- للحوالة أركان وشروط مفصلة في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية قالوا : للحوالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول فلإيجاب هو أن يقول المديون ( المحيل ) لرب الدين ( المحال ) أحلتك على فلان بكذا . والقبول هو أن يقول من رب الدين المحال والمحال عليه قبلت أو رضين أو نحو ذلك مما يدل على القبول والرضى . فالقبول لا بد أن يقع من المحال والمحال عليه أما المحيل وهو المديون فإنه لا يشترط قبوله كما ستعرفه في الشروط وفي هذه الحالة يقع الإيجاب والقبول من المحال عليه فقط .
وأما شروط الحوالة فأربعة أنواع : .
النوع الأول : يتعلق بالمحيل ( المديون ) فيشترط فيه أن يكون عاقلا تصح الحوالة من مجنون ولا صبي لا يعقل . وأن يكون بالغا فلا تفذ حوالة غير البالغ إلا بعد أن يجبرها وليه وإن كانت تنعقد حوالة العاقل الذي لم يبلغ - موقوفة على إذن وليه فالبلوغ شرط لنفاذ الحوالة لا لانعقادها .
ولا يشترط لصحة الحوالة أن يكون النحيل سيليما من الأمراض فتصبح حوالة المريض ولا يشترط في المحيل الديون أن يكون راضيا . فإذا انفق صاحب عليه على أن يعطيه دينه فإن له ذلك وإن لم يرض المحيل فإذا أعطاه الدين صح ولرئت ذمة المديون ولا يشترط الحرية في المحيل .
النوع الثاني : يتعلق برب الدين وهو المحيل لأجله : فيشترط فيه ( أن يكون عاقلا ) فلا يصح لرب الدين أن يقنل الحوالة إذا كان مجنونا أو صبيا لا يعقل لأن القبول لابد له من العقل . ( وأن يكون بالغأ ) فلا ينفذ قبول الصبي العاقل إلا بإذن وليه فالبلوغ شرط للنفاذ كما تقدم .
ويجوز للأب والوصي أن يقبل الحوالة بمال اليتيم على من كان أكثر مالا من المديون . أما إن كان مثله ففي قبولها خلاف . ( وأن يكون راضيا ) فلا يصح قبول الحوالة من مكره ( وأن يكون حاضرا في المجلس ) فلا يصح قبلول الحوالة إذا كان رب الدين غائبا عن المجلس فلو قبل عنه شخص وبلغه الخبر فأجاز لا يصح على الصحيح .
النوع الثالث : يتعلق بالمحال عليه . فيشترط فيه ( أن يكون عاقل ) فلا يصح للمحال عليه أن يقبل الحوالة إذا كان مجنونا أو صبيا لا يعقل ( وأن يكون بالغا ) واليلوغ في المحال عليع شرط للانعقاد والنفاذ فلا يصح للصبي العاقل أن يقبل الحوالة نطلقا فإذا قبلها لاتنعقد ولو أجلزها وليه .
( وأن يكون راضيا ) فلا يصح من المحال عليه قبول الحوالة إذا كان مكرها ولا يشترط حضور المحال عليه في المجلس حتى لو كان غائبا ثم علم ورضي فإنه يصح .
النوع الرابع : يتعلق بالمحال وهو الدين فيشترط في المحال به ( أن يكون دينا للمحال على المحيل ) فإن لم يكن للمحال دين على المحيل كانت وكالة لاحوالة ولا يشترط أن يكون للمحيل دين على المحال عليه فيجوز أن يحيل على شخص متبرع بماله ويشترط في الدين ( أن يكون معلوما ) وأن يكون لازما فلا يصح للزوجة أن تحتل دائنها بمهرها كلة قبل الدخول بها لأنه غير لازم لجواز أن تطلق قبل الدخول فلا تستحق سوى نصفه وكذا لا يصح لمن له عبد مكاتب على عبده لأن دين الكتابة أنيحيل دائنة بمال الكتابة غير لازم . وخرج بالدين الأعيان فلا تصح الإحالة بها فإذا كان لشخص عند آخر نصيب في ميراث كمنزل أو فدان أو متحصلات زراعية وكان لشخص نصيب عند آخر مثلها فإنه لا يصح أن يحيله بها وذلك لأن النقل من ذمة الى ذمة نقل شرعي وهو لا يتصورإلا في الدين لأنه وصف شرعي . أما الأعيان فإنه لا يتصور فيها النقل الحسي . ويرد على هذا أنه إذا كان لشخص نقود من ذهب أو فضة عند آخر وديغة . وكان عليه دين للغير فأحال صالحب الدين على المودع عنده فإنه يصح مع أن الوديعة هنا عين لا دين .
