- كل من شأنه أن يقرب من قلوب الناس فيها المحبة ويؤكد روابط الود مطلوب في نظر الشريعة الإسلامية ويتفاوت طلبه بتفاوت حاجة الناس إليه فما كان لازما ضروريا لحياتهم كان القيام به فرضا لازما على كل فرد من الأفراد كزكاة الأموال التي فرضها الله تعالى بقوله : { والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } لأن لا بد منه في هذه الحياة الدنيا أن يوجد أفراد بين الناس عاجزون عن سلزك سبل الحياة وتحصل الضروري من القوت .
فمن المفروض إنقاظ هؤلاء وإعطائهم ما يدفع غائلة الجوع والعري .
أما ما زاد على ذلك من إنفاق المال وبذله فهو مندوب لما فيه من إيجاد التألف والتحاب .
فالهبة مندوبة رسول الله A " تهادوا تحابوا " .
فمن تصدق بهيبته التحبب إلى الناس روابط الأخوة الإسلامية التي قال الله تعالى في شأنها { إنما المؤمنون إخوة } وقصد امتثال النبي A فإنه يثاب على هبته بقدر نيته .
أما من وهب ماله أو اهاده لغرض خسيس لا يقره ورسوله فإنه يعاقب بقدر نيته . كما قال رسول الله A " إنما الأعمال بالنيات " .
ومعنى الهبة في اللغة التفضل على الغير ولو مال قال الله تعالى : ( فهب لي من لدنك وليا ) .
أما معناها في اصطلاح الفقاء ففيه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : الهبة تمليك العين بلا شروط العوض في الحال .
ومعنى ذلك ان الشخص الذي يملك عينا صحيحا يصح له أن يملكها غيره من غير أن يتوقف ذلك التمليك على عوض يأخذه صاحب العين المرهوب له .
وهذا لا ينافي أن للمالك أن يهب تلك العين بشرط أن بأخذ عوضا وهي الهبة بشرط العوض .
لأن الغرض نفى كون مشروطا في صحة الهبة .
أما كونها قد لا يفعلها إلا الوض فذلك كما إذا قال له وهبتك هذه الدار بشرط أن تعطني مائة جنيه .
فقوله تمليك جنس يشمل البيع والهبة وغيرهما .
وقوله العين فصل يخرج تمليك المنافع من إجارة وعارية ونحوهما . ولكنه يخرج هبة الدين لغير المدين لأن الدين لا يسمى عينا .
فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر فوهبها لشخص آخر وأمره بقبضها فإن الهبة تصح لأن الموهوب له أن بقبض المائة أولا بالنيابة عن صاحبها ثم يكون قابضا لها عن نفسه لأنها موهوبة له .
نعم لا تصح الهبة إلا إذا امره بالقبض . ولا تلزم إلا بالقبض فإذا رجع الواهب قبل القبض بطلت الهبة .
الجواب : ان الدين وغن كان لا يسمى عينا وهو دين إلا أنه يصير مالا بعد أن يأذنه بالقبض ثم يقبضه بالنيابة فإنه يصير بعد ذلك عينا لا دينا فتصح هبته فالمراد ما هو في الحال أو المآل .
أما هبة الدين لمن عليه الدين فإنها ليست هبة حقيقة بل هي مجاز عن إبرائه من الدين فهي إسقاط وإن كانت بلفظ الهبة .
وقوله بلا شرط العوض فصل أخرج البيع ونحوه مما يشترط فيه العوض ولكن تدخل فيه الصدقة لأنها تمليك العين بلا عوض .
وأجاب بعضهم بأن التعريف هنا تعريف بالأعم وهو جائز في مثل هذه التعارف وقد يقال إن الصدقة ملاحظ فيها وجه الله تعالى فقط .
أما الهبة فيلاحظ فيها خاطر الموهوب له سواء كان ذلك مع ملاحظة وجه الله أو لا كما يقول المالكية فإذا لوحظ ذلك في التعريف يكون حسنا .
وقوله : في الحال فصل يخرج الوصية لأنها تمليك بلا عوض في المستقل .
المالكية - قالوا : الهبة تمليك لذات بلا عوض لوجه الموهوب له وحده وتسمى هدية .
ومعنى ذلك أن الشخص الذي عينا ملكا صحيحا له أن يملكها غيره بدون مقابل يأخذه مرضاة لذلك الشخص بقطع النظر عن الثواب الأخروي فالتمليك على هذا الوجه يسمى هبة .
فقوله تمليك جنس يشمل الهبة والبيع ونحوهما .
وقوله : لذات فصل يخرج المنافع كالعارية والوقف ونحوهما .
