فالدين الصحيح هو الذي لا يسقط إلا بقضائه أو الإبراء منه حقيقة أو حكما وهذا هو الدين الذي يصح ضمانه أما غيره فإنه لا يصح كدين الكتابة فإن للمديون وهو العبد المكاتب أن يفسخ عقد الكتابة متى شاء ويستثنى من ذلك الدين المشترك بين اثنين فإنه وإن كان صحيحا ولكن لا يصح لأحد الشريكين أن يضمنه .
مثلا إذا اشترى شخص من تاجر شريكين بعشرين جنيها إلى أجل فإنه لا يصح لأحد الشريكين أن يضمن المشتري في الثمن لأنه إن ضمنه مع بقاء الشركة بأن ضمنه في نصف شائع كان ضامنا لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصلي يكون له فيها نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان ضامنا لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصيل يكون له فيه نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان معناه قسمة الدين قبل قبضة وهي لا تجوز لأن معنى القسمة هي أن يفرز كل مهما نصيبه ويحزه وذلك لا يتصور في الدين قبل قبضه لأنه شغل ذمة المدين وهو أمر معنوي فإذا كان الضامن أجنبيا فإنه يصح مع بقاء الشركة فمن اشترى سلعة من تاجر وأتى لهما بضامن فإنه يصح ويكون ما يدفعه الضامن بمنزلة ما يدفعه الأصيل وكذا تستثنى النفقة المقروءة بالقضاء أو بالتراضي فإنها دين غير صحيح لأنها تسقط بالموت أو بالطلاق ومع ذلك فإنه يصح ضمانها ومحل كون النفقة تسقط بالموت أو الطلاق إذا لم تكن مستدانة بأمر القاضي وإلا فهي دين صحيح لا يسقط أصلا .
الشرط الثاني : أن يكون الدين قائما ومعنى كونه قائما أن يكون باقيا غير ساقط . فإذا كان له على ميت مفلس فإنه لا يصح ضمانه لأن الميت المفلس سقط عنه الدين . ولا يشترط أن يكون الدين معلوما تصح الكفالة بالمجهول .
ومثال الدين الصحيح القرض وثمن المبيع بعقد صحيح فإذا اشترى شخص سلعة من آخر ولم يدفع ثمنها ثم كفله شخص فيها ودفع ثمنها ثم ظهر فساد العقد بعد ذلك كان الكفيل مخيرا بين أن يرجع بما دفعه على البائع أو على المشتري . أما إذا كان عقد البيع صحيحا وقت الكفالة ثم أضيف إليه شرط أفسده بعد ذلك فإن الكفيل يرجع بما دفعه على المشتري فقط يرجع على البائع والفرق أن البائع قد قبض ما يستحقه لأن العقد كان صحيحا والكفيل يرجع على المشتري لا على البائع .
ويشترط في كفالة الأعيان أن تكون مضمونة بنفسها أو بغيرها كما ذكرنا في تعريف الكفالة . ومن الأعيان المضمونة بنفسها المبيع على سوم الشراء فإذا ساوم شخص آخر على سلعة سمى له ثمنها ثم استلمها على أن ينظر إليها أهله قبل أن يبت في شرائها فإن كفالتها تصح .
أما إذا لم يسلم ثمنها فإنها تكون أمانة ولا تصح بما ليس مضمونا كالوديعة ومال المضاربة والشركة ولكنها أمانة كالعارية والمستأجر في يد وهذه تصح كفالتها . ولكن إذا هلكت الدابة في يد المستأجر فإن الكفيل لا تلزمه قيمتها ثم إن الكفالة وإن كانت لا تصح بنفس الأعيان غير المضمونة كما ذكرنا ولكنها تصح بتسليمها فإذا كفل شخص لآخر تسليم الوديعة التي عند فلان فلان فإنها تصح ومثل ذلك ما إذا كفل له بتسليم العرية التي عنده ويشترط في الكفالة بالنفس أن تكون النفس مقدورة التسليم فلا يصح أن يكفل شخصا غائبا لا يدري مكانه لأنه يقدر على إحضاره وتسليمه . ومثل ذلك ما إذا اتفق شخص مع آخر على أن يبني له دارا بشرط أن يتولى بناءها بنفسه فإنه لا يصح كفالة الشخص الذي يتولى العمل بنفسه لأنه ليس في قدرة الكفيل أن يرغمه على العمل نعم تصح كفالته بنفسه بحيث يتولى الكفيل إحضاره عند الحاجة .
