- تصح الهبة في مقالبل عوض مالي كما إذا قال شخص لآخر : وهبت لك داري هذه بشرط أن تعوضني عنها مائة جنيه أو نحو ذلك على تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : للواهب أن يشترط العوض المالي على هبته ويعبر عن العوض بالثواب ويقال للهبة ( هبة الثواب ) .
وينبغي أن يكون شرط العوض مقارنا لصيغة الهبة كأن يقول وهبتك أو أعطيتك هذا الشيء على أن تعوضني أو تثيبني .
وهل يشترط تعين جنس العوض وقدره أو لا ؟ .
والجواب أنه لا يشترط على الصحيح .
ففي ذلك صورتان الصورة الأولى : أن لا يعين جنس العوض وقدره بأن يقول الواهب : وهبت لك كذا بشرط أن تعوضني فإذا قبل الموهوب له كان الحكم في هذه الصورة أن عقد الهبة بلزم الواهب إذا قبض الموهوب العين الموهوبة .
أما قبل القبض فللواهب الرجوع فإذا قبضها الموهوب له لا يلزمه دفع العوض بالقبض بل له أن يردها على صاحبها أو يدفع له قيمتها على صاحبا قبولها أو قبول قيمتها .
أما قبل القبض فله أن يمتنع عن قبول قيمتها ولو مضاعفة هذا إذا لم يتصرف فيها الموهوب له تصرفا بزيد في قيمتها فإن زادت عنده بسمن أو كبر أو نقصت بمرضص فإنها تلزم الموهوب له في هذه الحالة وعليه دفع فقيمتها على المعتمد وليس له ردها .
والحاصل أن الواهب يكون مخيرا قبل القبض أما بعد القبض فإن الواهب يلزم بتنفيذ الهبة ويكون الخيار للموهوب له بين رد العين الموهوبة وبين دفع قيمتها يوم قبضها وهذا إذا لم يتصرف بما يغير حالها من زبادة فإن فعل كان ملزما بالقيمة .
الصورة الثانية : أن يعين جنس العوض وقدره كأن يقول له وهبت لك هذه الدار بشرط ان تعوضني مائة أو تعوضني البستان الفلاني وحكم هذه الصورة أن العقد يلزم بمجرد القبول سواء قبض الموهوب له بالعوض سواء قبض أو لم يقبض فالعقد منهما برضى الموهوب له فإذا متنع عن دفع العوض يجبر عليه .
والهبة في نظير العوض بيع في الحقيقة فلا تخالف إلا في أمور يسيرة منها أنها تجوز مع جهل العوض بخلاف البيع فإنه يشترط فيه الثمن وأنها تجوز الأجل بخلاف البيع .
ولا يلزم أن يكون القبول فيها فورا كما في البيع فهي تحل ما أحله البيع ما حرمه ؟ ؟ فلا تصح هبتة ما لا يصح بيعه كالجنين في بطن أمه وثمر البستان الذي يظهر صلاحه .
ويلاحظ في العوض أن يكون مما يصح دفعه في بيع السلم حتى لا يفضي إلى الربا فإذا وهب له عروض تجارة يجوز أن يعوضه عنها من فضة وذهب أو طعام من قمح وشعير إلى ونحوهما أو عروض تجارة من غير جنس العروض الوهوبة وهب له قماشا ساغ أن يعوضه عنها أو أصنافا عطرية ونحو ذلك .
وإذا وهب له فضة فلا يصح أن يعوضه عنها دهبا إذا كان في المجلس قبل تفرقهما أما في المجلس فيجوز لأنه يكون من قبيل الصرف .
وكذلك إذا وهب له ذهبا فإنه لا يجوز أن يعوضه فضة إلا في المجلس له خروفا مذبوحا ( لحما ) فإنه لا يجوز أو يعوضه خروفا حيا وبالعكس . وإذا وهب ( حبوبا ) فإنه يجوز أن يعوضه عنها عروض تجارة ونقودا ولا حبوبا لئلا يفضي ذلك بيع الطعام لأجل منع الزيادة ولو في الجملة .
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا لا مبهما ولا معينا ولكنه ادعى أنه قصد العوض عند هبته بعد قبض العين الموهوبة فإنه يصدق مالم تقم قرينة أو يدل عرف عملي يشهد ضده فإذا كان مثل الواهب لا يطلب في هبته عوضا من مثل الموهوب لن القول للوهوب له قبل القبض فالقول للواهب مطلاق .
وإذا كانت الهبة لعرس وكان العرف يقتضي معوض عليها فللواهب أن يأخذ قيمة هبته معجلا ولا ينتظر إلى عرس عنده كما هو المعتاد في بعض الجهات هدايا العرس مثلها إلى مهديها .
وإذا اخذ المهدي قيمتها عاجلا فإن لصاحب العرس أن يحاسبه على ما أكله عنده وأتباعه من نساء ورجال .
