- للنكاح معان ثلاثة : الأول المعنى اللغوي وهو الوطء والضم يقال : تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض ويطلق على العقد مجازا لأنه سبب في الوطء الثاني المعنى الأصولي ويقال له : الشرعي وقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه حقيقة قي الوطء مجاز في العقد كالمعنى اللغوي من كل وجه فمتى ورد النكاح في الكتاب والسنة بدون قرينة يكون معناه الوطء كقوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } فإن معناه في هذه الآية الوطء إذ النهي إنما يتصور عنه لا عن العقد في ذاته لأن مجرد العقد لا يترتب عليه غيره تنقطع بها صلات المودة والاحترام وهذا هو رأي الحنفية على أنهم يقولون : إن النكاح في قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } معناه العقد لا الوطء لأن إسناده للمرأة قرينة على ذلك فإن الوطء فعل والمرأة لا تفعل لكن مفهوم الآية يفيد أن مجرد العقد يكفي في التحليل وليس كذلك لأن لسنة صريحة في أن التحليل لا بد فيه من الوطء فهذا المفهوم غير معتبر يدل على ذلك ما صرح به في حديث العسلية بقوله A : " حتى تذوقي عسليته " الخ .
ثانيها : أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء عكس المعنى اللغوي ويدل لذلك كثرة وروده بمعنى العقد في الكتاب والسنة ومن ذلك قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } : وذلك هو الأرجح عند الشافعية والمالكية .
ثالثها : أنه مشترك لفظي بين العقد والوطء وقد يكون هذا أظهر الأقوال الثلاثة لأن الشرع تارة يستعمله في العقد وتارة يستعمله في الوطء بدون أن يلاحظ في الاستعمال هجر المعنى الأول وذلك يدل على أنه حقيقة فيهما . وأما المعنى الثالث للنكاح فهو المعنى الفقهي . وقد اختلفت فيه عبارات الفقهاء ولكنها كلها ترجع إلى معنى واحد وهو أن عقد النكاح وضعه الشارع ليرتب عليه انتفاع الزوج ببضع الزوجة وسائر بدنها من حيث التلذذ فالزوج يملك بعقد النكاح هذا الانتفاع ويختص به ولا يملك المنفعة والفرق بين ملك الانتفاع وملك المنفعة أن ملك المنفعة يستلزم أن ينتفع الزوج بكل ما يترتب على البضع من المنافع وليس كذلك فإن المتزوجة إذا نكحها شخص أخر بشبهة كأن اعتقد أنها زوجته فجامعها خطأ فإنه يكون عليه مهر المثل وهذا المهر تملكه هي لا الزوج فلو كان الزوج يملك المنافع لا ستحق المهر لأنه من منافع البضع وهذا القدر متفق عليه في المذاهب وإن اختلفت عباراتهم في نص التعريف كما هو موضح في أسفل الصحيفة ( 1 ) .
هذا والمشهور في المذاهب ( 2 ) أن المعقود عليه هو الانتفاع بالمرأة دون الرجل كما ذكر ولكن ستعرف من مبحث أحكام النكاح أنه يحرم الانصراف عن المرأة إذا ترتب عليه إضرار بها أو إفساد لأخلاقها وعدم إحصانها كما أنه يحرم على الرجل أن تتلذذ به أجنبية عنه فقواعد المذاهب تجعل الرجل مقصورا على من تحل له كما تجعل المرأة مقصورة عليه وتحتم على الرجل أن يعفها بقدر ما يستطيع كما تحتم عليها أن تطيعه فيما يأمرها به من استمتاع إلا لعذر صحيح .
وبعد فمن المعلوم أن العقد الذي يفيد الاختصاص بالاستمتاع وحله إنما هو العقد الشرعي الصحيح وهو لابد فيه من أن يكون مستكملا للشرائط الآتية : كأن يكون على امرأة خالية من الموانع فلا يصح العقد على الرجل ولا على الخنثى المشكل ولا على الوثنية ولا على محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة كما لا يصح العقد على ما ليس من جنس الإنسان كإنسانة الماء مثلا فإنها كالبهائم .
ولابد أيضا أن يكون العقد بإيجاب وقبول شرعيين وأن يكون بشهود سواء كانت عند العقد أو قبل الدخول على رأي بعض المذاهب أما العقود المدنية أو الاستئجار لمدة معلومة أو نحو ذلك فإنها زنا يعاقب الشارع الإسلامي عليها .
( 1 ) ( الحنفية - عرف بعضهم النكاح بأنه عقد يفيد ملك المتعة قصدا ومعنى ملك المتعة اختصاص الرجل ببضع المرأة . وسائر بدنها من حيث التلذذ فليس المراد بالملك الملك الحقيقي وبعضهم يقول : إنه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع ومعناه أنه يفيد الاختصاص بالبضع يستمتع به وبعضهم يقول : إنه يفيد ملك الانتفاع بالبضع وبسائر أجزاء البدن بمعنى أن الزوج يختص بالاستمتاع بذلك دون سواه وكل هذه العبارات معناها واحد فالذي يقول : إنه يملك الذات لا يريد الملك الحقيقي طبعا لأن الحرة لا تملك وإنما يريد أنه يملك الانتفاع . وقولهم : قصدا خرج به ما يفيد تلك المتعة ضمنا كما إذا اشترى جارية فإنه عقد شرائها يفيد حل وطئها ضمنا وهو ليس عقد نكاح كما لا يخفى .