ومن الشروط التي ترجع إلى المكفول به أن لا يكون حدا أو قصاصا فلا تصح الكفالة بهما لأنهما لا يمكن تسليمها وإنما تصح كفالة الشخص الذي وجب علبه حد أو قصاص بمعنى إحضاره عند اللزوم .
القسم الخامس : يرجع إلى الصيغة فيشترط لها أن لا تكون معلقة على شرط غير موافق للكفالة كأن يقول له : أكفل لك مالك على فلان من دين إن نزل المطر أو هبت الريح ونحو ذلك فمثل هذه الصيغة لا تصح بها الكفالة لأنها معلقة على شرط غير محقق الوقوع والغرض من الكفالة التأكيد فهذا الشرط لا يناسبها . أما المعلقة على شرط موافق فهي صحيحة ويكون الرشط موافقا للكفالة بواحد من أمور ثلاثة : .
الأول : أن يمون الشرط سبببا للزوم الحق كأن يقول له : أكفل لك هذه اليلعة المبيعة إن ظهر أنها ملك لغير بائعها فالشرط هنا وهو ظهور كون المبيع ملكا للبائع سببا للزوم الحق المكفول به وهو وجوب الثمن للبائع على المشتري .
ومثل ما إذا قال له : أكفل لك سلعة المودعة عند فلان إن أنكرها وذلك لأن إنكارها سبب لوجوب ثمنها عليه وهكذا . بخلاف ما إذا قال له : امش في طريق كذا وإن أكلك سبع فأنا ضامن فإنه ضمان غير صحيح لأن فعل السبع غير مضمون .
الأمر الثاني : أن يكون سببا لسهولة تمكن من استيفاء المال من الأصيل كقوله إن قدم زيد فعلي ما عليه من الدين فالشرط في هذا المثال قدوم زيد سبب في تسهيل استيفاء صاحب الدين حقه من القادم الذي عليه الدين هو زيد . ويشترط أن يكون زيد القادم مدينا للمكفول له كما ذكرنا أو مضاربا أو غاصبا أو نحو ذلك أما إذا كان أجنبيا كأن يقول : ضمنت لك ما على زيد عند حضور عمرو من سفره فإنه لا يصح لأن عمرو الأجنبي الذي ليس مدينا ولا علاقة له بالدين لا يصح التعلق على حضوره .
الأمر الثالث : أن يكون سببا لتعذر الاستيفاء نحو إن غاب زيد عن البلد فعلى فالشرط وهو غياب زيد سبب لتعذر استيفاء الدين منه فيصح أن يكفله فيه .
ومثل ما إذا قال له : ضمنت لك ما على فلان من الدين إن مات ولم يترك شيئا ونحو ذلك .
وحاصل هذا المقام أن تعليق الكفالة صحيح إذا لم يترتب على ذلك إخلال بعقد الكفالة وهو توثيق الدين وتأكيده فإذا كان الشرط من الأمور ليست محققة الوقوع فإنه لا يصح .
ومثل ذلك ما إذا أجل الكفالة إلى أجل مجهول جهالة شديدة كما إذا قال له : أكفل لك نفس زيد عند هبوب الريح أو نزول المطر وفي هذه الحالة تثبت الكفالة ويبطل الأجل .
أما إذا أجل إلى أجل مجهول جهالة يسيرة كما إذا قاله : كفلت لك زيدا إلى الحصاد أو إلى موسم النيروز ونحو ذلك فإنه يصح وثبتت الكفالة والأجل .
أما إذا أجل الكفالة إلى وقت معين كما إذا قال له : أكفل لك زيدا أو ما على زيد من هذه الساعة إلى شهر فإنه يكون كفيلا مدة شهر بلا خلاف .
أما إذا قال له : أكفله لك شهرا بدون أن يذكر ( من ) وإلى فإن فيه خلافا فبعضهم يقول : إنه يكون كفيلا دائما وبعضهم يقول : إنه كفيل في المدة التي ذكرها ولا يكون كفيلا بعد ذلك أما إذا قال : أكفله إلى شهر فقط ( من ) فكذلك فيها الخلاف فبعضهم يقول إنها كالأول وبعضهم يقول إنها كالثاني .
والتحقيق في ذلك أن صيغ الكفالة مبنية على العرف جاريا على أن هذه الصيغ لا يقصد منها إلا تأجيل الكفالة بأجل معلوم فإنها تحمل عليه لا فرق بين أن يذكر ( من ) وإلى أو لم يذكر منهما فلو قال : كفلت لك شهرا يكون كفيلا في هذه المدة فقط ولا يكفله بعد ذلك إلا إذا قامت قرينة على خلاف العرف فيعمل بها .
