ثلاثة : الأول : أن يخاف على نفسه الوقوع في الزنا الثاني : أن يكون عاجزا عن الصيام الذي يكفه عن الزنا أو يكون قادرا على الصيام ولكن الصيام لا يكفه الثالث : أن يكون عاجزا عن اتخاذ أمة تغنيه فإذا كان قادرا على الزواج وعلى الصيام الذي يمنع شهوته من الطغيان وعلى اتخاذ أمة كان مخيرا بين واحد من الثلاثة ولكن الزواج أولى . وبعضهم يشترط القدرة على الكسب من حلال فإذا خاف على نفسه الزنا وعجز عن الصيام واتخاذ الأمة لا يفترض عليه الزواج إلا إذا كان قادرا على الكسب من حلال لأنه إذا خاف على نفسه الزنا وجب عليه أن يحارب شهوته ولا يتزوج ليسرق وينفق على زوجته إذ لا يليق أن يدفع محرما بارتكاب محرم آخر نعم إذا وجدت حالة ضرورة ليست في اختيار الإنسان فإن له أن يزيل الضرورة كالمضطر الذي يباح له أكل الميتة دفعا للهلاك أما فيما عدا ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يدفع محرما بارتكاب محرم آخر بل يجب عليه أن يحارب نفسه ومنعها من ارتكاب المحرم مادام ذلك في طاقته واختياره " وهذا رأي حسن " هذا في الرجل أما في المرأة فإن الزواج يفترض عليها إن عجزت عن قوتها وكانت عرضة لمطامع المفسدين وتوقف على الزواج سترها وصيانتها .
ويكون النكاح حراما على ومن لم يخش الزنا وكان عاجزا عن الإنفاق على المرأة من كسب حلال أو عاجزا عن وطئها فإذا علمت المرأة بعجزه عن الوطء ورضيت فإنه يجوز وكذا إذا علمت بعجزه عن النفقة ورضيت فإنه يجوز بشرط أن تكون رشيدة أما إذا علمت بأنه يكتسب من حرام ورضيت فإنه لا يجوز .
ويكون النكاح مندوبا إذا لم يكن للشخص رغبة فيه ولكنه يرجو النسل بشرط أن يكون قادرا على واجباته من كسب حلال وقدرة على الوطء وإلا كان حرما كما عرفت ويكره في هذه الحالة إذا عطله عن فعل تطوع . أما إذا كانت له رغبة في النكاح ولكنه لا يخاف على نفسه من الزنا فإنه يندب له الزواج إذا كان قادرا على مؤونته سواء كان له أمل في النسل أولا وسواء عطله الزواج فعل تطوع أولا .
والمرأة في ذلك كالرجل فإن لم تكن لها رغبة في النكاح ندب لها إذا كان لها أمل في النسل وبشرط تكون قادرة على القيام بحقوق الزواج من فعل تطوع وإلا حرم أو كره . أما إذا كانت لها رغبة فيه ولكنها لا تخاف الوقوع في الزنا وكانت قادرة على الإنفاق على نفسها وهي مصونة من غير زواج فإنه يندب لها سواء أكان لها أمل في النسل أم لا وسواء عطلها عن فعل تطوع أولا فإن خافت على نفسها أو لم تكن قادرة على قوتها وتوقف عليه سترها فإنه يجب عليها كما عرفت .
ويكون النكاح مكروها للشخص الذي ليست له رغبة في النكاح ولكنه يخش أن لا يقوم ببعض ما يجب عليه أو يعطله عن فعل تطوع سواء كان رجلا أو امرأة كما عرفت وسواء كان له أمل في النسل أولا .
ويكون مباحا لمن ليست له رغبة فيه ولم يرج نسلا وكان قادرا عليه ولم يعطله عن فعل تطوع .