وقوله : بلا عوض فصل يخرج ونحوه مما يشترط فيه العوض .
وقوله : لوجه الموهوب له الخ فصل الصدقة لأنها تمليك لوجه الله تعالى وحده أو تمليك بقصد مرضاة الشخص ومرضاة الله على الراجح .
وقيل الصدقة هي ما قصد بها ما قصد بها وجه الله وحده بدون ملاحظة المعطى ( بالفتح ) .
الشافعية - قالوا : الهبة تطلق على معنين : .
أحدهما : عام يتناول الهدية والصدقة .
ثانيهما : خاص بالهبة ويقال لها ذات الأركان .
فالمعنى تمليك تطوع حال الحياة فالتمليك خرج عنه ما ليس فيه تمليك كالعارية والضيافة والوقف لأنها إباحة وخرج بالتطوع التمليك القهري كالحاصل بالبيع هل الزكاة والنذر والكفارة كالبيع يقع فيها التمليك قهرا أو هي لا تمليك فيها بل هي من قبيل وفاء الدين ؟ .
والجواب : أن المستحقين في هذه الأشياء ملكهم قبل ان تدفع إليهم فإذا حال الحول على المال أصبح ملك المستحقين للزكاة متقررا في ذمة المكلف فإعطاؤها للذمة لا تمليك جديد ومثلها النذر والفارة . وقوله الحياة أخرج الوصية .
فالمتطوع بتمليك ماله من غير عوض حال حياة يقال له : مصدق ومهدي وموهب أما المعنى الخاص فهو مقصور على الهبة وهو تمليك تطوع في حياة لا لإكرام ولا ثواب أو احتاج بإيجاب وقبول .
فقوله : لا لأجل ثواب أو احتياج أخرج الصدقة لأن المقصود منها الثواب الأخروي أو سد حاجة الفقير .
وكذلك قوله بإيجاب وقبول فإن الصدقة والهدية لا يشترط فيها الإيجاب والهبة بهذا المعنى هي مقصودة عند الإطلاق .
ومن هذا تعلم أن الصدقة هي تمليك تطوع حال الحياة لأجل الثواب أو الاحتباج وهذا المعنى يسمى هبة والهدية تمليك تطوع كذلك لقصد الإكرام الخ . وهذا المعنى يسمى هبة أيضا فكل صدقة هبة وكل هدية هبة .
أما الهبة بالمعنى الخاص فلا تسمى صدقة ولا هدية . فإذا حلف لا يتصدق أو لا يهدي ثم وهب بالمعنى الخص فإنه لا يحنث .
أما إذا حلف لا يهب ثم تصدق أو أهدى فإنه يحنث .
ويمكن اجتماع الثلاثة فيما إذا أعطى له شيئا إكراما وقصد ثواب الآخرة تأتى بإيجاب وقبول فهذا يقال له هبة وصدقة وتنفرد فيما إذا يقصد الثواب أو الإكرام ويأتي بالإيجاب والقبول .
أما الصدقة والهدية فإنهما لا ينفردان لأن الإعطاء مع الإكرام يسمى هدية وهبة وكذلك الإعطاء مع قصد الثواب .
الحنابلة - قالوا : الهبة تمليك جائز التصرف مالا معلوما أو مجهولا تعذر علمه موجودا مقدورا على تسليمه غير واجب في هذه الحياة بلا عوض .
فقوله : تمليك جائز التصرف معناه أن يكون لشخص مال مملوك فيملكه ( يعطيه ) لغيره بشرط أن يكون صاحب المال أهلا للتصرف ( مكلف رشيد ) .
وقوله : ( مالا ) يشمل العقار الثابت والمنقول فإنه يصح هبته .
وقوله : ( معلوما أو مجهولا تعذر علمه ) معناه أن المال الذي يوهب لا بد أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا علمه كما إذا اختلط قمح شخص بقمح جازه فإنه يصح أن يهب أحدهما قمحه لصاحبه .
وقوله : موجودا خرج المعدوم فلا يصح هبة قبل أن تحمل به .
وقوله : مقدورا على تسليمه خرج ما ليس كذلك كالطير في الهواء فإن هبته لا تصح .
وقوله : غير واحب خرج به المال الواجب بذله كمال الزكاة والنذر والكفارة فإنه ليس بهبته .
وقوله : بلا عوض خرج به البيع ونحوه .
والهبة والهدية والصدقة والعطيه بمعنى واحد وهو تمليك في الحياة بلا عوض إلا أنها تختلف بالنية .
فإذا أرد بإعطائه ثواب الآخرة فقد كانت صدقة .
وإن قصد إكراما وتوددا ومكافأة كانت هدية .
وإن لم يقصد شيئا كانت هبة وعطية )