فوضعه في جراب فوق دابته ثم نزل ليقضي حاجته فخاف على المال فأخذه معه ولما قضى حاجته نسيه وقام ذكره ونسي المكان الذي وضعه فيه فإنه يضمنه وقيل لا يضمنه .
ومنها : أن يدخل بها الحمام ونحوه فتضيع فإنه يضمنها بشرطين : .
الأول : ان لا يجد أمينا يضعها عنده قبل دخوله .
الثاني : أن لا يعلم صاحبها عند الإيداع أن الوديع ذاهب إلى الحمام أو المفلس فإذا كان عاما بذلك فإن الوديع لا يضمن إلا إذا كانت العادة أن الوديع لا يدخل الحمام أو المغطس قبل أن يودع ما معه أمين فإن كان كذلك فإن الوديع يضمن . ومثل الحمام والمغطس في ذلك السوق .
ومنها : أن يودعها الوديع عند أمين آخر بدون إذن صاحبها فإذا فعل وضاعت أو تلفت كان ضامنا لها بشرطين : .
الشرط الأول : أن يودعها عند أجنبي عنه أما إذا أودعها عند زوجة وأمة أو شخص استأجره لخدمته أو ابنه فإنه لا يضمن إذا اعتاد الإبداع عندهم بأن تطول بأن تطول مدة إقامتهم معه ويثق معه ويثق أما إذا كانت الزوجة جديدة أو الأمة أو الأجير كذلك ولم يعرف أمنتهم فإنه يضمن إذا ضاعت الوديعة عندهم كما يضمن بإيداعها عند الأجنبي . وإذا عها عند أجنبي ثم رجعت إليه سالمة وضاعت عنده بعد ذلك فإنه لا يضمن .
الشرط الثاني : أن يودعها عند الأجنبي بغير عذر . أما إذا أودعها لعذر فإنه لا يضمنها فإذا كانت في منزل وقد يقط بعض حيطانه وخاف عليها من السرقة ولم يستطع ردها لصاحبها لغيابه أو لسجنه فأودعها عند أمين غيرهفإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف . ومثل ذلك ما إذا وقع حريق في المنزل الذي هي فيه أو أراد الوديع السفر إلى جهة ولم يستطع ردها لصاحبها فإن له إيداعها عند أجنبي ولا ضمان عليه . ولكن لا بد من الشهود على العذر فإذا ادعى الوديع أنه أودعها لسقوط داره أو لسفره بدون أن تشهد البينة على ذلك فإنه لا يصدق ولا بد أن تكون البينة قد شاهدت نفس العذر فلا يكفي أن يقول للشهود : اشهدوا أنني أودعتها عند فلان لسقوط حيطان المنزل من غير أن يروا ذلك .
فإذا زال العذر وجب عليه أن يسترجعها فإذا لم يسترجعها وذاعت كان عليه ضمانها إلا إذا كان العذر السفر فإنه لا يجب عليه استرجاعها إلا إذا كان ناويا العودة إلى البلدة التي سافر منها .
أما إذا نوى الارتحال ليقيم في بلدة أخرى ولا يعود ينو شيئا ثم عاد بعد ذلك فإنه لا يجب عليه استرجاعها وإنما يستحب له ذلك ولا يجب على الوديع الثاني أن يردها إلى الأول إلا في الحالة الأولى وهي حالة ما إذا كان ينوي العودة أما في الحالة الثانية فإنه لا يجب عليه ردها إليه فإذا حصل تنازع في نية العودة فقال الوديع الأول : إنه كان ينوي العودة وقال الثاني : إنه ينوي عدم العودة فإنه ينظر إلى السفر فإن كان الغالب في مثله العودة فيقضي بها للوديع الأول وإن كان الغالب فيه عدم العودة .
أو استوى الأمران فيقتضي بها للوديع الثاني ويكون ضمانها على الثاني ويبرأ الأول منها .
ومن الأمور التي توجب ضمان الوديعة أن يرسلها الوديع إلى صاحبها بدون إذنه فتضيع من الرسول أو تتلف فإنه يضمنها . وكذا إذا ذهب الوديع بنفسه بها صاحبها فهلكت في الطريق أو تلفت فإنه يضمنها . ومثل ذلك الوديع في ذلك الوصي على مال فإذا أو صى شخص آخر على ماله ثم مالت صاحب المال فبعث المال للورثة بدون إذنهم أو سافر به إليهم فضاع أو تلف فإنه يكون ضامنا له على الراجح . وبعضهم يقول : لا يضمن وبعضهم يقول : إن سافر بها في وقت مخوف ضمن وإلا فلا .