الحنفية - قالوا : يكون الزواج فرضا بشروط أربعة : الأول أن يتيقن الشخص الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج أما مجرد الخوف من الزنا فإنه لا يكفي في الفرضية كما ستعرف . الثاني أن لا يكون له قدرة على الصيام الذي يكفه عن الوقوع في الزن فإن كانت له قدرة على صيام بمنعه من الزنا فإنه يكون مخيرا بين ذلك الصيام وبين الزواج فلا يفترض عليه الزواج بخصوصه في هذه الحالة . الثالث أن لا يكون قادرا على اتخاذ أمة يستغني بها فإنه يكون مخيرا أيضا . الرابع أن يكون قادرا على المهر والإنفاق من كسب حلال لا جور فيه فإن لم يكن قادرا لا يفترض عليه الزواج حتى لا يدفع محرما بمحرم لأن الكسب الحرام فيه اعتداء على أموال الناس بالغش أو السرقة أو الزور أو الغصب أو نحو ذلك وذلك من الجرائم التي لا يتسامح فيها معنى ذلك أن الشخص إذا عجز عن كسب الحلال فلا يتزوج ويباح له الوقوع في الزنا كلا بل معناه أنه في هذه الحالة يفترض عليه محاربة نفسه وشهوته محاربة شديدة ويزجرها زجرا كبيرا حتى لا يقع في الزواج الذي يترتب عليه أكل أموال الناس وظلمهم عملا بقوله تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } هذا وإذا كان يمكنه أن يقترض المهر والنفقة الحلال فإنه يفترض عليه أن يتزوج ليفر من الوقوع في المعصية بقدر ما يستطيع .
والنكاح واجبا لا فرضا إذا كان للشخص رغبة في النكاح واشتياق شديد إليه بحيث يخاف على نفسه الوقوع في الزنا وإنما يجب بالشروط المذكورة في الفرضية وما قيل في الشرط الرابع - وهو القدرة على الإنفاق - يقال هنا .
ويكون سنة مؤكدة إذا كان للشخص رغبة فيه وكان معتدلا بحيث لم يتيقن الوقوع في الزنا ولم يخف منه فإذا ترك التزوج في هذه الحالة فإنه يأثم اثما يسيرا أقل من اثم ترك الواجب . وبعضهم يقول ان السنة المؤكدة والواجب بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا في العبارة وعلى هذا يكون واجبا أو سنة مؤكدة في حالتين : حالة الاشتياق الشديد الذي يخاف منه الوقوع في الزنا وحالة الاعتدال وعلى كل فيشترط القدرة على الانفاق من حلال على المهر والوطء فإن عجز عن واحد فلا يسن ولا يجب ويثاب إذا نوى منع نفسه ونفس زوجه عن الحرام فإن لم ينو فلا يثاب إذ لا ثواب إلا بالنية .
ويكون حراما إذا تقين أنه يترتب عليه الكسب الحرام بجور الناس وظلمهم لأن النكاح إنما شرع لمصلحة تحصين النفس وتحصيل الثواب فإذا ترتب عليه جور الناس يأثم بارتكاب المحرم فتنعدم المصلحة المقصودة بحصول المفسدة .
ويكون مكروها تحريما إذا خاف حصول الظلم والجور ولم يتيقنه .
وكون مباحا لمن له رغبة فيه ولكن لا يخاف الوقوع في الزنا ولا يتيقنه بل يتزوج لمجرد قضاء الشهوة أما إذا نوى منع نفسه من الزنا أو نوى النسل فإنه يكون سنة فالفرق بين كونه سنة وبين كونه مباحا النية وعدمها .
الشافعية - قالوا : الأصل في النكاح الإباحة فيباح للشخص أن يتزوج بقصد التلذذ والاستمتاع فإذا نوى به العفة أو الحصول على ولد فإنه يستحب . ويجب النكاح إذا تعين لدفع محرم كما إذا خافت المرأة على نفسها من فاجر لا يصده عنها إلا التزوج فإنها يجب عليها أن تتزوج . ويكره إذا خاف الشخص عدم القيام بحقوق الزوجية كالمرأة التي ليست لها رغبة في النكاح وليست له قدرة على المهر والنفقة فإنه يكره له النكاح فإن كان قادرا على مؤونة النكاح وليست به علة تمنعه من قربان الزوجة - فإن كان متعبدا - كان الأفضل له أن لا يتزوج كي لا يقطعه النكاح عن العبادة التي اعتادها وإن لم يكن متعبدا - كان الأفضل له أن يتزوج احترازا من أن تدفعه الشهوة إلى الحرام في وقت ما أما إذا كانت له رغبة في النكاح وكان قادرا على مؤونته فإنه يستحب له . هذا والمراد بالنكاح هنا بالنسبة للرجل قبول التزوج فهو الذي يستحب له أو يجب الخ وبالنسبة للمرأة الإيجاب لأنه هو الذي من طرفها بواسطة الولي .
الحنابلة - قالوا : يفترض النكاح على من يخاف الزنا إذا لم يتزوج و لو ظنا سواء أكان رجلا أم امرأة ولا فرق في هذه الحالة بين أن يكون قادرا على الإنفاق أو لا فمتى قدر على أن يتزوج ليصون نفسه عن الحرام فعليه أن يتزوج ويسلك سبيل العمل الحلال الذي يرتزق منه مستعينا بالله تعالى وعلى الله معونته .