وكما أن الكفالة نفسها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فكذلك البراءة منها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فإذا قال صاحب الدين للكفيل : إن جاء الغد فأتت بريء من الدين لا تصح البراءة ويكون لصاحب الدين مطالبة الكفيل كما كانمن قبل والمراد بالشرط غير الملائم هنا هو كل شرط لا يستنفذ منه صاحب الدين شيئا كما مثله وكقوله إن دخلت الدار فأتت بريء من الكفالة ونحو ذلك من الشروط التي لم يتعارف الناس . أما الشروط المتعارفة التي يستنفذ منها صاحب الدين فإنه يصح تعليق البراءة عليها كقوله : إن دفعت لي بعض الدين فأتت بريء من الكفالة في الباقي .
الشافعية - قالوا : تنقسم شروط الضمان إلى أربعة أقسام : .
القسم الأول : يرجع إلى الضامن فيشترط فيه شروط : .
أحدها : أن يكون عاقلا فلا يصح ضمان المجنون بخلاف الذي غاب عقله بسبب السكر فإن ضمانه يصح .
ثانيها : أن يكون باغا فلا يصح ضمان الصبي .
ثاثها : أن لا يكون محجورا عليه لسفه فلا يصح ضمان المحجور عليه بسبب السفه أما المحجور عليه بسبب الإفلاس فلا ضمانه يصح وكذا يصح ضمان السفيه الذي لم يحجر عليه .
رابعها : أن لا يكون مريضا مرض الموت وهو لا يصح ضمانه بشرطين : .
الأول : أن يكون عليه دين يستغرق كل ماله فإن لم يكن عليه دين مستغرق فإن ضمانه يصح .
الثاني : أن لا يطرأ له مال جديد بعد الموت فلو ظهر أن استحقاقا في مال بعد موته فإنه يصح الضمان بالنسبة له ويؤخذ المضمون من ذلك المال . أما الذي يبرأ من مرضه فإن ضمانه يصح .
رابعها : أن لا يكون مكروها فلا يصح ضمان المكره .
القسم الثاني : يرجع إلى المضمون له وهو صاحب الحق . ويشترط فيه أن يكون معروفا للضامن بشخصه فلا تكفي معرفة اسمه لتفاوت الناس في المطالبة شدة ولينا . وهل معرفة شخص وكيل المضمون له ؟ نعم تكفي على المعتمد .
ولا يشترط رضاء المضمون له لأن الضمان لا يضره إذ التزام يزيد تأكيدا .
وكذا لا يشترط معرفة المضمون عنه وهو الذي عليه الحق ولا رضاه فيجوز للإنسان أن يضمن دين الميت الذي لا يعرفه وهذا في غير ضمان النفس فإنه يشترط فيه رضاء المكفول لأنه لا يلزمه أن يذهب معه للتسليم إلا إذا أذنه بأن يكفله . ومن ضمن بغير إذن متبرعا فلا رجوع له .
القسم الثالث : يرجع إلى الصيغة فيشترط للصيغة شرطان : .
أحدهما : أن تكون لفظا يشعر بالاتزام كأن يقول : ضمنت دينك الذي لك علي أو تكفلت لك ببدن فلان ونحو ذلك مما يدل على أنه قد التزم بالشيء الذي ضمن به .
أما إذا أتى بصيغة لا تشعر بالالتزام كما إذا قال : أودي المال الذي لك عند فلان أو أحضر الشخص الذي لك عنده كذا فمثل هذه الصيغة لا تكون ضمانا وإنما تكون وعدا إلا إذا نوى بها الضمان فإنها تكون ضمانا . د .
ثانيهما : أن لا تكون معلقة أو مؤقتة فإذا قال : إن جاء الغد ضمنتك أو قال : أنا ضامن مال فلان شهرا أو كافل بدنه أسبوعا لا يصح . نعم إذا كفل دين فلان الحال أن يدفعه مؤجلا بعد شهر مثلا فإنه يصح . فإذا كان لشخص عند آخر أجل موع .
كفله شخص على أن يدفع ذلك الدين بعد شهر صحت الكفالة ويثبت الأجل للكفيل لا للأصيل حتى لو مات الأضصيل لم يحل الدين على الكفيل .
أما إذا كان الدين مؤجلا ثم منه على أن يدفعه حالا فإن الضامن لا يلزم بدفعه حالا لأن الأجل ثابت في حق الأصيل استقلالا وفي حق الكفيل تبعا . فلا يطالب أحد منهما قبل حلول الأجل فإذا مات الأصيل حل الدين عليهما معا .