ومنها : أن تكون الوديعة دابة ونحوها فيطلق عليها الوديع الفحل بقصد إحبالها بدون إذن صاحبها فتموت بسبب وطء الحمل أو تحبل ثم تموت بسبب الولادة فإن الوديع يضمنها . أما إذا أذنه صاحبها بذلك فلا ضمان عليه .
أما الراعي الذي يرعى بقرة ونحوها فإنه إذا طلب فحلا على أنثى من الحيوانات التي يرعاها لغرض إحبالها فماتت فإنه لا يضمنها وإذا كان المتعارف أن الرعاة يعملون مثل ذلك حتى لا تفوت مدة حمل الحيوان فتضيع ثمرته في هذه الحالة يكون مأذونا حكما .
أما إذا كان العرف على خلاف ذلك أو اشترط صاحبها عدم ذلك فإنه يضمن وهذا القول هو الظاهر : .
ومنها : أن ينكر الوديعة رأسا كأن يقول لصاحبها : لم تودعني شيئا هذه المسألة أربع صور : .
الصورة الأولى : أن يستمر على إنكاره ولا بينة لصاحبها عليه وفي هذه الحالة لا يضمن الوديع شيئا .
الصورة الثانية : ان يعترف بها إنكارها ثم يدعي ضياعها ولا بينة له وفي هذه الحالة يضمنها ولا ينفعه إقراره بلا خلاف .
الصورة الثالثة : أن ينكر إيداعها ثم يعتبر به ويدعي أنه ردها لصاحبها ويقيم البينة على ذلك وهذه فيها خلاف فبعضهم يقول : إن بينة الوديع ناقص نفسه يقول تقبل .
الصورة الرابعة : أن ينكر إيداعها فيقيم صاحبها البينة على الإيداع فيدعي الوديع ردها ويقيم البينة على ذلك . وحكم هذه الصورة الثالثة . ورجح القول بعدم سماع بينة الوديع بعد إنكاره في الحالتين .
ومنها : أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة ولم توجد في تركته فإن لصاحبها الحق في أن يأخذ مثلها أو قيمتها من تركة الميت . وإن كانت التركة مدينة فإن له أن يدخل مع الدائنين بحصة مناسبة لوديعته وفي هذه المسألة صورتان : .
الصورة الأولى : أن يثبت الإيداع بإقرار الوديع قبل موته وفي هذه الحالة لا يكون لصاحبها الحق في المطالبة بها موته إذا مضى على إيداعها زمن طويل بقدر بعشر سنين فإذا مضى عليها ذلك فلا يكون له الحق إذ يجوز أن يكون قد أخذها من الوديع قبل موته .
الصورة الثانية : ان يثبت الإبداع ببينة مقصودة لتوثيق بأن يحضرها المودع عند الإيداع لتأكد المحافظة على وديعته وفي هذه الحالة لا تسقط مهما طال طال عليها الزمن .
هذا لم يبنها الوديع قبل موته ولم توجد في تركته . أما إذا بينها وأوصى بها بأن قال : إن الوديعة التي في مكان كذا هي لفلان فإن الميت يبرأ فإن وجدت في المكان الذي قال عنه اخذها صاحبها وإن لم توجد ضاعت عليه ولا يكون له الحق في المطالبة بشيء لأن الوديع أمين فهو مصدق فيما يقول فحيث قال إنها بمكان كذا دل ذلك على أنه لم يستلفها حال حياته ولم يتصرف فيها وأنها سرقت من ذلك المكان فلا يضمنها .
أما إذا لم يقل فيحمل على أنه تسلفها وتصرف فيها فعليه ضمانها . وإذا ادعى شخص أن له وديعة عند فلان الميت ولم يثبت الإيداع ببينة أو إقرار فإن وجدت الوديعة مكتوبا عليها بخط المتوفى في أنها لفلان فإنها تكون حقا لصاحبها بشرط أن يثبت بالنية أن الخلط خط المتوفى .
أما إذا كانت الكتابة بخط صاحبها لا بخط المتوفى فقيل يكون فيها أيضا وقيل لا إذ يحتمل أن يكون قد تواطأ مع أحد الورثة على إخراج شيء إليه كتب عليه اسمه .