والجواب : أن الحوالة هنا نقلت الدين من ذمة المحيل إلى المحال عليه فصار المودع عنده . وديعة مطالبا بالدين فسده من المال المودع عنده . نعم إذا كان للمودع عنده وديغة عند آخر مثل الوديعة التي عنده فأحال رب الوديعة الأول على المودع عنده الثاني فإنه لا يصح لأنها حوالة عين بعين . مثلا إذا كان لزيد عند عمرو مائة جنيه وديعة وكان لخالد عند زيد مائة جنيه مثلها وديعة فأحال زيد خالدا على عمرو ليأخذ منه المائة عنده وديعته فإنه لا يصح .
بقيت هاهنا مسألة وهي ما إذا كان شخص مستحقا في وقف وكان فهل له أن يحيل صاحب الدين على ناظر الوقف ليأخذ استحقاقه في دينه أو لا ؟ .
والجواب : نعم يجوز ذلك سواء أحاله على الناظر بدون أن يذكر نصيبه في الوقف كأن يقول له أحلتك علي أن تأخذ نصيبي أو لا . وذلك لأن المحال به في هذه الصورة دين معلوم مستقر . وقد عرفت أن المحال عليه لا يشترط فيه أن يكون مدينا للمحيل . وهذه بخلاف ما إذا أحال الناظر المستحق ليأخذ نصيبه من مستأجر قبل ظهور غلة الوقف فإن الحوالة لا تصح لأن المستحق ليس له دين عند الناظر في هذه الحالة حتى تصبح الحوالة به كذا بعد ظهور الغلة قبل قسمتها . نعم إن الحق يتأكد بعد ظهور الغلة ولكنه لا يكون دينا عند الناظر . ولكونه حقا مؤكدا صح إرثه بعد موت المستحق فإن المستحق في وقت على الذرية إذا مات ظهور غلته يورث تصيبه في استحقاقه بخلاف الاستحقاق الذي لم يتأكد كالنصيب قبل ظهور الغلة فإنه لا يورث . وإذا ضم الناظر الغلة بعد ظهورها كانت أمانة عنده مملوكة للمستحق جميعا بالاشتراك فإذا طلبها المستحقون وجب عليه تسلميها وإذا هلكت بعد الطلب كان ضامنا لها ولا يصح أن يحيل بعضهم على نصيب الآخر لأن الحوالة تكون بالعين لا بالدين إذ بالدين لكل واحد من المستحقين نصيب مثل نصيب الآخر في العين نعم يجوز ذلك إذا استهلكها أو خلطها بماله فصارت دينا في ذمته هو .
الشافعية - قالوا : أركان الحوالة ستة محيل ومحال ومحال عليه ودينان دين للمحال على المحيل . ودين للمحيل على المحال عليه . وصيغة وهي الإيجاب والقبول أحلتك على فلان بالدين الذي لك علي أو أحلتك فلان بعشرين جنيها ولم يذكر الدين . أو يقول نقلت إلى فلان أو جعلت ما أستحقه على فلان لك أو ملكتك الدين الذي لي بحقك أو نحو ذلك مما يؤدي معنى الحوالة فلا يشترط أن تكون بلفظ الحوالة . ولا تصح الحوالة بلفظ البيع ولا تدخلها الإقالة .
وأما شروطها فهي ستة : الأول : رضا المحيل الذي عليه الدين فإن لم يرض فلا تصح الحوالة ثم إن أريد بالرضا عدم الإكراه كان عده شرطا ظاهرا .
أما إذا أريد به الإيجاب وهو أحلتك ونحوه فيكون عده شرطا تسامحا لأن الإيجاب جزء من الصيغة وقد أن الصيغة ركن لا شرط .
الثاني : رضا المحال وهو صاحب الدين له أن يستوفيه بنفسه وبغيره كما إذا وكل عنه من يستوفي دينه فليس للمحال عليه أن يمتنع عن أداء الحق الذي عليه للمحال وهذا القول هو الأصح وقيل : يشترط رضا المحال عليه أيضا .
الثالث : أن يكون الدين المحال به معلوما قدرا أو صفة فلو كان الدين مجهولا عند العاقدين أو أحدهما فإن الحوالة تكون باطلة .
الرابع : أن يكون الدين المحال به لازما في الحال أو المال . فالدين الازم هو الذي لا يسقط عن المدين في وقت من الأوقات كصداق المرأة بعد الدخول بها . وثمن المبيع بعد انقضاء مدة أما الدين الذي يؤول إلى اللزوم كصداق المرأة قبل الدخول بها وثمن المبيع قبل انقضاء مدة الخيار فكل ذلك تصح به الحوالة .
