الأمر الأول : أن يدفعه تعجيلا لقضاء الدين كأن يقول له خذ ما على من الدين الذي ضمنتي فيه قبل أن تؤديه وفي هذه الحالة يصبح ذلك الدين ملكا للضامن فليس للمديون أن يسترده منه ثانيا ولو لم يسلمه لصاحبه لأنك قد عفرت في تعريف الكفالة أن الكفالة تقتضي دينا ومطالبة للضامن في ذمة المديون مؤجلين إلى أن يدفع الدين لصاحبه فإذا عجل ا لمديون دفع الدين للضامن فقد ملكه ملكا صحيحا فإذا اتجر فيه وربح كان ربحه حلالا طيبا وإذا هلك في يده كان ضامنا له ومسؤولا عنه .
الأمر الثاني : أن يدفعه له وعلى وجه الرسالة كأن يقول له خذ دين فلان الذي ضمنتي فيه وادفعه له فإن الدين يكون أمانة في يده وللمديون أن يسترده منه قبل ثانيا قبل أن يدفعه لصاحبه على التحقيق وإذا اتجر فيه وربح لا يحل أن يأكل ربحه بل عليه أن يتصدق به كالغاصب وإذا هلك الدين في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه ولا يكون مسؤولا عنه لأنه أمين عليه .
الأمر الثالث : أن يدفعه له بدون أن يذكر أنه على وجه الرسالة أو على وجه تعجيل قضاء الدين وفي هذه الحالة يحمل على وجه القضاء . وعلى أي حال فإذا دفع المديون لصاحبه بعد أن اعطاه للضامن فإنه على الضامن بما أعطاه .
ومنها : أن الكفالة في الضرائب ونحوها جائزة سواء كانت عادلة أو ظالمة فيجوز للشخص أن يضمن في عوائد الأملاك سنويا وفي الخراج المقرر كذلك ونحو ذلك مما يأخذه الحاكم ليضون به الأمن أو ينشيء به المصالح العامة من شق الأنهار وبناء القناطر وإصلاح الطرق وغير ذلك من المصالح العامة وكذلك يجوز له أن يضمنه في الضرائب الظالمة كالمكوس التي كانت تفعل في الأزمنة الغابرة ونحوها . وبعضهم يقول إن الضرائب الظالمة لا يصح الضمان فيها والرأيان مصححان ولكن الأول هو الأرجح . ويرجح الكفيل بما دفعه على المضمون إن كانت الكفالة بأمره .
ومنها : أن الخبر المبني على غلبة ظن الشخص واجتهاده لا يكون ضمانا ملزما للمخبر به مثلا إذا قال شخص لآخر : اسلك هذه الطريق فإنها فسلكها فلقيه لص سلبه ماله فإن المخبر الذي قال له إنها آمن لا يضمن لان عبارته هذه مبنية على ما يظنه وقد يكون مخطئا أو يكون قد عرض عليها خلل الأمن وهو لا يدري .
نعم إذا أكد هذا القول بأن قال له اسلك هذا الطريق فإن كان مخوفا ونهب مالك فأنا ضامن ففعل ونهب ماله فقد اختلف فيه فقال بعضهم إنه يضمن ما فقده من المال وبعضهم قال لا يضمن وذلك لأنه يشترط لصحة الضمان أن يكون المضمون معلوما وأمن الطريق مجهول فكيف يصح الضمان ؟ وقد أجاب القائلزن بصحة الضمان في مثل هذا مع جهل المكفول عنه بطريقة استثنائية زجرا للناس عنه فإن خطورة هذه الأمور تستدعي احتاطا خاصا فإذا عرف الناس عدم المؤاخذة فيما يقولونه من ذلك يقدمون عليه بدون مبالاة فيغررون بالناس ويوقعونهم في الأخطار وهو وجيه . أما ما أجاب به بعضهم بأن المكفول عنه وإن كان مجهولا ولكن الضمان صحيح لأن فيه تعزيرا والغرر يوجب الرجوع على من غرر إذا كان الشرط فإنه جواب لا يجدي لأن ضمان الغرر هو في الحقيقة ضمان الكفالة فيشترط له ما يشترط لها .