ومنها : أن يكون صاحب الوديعة مضطهدا من ظالم يريد أن يصادره في ماله فيحملها الوديع إلى صاحبها حين مصادرة الظالم إياه فإذا استولى عليها الظالم فإن الوديع يضمنها في هذه الحالة لأنه يجب عليه إخفاؤها عن الظالم وحفظها . وإذا خاف الوديع فيصادرها مع ماله فقيل يجوز له حملها إليه وقيل لا .
ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة هلاكها بيد رسول أرسلت معه وفي هذه المسألة ثلاث صور : .
الصورة الأولى : أن يكون ضامنا على رسول فيضمنها الرسول ( سواء كان من طرف صاحب الوديعة أو من طرف الوديع ) في حالة واحدة وهي أن يحملها فيموت قبل أن يصل إلأى البلد التي بها صاحقب الوديعة ولم توجد في تركته فتؤخذ في هذه الحالة من تركة الرسول ثم إن كان من طرف رب المال فلا يكون الوديع مسؤولا عنها وإن كان من طرف الوديع كان مسؤولا عنها فعليه أن يسلمها لربها ويأخذها هو من تركة الرسول .
الصورة الثانية : أن يكون ضمانها على الوديع فيضمنها الوديع إذا أرسلها مع رسول من طرفه فمات الرسول بعد وصوله إلى البلد القاطن الوديعة ولم توجد معه وادعى صاحبها أنها لم تصل إليه كان الوديع ضامنا لها لأنه لا يبرأ إلا بوصول المال أو إلى رسول صاحبه بينة أو إقرار .
الصورة الثالثة : أن تضيع على صاحبها ويبرأ الرسول والوديع وذلك إذا أرسلها مع رسول من طرف صاحب الوديعة فحملها ووصل بها البلد الذي به صاحب الوديعة ثم مات الرسول فإنها في هذه الحالة تضيع على صاحبها لاحتمال أن الرسول أعطاها لصاحبها الذي أرسله بعد وصوله فلا ضمان عليه كما لا ضمان على الوديع لأنه سلم الوديعة لرسول صاحبها ببينة فإذا سلمها إليه بدون بينة ولم يمت الرسول ولكن بينة وبين صاحبها خلف فقال الرسول إنه سلمها وقال المرسل إليه كلا ولا بينة للرسول كان الوديع ضامنا .
أما إذا سلمها الوديع للرسول بينة فإنه يبرأ بذلك ويكون الضمان على الرسول إذا لم تكن له بينة .
ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يدفع الوديعة لشخص غير صاحبها فيدعي ذلك الشخص أنها ضاعت أو تلفت . ويدعي الوديع لذلك الشخص بناء على أمر صاحبها مباشرة أو بواسطة بأن يقول : أنت أمرتني بدفعها له بنفسك ولا بواسطة بدفع وديعتي لغيري .
فإن لم تكن للوديع بينه على دعواه طلب من صاحب الوديعة أن يحلف فإذا حلف يلزم بها الوديع وإن لم يحلف حلف الوديع وبرئت ذمته .
ثم إن كانت دعوى الوديع أنه دفعها للشخص بأمر صاحبها بنفسه مباشرة فليس له حق الرجوع على ذلك الشخص في حالة ضمانه للوديعة لأنه يكون في دعواه معترفا بأن صاحبها أمره بدفعها له وقد ظلمه بالإنكار فلا يظلمه الوديع بالرجوع عليه أما إن كانت دعواه بأنه له بأمارة أو كتاب بغير خط صاحبها فغن الرجوع على ذلك الشخص إن كانت الوديعة موجودة في يده أو أتلفت بسببه أما إن كانت قد تلفت بسبب آخر فلا حق في الرجوع عليه على المعتمد .
أما إن كانت للوديع بينه على صاحبها بأنه أمره بدفعها إلى ذلك الشخص فإن ذمته تبرأ ولصاحبها الحق في الرجوع على ذلك قبضها إن ثبت تعديه عليها أو كانت موجودة لم تتلف أما إذا لم يثبت تعديه عليها فلا حق له في الرجوع عليه كما لاحق له في الرجوع على الوديع .
الشافعية - قالوا : الوديع أمين لا ضمان عليه بحسب الأصل وإنما يضمن لعارض من الوارض سواء أكانت الوديعة بأجرة أم بغير أجرة . والصور التي يضمن بها الوديع عشر .