ويحرم النكاح في دار الحرب إلا لضرورة فإذا كان أسيرا فإنه لا يباح له الزواج على أي حال .
ويكون سنة لمن له رغبة فيه ولكنه لا يخاف على نفسه الزنا سواء رجلا أم امرأة وهو في هذه الحالة يكون أفضل من النوافل لما فيه من تحصين نفسه وتحصين زوجه والحصول على الولد الذي تكثر به الأمة ويكون عضوا عاملا في بناء المجتمع .
ويكون مباحا لمن لا رغبة له فيه كالكبير والعنين بشرط أن لا يترتب عليه إضرار بالزوجة أو إفساد لأخلاقها وإلا حرم لهذه العوارض ) .
( 2 ) ( الحنفية - قالوا : يندب إعلان عقد النكاح بدف " طبل " أو تعليق الرايات الدالة عليه أو بكثرة المصابيح أو نحو ذلك من الأمور التي يعرف بها عقد الزواج وكذا يندب أن يخطب أحد قبل اجراء العقد ولا يلزم أن تكون الخطبة بألفاظ مخصوصة ولكن إذا خطب بما ورد كان أحسن ومن ذلك ما روي عن النبي A وهو " الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله : رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا إلى قوله : عظيما " . ويندب أن يكون يوم جمعة . وكذا يندب لا يباشر العقد مع المرأة نفسها بل يتولى العقد عاقل رشيد غير فاسق من عصبتها . وكذا يندب أن يكون الشهود عدولا . أن لا يحجم عن الزواج لعدم وجود المهر بل يندب له الاستدانة إذا أمكنه لأن المتزوج الذي يريد العفاف يكون الله معينا له كما ورد في حديث . وكذا يندب أن ينظر إلى زوجه قبل العقد بشرط أن يعلم أنه يجاب في زواجها أما إذا كان يعلم أنه يرد ولا يقبل فلا يحل له أن ينظر إليها على أي حال . ومعنى هذا أن النظر إلى المخطوبة إنما يكون الإقدام الصحيح على الزواج وتحقق الرغبة من الجانبين ورضا كل منهما بالآخر أما إذا كان الغرض مجرد الرغبة في الإطلاع على النساء بدون إقدام صحيح على الزواج فإنه يحرم .
ويندب أن تكون المرأة أقل من الرجل سنا لئلا تكبر بسرعة فلا تلد والغرض الصحيح من الزواج إنما هو التناسل الذي به تكثر الأمة ويعز جانبها . ويندب أن تكون أقل منه في الجاه والعز والرفعة والمال لأن الرجال قوامون على النساء حافظون لهم فإذا لم يكن الرجل أعز جاها وأكثر مالا لا تخضع المرأة له فلا يستطيع صيانتها لهذا قال رسول الله A : " من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا . ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله فيها وبارك لها فيه " . ويندب أن تكون أحسن منه خلقا وأدبا وورعا وجمالا والأحسن أن تكون بكرا .
ومن آداب الزواج أن يختار أيسر النساء مهرا ونفقة ولا يتزوج من لا تعفه كالطويلة المهزولة والقصيرة الدميمة . ولا يتزوج سيئة الخلق ولا امرأة لها ولد من غيره ولا امرأة مسنة . ولا يتزوج أمة مع قدرته على زواج الحرة .
ومن آداب الزواج أن لا يزوج ابنته الصغيرة الشابة شيخا كبيرا ولا رجلا دميما وعليه أن يزوجها كفأ وإن خطبها الكفء فلا يرده .
ومن آدابه أن تختار المرأة الزوج المتمسك بدينه فلا تتزوج فاسقا وتختار الزوج الموسر صاحب الخلق الحسن والجود فلا تتزوج معسرا لا يستطيع الإنفاق عليها أو موسرا شحيحا فتقع في الفاقة والبلاء .
ولا يكره زفاف العروس إلى زوجها وهو أن يجتمع النساء ويهدوا الزوج إلى زوجها وذلك هو المعروف في زماننا " بزفة العروس " . والمختار أن ضرب الدف والأغاني التي ليس فيها ما ينافي الآداب جائز بلا كراهة ما لم يشتمل كل ذلك على مفاسد كتبرج النساء الأجنبيات في العرس وتهتكهن أمام الرجال والعريس ونحو ذلك وإلا حرم .
( يتبع . . . )