الشافعية - عرف بعضهم النكاح بأنه عقد يتضمن ملك وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو معناهما والمراد أنه يترتب عليه ملك الانتفاع باللذة المعروفة وعلى هذا يكون عقد تمليك كما ذكر في أعلى الصحيفة وبعضهم يقول : إنه يتضمن إباحة الوطء الخ فهو عقد إباحة لا عقد تمليك وثمرة هذا الخلاف أنه لو حلف أنه لا يملك شيئا ولا نية له فإنه لا يحنث إذا كان يملك الزوجة فقط على القول بأن العقد لا يفيد الملك أما على القول الآخر فإنه يحنث والراجح عندهم أنه عقد إباحة .
المالكية - عرفوا النكاح بأنه عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقده حرمتها ان حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على غير المشهور اه ابن عرفة ومعنى هذا أن النكاح عبارة عن عقد على متعة التلذذ المجردة . فقوله : عقد شمل سائر العقود وقوله : على متعة التلذذ خرج به كل عقد على متعة التلذذ كالبيع والشراء وخرج بكلمة التلذذ العقد على متعة معنوية كالعقد على منصب أو جاه وخرج بقوله : المجردة عقد شراء أمة للتلذذ بها . فإن العقد في هذه الحالة لم يكن لمجرد التلذذ بوطئها وإنما هو لملكها قصدا والتلذذ بها ضمنا فهو عقد شراء لا عقد نكاح وقوله : بآدمية خرج به عقد المتعة بالطعام والشراب وقوله : غير موجب قيمتها خرج به عقد تحليل الأمة إن وقع ببينة وذلك كأن يملك شخص منفعة الاستمتاع بأمته فإن هذا لا يقال له عقد نكاح كما لا يقال له إجازة وهو يوجب قيمة الأمة إن وقع أما عقد النكاح فإنه لا يوجب قيمة العقود عليها وقوله : غير عالم عاقده حرمتها أي حرمة المعقود عليها بالكتاب أو الإجماع فإن كانت محرمة عليه بالكتاب وعقد عليها وقع العقد باطلا فلا يسمى نكاحا من أصله وإن كانت محرمة بالإجماع سمي نكاحا فاسدا هذا هو المشهور وغير المشهور أنه لا يسمى نكاحا أصلا سواء كان التحريم بالكتاب أو الإجماع فقوله : غير عالم عاقده حرمتها ان حرمها الكتاب معناه أن هذا قيد يخرج به عقد العالم بالتحريم بالكتاب من عقد النكاح أصلا وقوله : أو الإجماع على غير المشهور معناه أن هذا قيد يخرج به عقد العالم بالتحريم بالإجماع فلا يسمى نكاحا ولكن على خلاف المشهور لأنك قد عرفت أن المشهور يسمى نكاحا فاسدا وقوله : ببينة قبله أي قبل التلذذ وأخرج به ما إذا دخل بها قبل أن يشهد على الدخول فإن العقد لا يكون عقد نكاح ويرد عليه أنه إذا دخل بها بدون شهود يفسخ بطلقة وهذا فرع ثبوت النكاح والجواب أن الفسخ حصل بناء على إقرارهما بالعقد ورفع عنهما الحد بشبهة العقد اه .
وقد صرح المالكية في أول الإجازة أن عقد النكاح هو عقد تمليك انتفاع بالبضع وسائر بدن الزوجة كما ذكرنا في أعلى الصحيفة السابقة .
الحنابلة - قالوا : هو عقد بلفظ إنكاح أو تزويج على منفعة الاستمتاع وهم يريدون بالمنفعة الانتفاع كغيرهم لأن المرأة التي وطئت بشبهة أو بزنا كرها عنها لها مهر مثلها وهي تملكه لا الزوج إن كانت متزوجة لقوله عليه السلام : " فلها بما استحق من فرجها " أي نال منه بالوطء ) .
( 2 ) ( الشافعية - قالوا : إن الراجح هو أن المعقود عليه بالمرأة أي الانتفاع ببعضها وقيل : المعقود عليه كل من الزوجين فعلى القول الأول لا تطالبه بالوطء لأنه حقه ولكن الأولى له أن يحصنها ويعفها وعلى القول الثاني لها الحق في مطالبته بالوطء كما أن له الحق في مطالبتها لأن العقد على المنفعتين منفعته بها ومنفعتها به وهذا حشن وإن كان مرجوحا .
لأن الرجل قد ينصرف عن المرأة فتفسد أخلاقها . وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعفها أو يسرحها بالمعروف .
الحنفية - قالوا : إن الحق في التمتع للرجل لا للمرأة بمعنى أن للرجل أن يجبر المرأة على الاستمتاع بها بخلافها فليس لها جبره إلا مرة واحدة ولكن يجب عليه ديانة أن يحصنها ويعفها كي لا تفسد أخلاقها )