ومنها : أنه إذا قال زيد لعمرو ضمنت لك بما يقتضي لك عليه القاضي ثم غاب خالد المضمون فادعى عمرو المضمون له على زيد الضامن أن له كذا على خالد المضمون الغائب ويربهن على ذلك فإنه لا قبل منه وذلك لأنه لا يمكن القضاء على الغائب إلا إذا ادعى حقا على الحاضر لا يمكن إثباته إلا على الغائب وليس للمدعي حق على الكفيل لأنه إنما كفله بقضي القاضي به على الغائب فإذا أقام البينة على أن القاضي على المضمون عليه بكذا قبل غيابه وبعد الكفالة فإذا كانت الكفالة بأمر الغائب فإنه يقتضي له على الكفيل وعلى الغائب ضمنا وإن حضر الغائب وأنكر فلا يلتفت لانكاره أما إذا كانت الكفالة بغير أمره قضى على الكفيل دون الغائب .
الشافعية - قالوا : يتعلق بالضمان أحكام منها أنه لا يصح الضمان بشرط براءة المضمون الأصلي فإذا قال شخص : ضمنت الدين الذي على فلان بشرط براءة ذمته فإنه لا يصح لأن عقد الكفالة يقتضي شغل ذمة المديون والضامن معا .
ومثل ذلك الكفالة فإذا كان لشخص كفيل فجاء آخر وقال إنني أكفله بشرط براءة الكفيل الأول فإنه لا يصح .
ومنها : أن لصاحب الدين أو أوراثه مطالبة الضامن والمضمون معا أو مطالبة أحدهما بكل الدين أو ببعضه فإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر كما تقدم لأن الذمتين قد شغلتا بدين واحد فالدين بمنزلة فرض الكفالية يتعلق بذمة المتعدد ويسقط بأداء البعض .
ومنها : براءة المديون الأصلي تسلتزم براءة الضامن فإذا برئ الضامن بأن أدى الدين أو أبرأه صاحب الدين أو غير ذلك فإن ذمته تبرأ بذلك .
أما براءة الكفيل بغير الدين فإنها لا تستلزم المديون الأصلي . أما إذا كانت بغير الدفع كأن أبرأه صاحب الدين فإن كانت براءته من الضمان فقط فإنها لا تستلزم براءة ذمة المدين أما إن كانت من المدين فإنها تستلزم براءة الأصيل إن قصد صاحب إباءة أيضا وإلا فلا .
ومنها : أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو موت الضامن فإن مات المديون الأصلي فلصاحب الدين أخذ دينه من تركه قبل حلول أجل الدين فإن تأجر عن أخذ دينه فللضامن الذي أمره المديون بأن يضمنه أن يطالبه بأخذه من تركه أو إبرائه من الضمان إذ تبدد التركة فلا يجد ما يرجع عليه إن دفع .
أما الضامن الذي ضمن بدون أمر المديون فليس له أن يحث صاحب الدين على أخذ دينه من التركة لأنه لاحق له في الرجوع كما تقدم في الشروط .
وإذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين فإن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من ترته حالا وليس لورثته الحق في مطالبة الأصلي الذي أذن بالضمان قبل حلول الجل .
ومنها أن الكفيل إذا عقد صلحا مع صاحب الدين بان يأخذ أقل فلا حق له في أن يأخذ أكثر مما صالح عليه فإذا كان ضامنا لمائة فصالح على سبعين منها رجع على المديون بالسبعين فقط .
وكذا لو كان الدين أثوابا جيدة فصالح على أثواب رديئة فإنه لا يستحق إلا الأثواب التي دفعها .
وإذا كان لصاحب الدين مائة جنيه فياعه الضامن بها أثوابا فإنه يرجع على المديون الأصلي بالمائة التب باع بها لا بقيمة الثوب سواء كانت أقل من المائة أو أكثر .
ومنها أن الحوالة بالدين كآدائه فإذا أحال للضامن صاحب الدين بدينه على آخر فإن كان الضامن مأذونا بالضمان من المديون كان له حق مطالبته والرجوع عليه وإلا فلا .
ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب فإن كان الضامن قد دفع الدين ثيابا من جنس الثياب التي أخذها المدين فإنه يستحق أن يأخذ من المدين ثيابا مثلها .
الحنابلة - قالوا : من الأحكام المتعلقة بالكفالة أنه إذا قال شخص لآخر اضمن عن فلان أو أكفل عنه ففعل كان الضمان والكفالة لازمين لنفس الذي ضمن أو كفل أما الآمر فإنه لا يلزم بشيء ومنها غير ذلك مما تقدم في تعريف الضمان وشروطه )