الصورة الأولى : أن ينقل الوديعة من بلدة إلى أخرى أو من دار إلى دار أقل منها صيانة وحفظا بدون ضرورة فإن ترتب على ذلك ضياع الوديعة او تلفها كان الوديع ضامنا لها ولو لم ينهه المودع إلا إذا كان نقلها خطأ أنها ملكه ولم ينتفع بها أثناء نقلها فإذا نقلها إلى جهة مساوية للجهة التي كانت بها أو احسن من الصيانة والحفظ وضاعت أو تلفت فإنه لا ضمن وكذا إذا نقلها من ( دور ) إلى دور ( دور ) منزل واحد أو من حجرة إلى حجرة فإنه لا ضمن ولو كانت أقل حفظا ما لم ينهه المودع عن نقلها فإنه إذا خالف نهيه يضمن .
الصورة الثانية : أن يدفعها الوديع إلى شخص آخر يحفظها عنده سواه كان ذلك الشخص أجنبيا عن الوديع أو ولد أو زوجة أو خادما وكذا ليس له إيداعا عند القاضي إلا بإذن مالكها .
فإذا فعل ذلك وضاعت الوديعة أو تلف كان ضامنا لها وذلك لأن صاحب الوديعة قد اختار لها الوديع بعينه ومعنى ذلك أنه لم يرض بامانة غيره . نعم للوديع وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بحارس أو خادم يعلفها ويسقيها إن كانت بحسب ما جرت به العادة وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بشرطين : .
الشرط الأول : أن يفعل الوديع ذلك بدون إذن صاحب الوديعة فإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف لأن الثاني يكون وديعا أيضا .
ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إذا صرح المالك بذلك أو قامت قرينه على انه يريد استقلاق الثاني بالوديعة وإذا صرح صاحبها بأن يكون في حفظ الاثنين تعيين ذلك فعليهما أن يقوما بوضعها في مكان بملكانه أو يستأجرانه أو يستعيرانه على أن يكون لكل منهما مفتاح فإذا انفرد أحدهما نحفظه برضاء الآخر كان كل منهما مسؤولا عنها .
الشرط الثاني : ان يدفعها لغيره بدون عذر أما إذا دفعها بعذر فإنه لا يضمن ولو لم يأذنه صاحبها .
والعذار التي تبيح للوديع إعطاء الوديعة هي كالسفر أو المرض المخوف أو الحريق الذي يشب في الجهة التي بها الوديعة أو الغرق الذي يهدد مكان الوديعة أو نحو ذلك بشرط أن لا يجدهما كأن كانا غيره ينقلها إليه ويشترط أن يحاول أولا أن يرد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله فإن لم يجدهما كأن كانا مسافرين أو مسجونين فإنه يجب عليه أن يردها للقاضي الأمين وعلى القاضي أخذها بعد ذلك ولا يلزم تأجيره سفره من أجل الوديعة لما في ذلك من الجرح الذي لا يخفى فإذا لم يتمكن من ردها بأن مات فجأة أو قتل غيله أو سافر بها لعجز عن إيصالها لمن ذكروا فلا ضمان عليه .
الصورة الثالثة : أن يسافر الوديع بها مع القدرة على ردها لصاحبها أو وكيله أو القاضي الأمين فإذا فعل وضاعت فإنه يضمن لأنه عرضها للضياع ينقلها من مكانها الأمين إلى أقل منه وكذا يضمنها إذا دفنها بمكان وسافر ولم يعلم بها أمينا براقبها .
الصورة الرابعة : أن ينكرها بعد طلب المالك لها فإذا فعل يصير غير أمين فيضمن الوديعة إلا إذا أنكرها لمصلحة كأن أنكرها ليدفع شر ظالم عن مالكها أو أنكرها إذا طلبها منه أجنبي ولو بحضرة مالكها لأن إنكاره يحمل على شدة حفظها بإخفائها عن غير صاحبها .
الصورة الخامسة : أن يترك الوديع الوصبة بالوديعة عند الإشراف على الموت ومعنى الوصية أن يعلم بها القاضي أو الأمين عند عدم وجود القاضي مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة مع الأمر بردها إليهما بالفعل أما في حال السفر فإن الوصية لا تغني عن رد الوديعة إليهما بالفعل على المعتمد فإذا ترك الوديع رد الوديعة لصاحبها في حال المرض المخوف كما تقدم أو ترك ردها لأنه عرضها للضياع بوضع يد عليها ولا يجب عليه الإشهاد على الوصية على المعتمد .
( يتبع . . . )