أما إذا كان العرف لا يقضتي الرد فلا حق للواهب في طلبها .
وإذا وهب نقودا مسكونة ولم يشترط العوض فإنه لاحق له في المطالبة بالعوض بدعوى أنه كان ينوي العوض مطلقا ومثل التقود المسكوكة السبائك والحلي المكسر فإنه لا عوض فيه إلا بالشرط أما الحلي الصحيح فإن الواهب يصدق فيه .
فإن وهب أحد الزوجين للآخر فإنه لا يصدق في دعوى العوض إلا إذا شرطه أو قامت قرينه تدل على نية العوض وهذا في غير النقود المسكوكة أما هي فلا يصدق فيها إلا بالشرط ولا تكفي القرينة .
وكذا إذا وهب شيئا لقادم من سفر ولم يشترط العوض فإنه لا يصدق في دعوى العوض ولو كان فقيرا وتضيع الهبة مجانا .
الحنفية - قالوا : الهبة بشرط العوض جائزة ويصح عقد الهبة والعوض لازما للواهب والموهوب له إذا قبض الواهب العوض أما إذا لم يقبضه كان لكل منهما الرجوع ولو قبض الموهوب الهبة كما عرفت .
ويشترط في ذلك أن يذكر الموهوب له لفظا يعلم الواهب منه لأن العوض بدل عن كل هبته كأن يقول له : خذ هذا المال أو العقار عوض هبتك أو بدلها أو في مقابلها ونحو ذلك . فإذا لم يذكر ذلك كان للواهب حق الرجوع في هبته وكان للموهوب له حق الرجوع في العوض الذي دفعه .
وبعضهم يقول إنه لا يشترط أن يقول خذ بدل هديتك أو عوضها بل اللازم فعل ما يدل على ذلك بما هو متعارف بين الناس فإذا دفع إليه المبلغ بقصد العوض وكان معروفا أنه لا يكون لهما حق الرجوع .
ويشترط في العوض ما يشترط في الهبة فلا يتم إلا بالقبض ولا بد أن يكون مقروزا غير شائع الخ ولا فرق فيه بين أن يكون موازيا للهبة أو أكثر أو أقل .
وإذا وهب الأب لابنه الصغير فإنه لا يجوز له أن يأخذ في نظير هبته عوضا من مال الصغير وإذا وهب الموهوب . وإذا وهب النصراني للمسلم عينا فإنه لا يجوز أن يعوضه بدلها خمرا أو خنزيرا .
ويشترط أن لا يكون العوض بعض الموهوب . فإذا وهب له بقرتين فلا يصح أن يعطيه إحداهما عوضا فإذا فعل كان للواهب حق الرجوع في الثانية .
وهل يشترط في العرض أن يذكر في عقد الهبة أو يصح بعد تمامها بحيث إذا قبضها الموهوب له وأراد الواهب الرجوع فيها فأعطاه الموهوب له عوضا يصح ويمنع الرجوع ؟ خلاف .
وبعضهم يقول : إنه لا بد من ذكره في عقد الهبة .
وبعضهم يقول : لا بل اللازم هو إضافة للهبة التي تمت كأن يقول : هذا عوض عن هبتك فإذا قبضه لا يكون له حق الرجوع .
أما إذا لم ينص على أنه عوض عن هبته فإن الوض يكون هبة جديدة ويكون لكل منهما حق الرجوع .
الشافعية - قالوا : الهبة بشرط العوض ويقال له الثواب صحيحة بشرط أن يكون العوض معلوما وفي هذه الحالة تكون بيعا لها حكم البيع .
أما إذا لم يشترط العوض ولا عدمه فإذا كانت قرينة على طلب العوض وجب دفعه أو رد الموهوب وإذا لم تقم قرينة فلا عوض ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواهب أعلى من الموهوب له أو نظيره أو أدنى منه .
وإذا شرط عوضا غير معين كأن قال : وهبتك على أن تعوضني دابة مثلا فإن الهبة تبطل فإذا قبضها كانت معاوضة بالشراء الفاسد فيضمنها ضمان المغصوب .
الحنابلة - قالوا : الهبة بشررط العوض تصح إن كان العوض معلوما حكم اليبع تثبت فيها الشفعة ونحوها مما يثبت في البيع .
أما إن كان العوض مجهولا فإن الهبة لم تصح أصلا ويكون حكمها في هذه الحالة حكم البيع الفاسد فغن قبضها الموهوب له كان عليه ضمانها بمثلها وإن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة وإن كانت باقية وجب عليه ردها بزيادتها المتصلة والمفصلة .
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا وادعى أنه وهبها للعوض يسمح قوله - ولو قامت القرينة على ذلك أو كان العلاف مؤيدة في دعواه - لأن مدلول لفظ هبة العوض والقرائن لا تساوي اللفظ الصريح فلا يعمل بها )