القسم الرابع : يرجع إلى المضمون به سواء كان دينا أو عينا أو نفسا فيشترط في الدين أن يكون لازما في الحال أو المال . ومثال الدين في الحال الرض وثمن السلعة المبيعة ونحو ذلك .
والدين الذي يؤؤل للزوم ثمن السلعة في مدة الخيار فإنه وإن لم يلزم في الحال ولكنه يلزم مالا فيصح ضمانه . وكذا يشترط أن يكون الدين معلوما ضمان المجهول قدرا أو جنسا أو صفة فلا بد من بيان ذلك كأن يقول : ضمنت ما لك على زيد من دين قدره عشرون جنيها مصرية أو إنكليزية أو نحو ولم يبين جنسها أو قال : ضمنت لك العشرين جنيها ولم صفتها فإنه لا يصح .
ويستثنى من ذلك إبل الدية فإنه يصح ضمانها مع عدم ذكر صفتها لأنها معروفة السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غاب أبل البلد فلا حاجة إلى ذكر صفتها .
أما الأعيان فإنها تنقسم إلى قسمين مضمونة كما تقدم في التعريف فيشترط لصحة ضمان الأعيان أن تكون مضمونة يجب ردها إلى مالكها فمعنى ضمانها ضمان ردها إلى مالكها .
أما ضمان قيمتها إذا تلف فإنه لا يصح لأنها لم تتلف وقت الضمان لتثبيت قيمتها في الذمة فإن تلف بافعل فإنه يصح ضمان قيمتها بعد تلفها لثبوته في الذمة حينئذ .
ومثال العين المضمونة العين المغصوبة والمستعارة . ومثال العين غير المضمونة المودعة والموصى بها والمؤجرة فهذه الأعيان لا يصح ضمان ردها لا يجب على واضع اليد وإنما الذي يجب هو أن يخلى بينها وبين مالكها . وأما كفالة النفس فيشترط لصحتها أن يكون على المكفول ببدنه حق لآدمي مالا كان عقوبة .
الحنابلة - قالوا : يشترط للضمان شروط منها ما يتعلق بالضامن فيشترط فيه أن يكون أهلا للتصرف فلا يصح المجنون والصغير والسفيه ويصح ضمان المفلس لأن الضمان يتعلق بالذمة وكذا يشترط رضاء الضامن فلا يصح ضمان المكره .
ولا يشترط في الضامن أن يعرف المضمون له وهو صاحب الحق كما لا يشترط أن يعرف الضامن المضمون عنه وهو عليه الحق فيجوز أن يضمن من لا يعرفه حيا كان أو ميتا .
ومنها ما يتعلق بالمضمون به وهو الدين أو العين او النفس فيشترط لصحة الضمان باليدن أن يكون الدين لازما حالا أو مالا والأول كالقرض وثمن المبيع الذي لا خيار فيه . والثاني كمن المبيع قبل مضي مدة الخيار فإنه يؤؤل للزوم فلا يصح الضمان بالدين غير اللازم كدين الكتابة فإن للمكاتب أن ينقص العقد عن الأداء فدينه ليس بلازم حالا ولا مآلا .
ويشترط لصحة ضمان العين أن تكون مضمونة على من هي في يده كالعين المغصوبة والمستعارة .
ومعنى ضمان هذه العيان ضمان ردها أو قيمتها عند تلفها أما العيان غير المضمونة فإن المضمونة فإنه لا يصح ضمانها كالوديعة والعين المؤجرة ومال الشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والصباغ ونحو ذلك . نعم يصح التعدي عليها كما تقدم في التعريف مفصلا .
ومنها ما يتعلق بالصيغة ويشترط فيها أن تكون بلفظ يفهم منه الضمان عرفا كقوله : أنا ضمين وكيل وحميل وصبير وزعيم ونحو ذلك ويصح الضمان بلفظ معلق ومنجز كقوله : إن اعطيت فلانا كذا فأنا ضامنه كقوله : وأنا ضامن لفلان كذلك يصح أن يكون بلفظ مؤقت كأن يقول : إذا جاء رأس فأنا الشهر فأنا ضامن لفلان .
ويصح أن يضمن شخص دينا حالا إلى أجل معلوم فإذا كان لزيد عمرو ودين حل موعد دفعه فضمنه خالد على أن يدفعه بعد سنة فإنه يصح ويثبت الأجل في حق الضامن بحيث لو مات المضمون لا يحل موعد دفعه )