وإذا اشترى شخص سلعة بالخيار وقبل أن تمضي مدة الخيار أحال ذلك المشتري بائع والمشتري بالإحالة فقد اتفقا على لزوم البيع فإذا بقي الخيار بطل ما تقضيه الحوالة من اللزوم وكذا لو باع شخص سلعة بالخيار ولم يقبض ثمنها ثم أحال آخر على المشتري ليأخذ منه الثمن فإنه بذلك يبطل خياره .
أما المشتري فإنه لا يبطل خياره إلا إذا رضي لاحوالة فإذا لم يرض بها لم يبطل خياره على المعتمد وتصح الحوالة بدين الكتابة إذا كانت من العبد فمن كاتب عبده بمال يدفعه أقساطا فأحاله العبد المكاتب على شخص ثالث فإنه يصح لأن الكتابة لازمة في حق السيد فلا يصح له الرجوع عنها .
أما إذا أحال السيد شخصا على العبد فإن الحوالة لا تصح وذلك لأن دين الكتابة غير لازم بالنسبة للعبد .
الخامس : أن يساوي الدين الذي على المحيل بالدين الذي على المحال عليه في الجنس والقدر والحلول والتأجيل والصحة والتكسير فلا تصح الحوالة بالجنيهات على القروش والريالات لاختلاف القدر .
نعم تصح بخمسة من العشرة التي على فلان وكذا لا تصح بدين حل موعده على دين لم يحل موعده وبالعكس وكذا لا تصح لقروش مكسرة على ريالات صحيحة وعكسه .
ولا يشترط التساوي في التوثيق فإذا كان لزيد دين على عمرو وكان بيد زيد رهن على دينه أو كان له كفيل به وكان لعمرو دين على خالد رهن ولا كفيل ثم أحال عمرو زيدا على خالد فإن الحوالة تصح وينتقل الدين بدون رهن أو كفيل وينفك الركن الأول ويبرأ الكفيل لأن الحوالة بمنزلة القبض ألا ترى أنه لو اشترى شخص من آخر سلعة ولم يعطيه ثمنها فلم يسلمها اليائع للمشتري لعدم قبض الثمن فإذا أحاله المشتري بالثمن على آخر ورضي به فإنه لا يكون له حق في منع السلعة لأن الحوالة بمنزلة القبض .
وكذا إذا أحال الزوج بالصداق على آخر ورضيت بذلك فإنه لا يكون لها حق منع نفسها عنه وإذا شرط المحال ( صاحب الدين ) أن ياتي له المحيل برهن أو كفيل لم تصح الحوالة لأن المحيل يبرأ بمجرد الحوالة فلا معنى لا شتراط ما يكفل الدين .
أما إذا اشترط الرهن أو الكفيل على المحال عليه فإن الحوالة تصح ولا يلزم المحال عليه يتنفيذ الشرط .
السادس : أن يكون دين المحيل ودين المحال عليه من الديون التي يصح بيعها واسبدالها بغيرها فلا تصح الحوالة بدين المسلم سواء كان رأس المال أو كان المسلم فيه قال شخص لآخر أسلمت إليك عشرين جنيها في عشرين إردبا من القمح فإنه لا يجوز للمسلم وهو صاحب رأس المال أن يحيل المسلم بغيره فإن المحال عليه إذا دفع المبلغ المحال منه رأس مال السلم لا يمكن أن يستبدل بغيره فإن المحال إذا دفع المبلغ المحال فإنما يدفعه عن نفسه وهو غير صاحب رأس مال السلم ( المسلم ) .
نعم ويجوز أن يحيل المسلم إليه وهو صاحب السلعة شخصا له دين يأخذ رأس مال السلم من المسلم في مجلس لأن السلم في هذه الحالة يدفع رأس مال السلم نفسه .
ومثل ذلك المسلم فيه وهو السلعة لأنه ببعيها واستبدالها ومثال المسلم مال الزكاة فإنه لا يصح لرب المال أن يحيل الفقير على غيره ليأخذ منه الزكاة لأن الزكاة لا يصح بيعها .
المالكية - قالوا : أركان الحوالة : محيل ومحال به وصيغة ولا تنحصر الحوالة في لفظ مشتق من الإحالة فتصح بكل ما يدل على نقل الدين كقزله : خذ من فلان وأنا برئ منه كما تصح بقوله أحلتك على فلان وحولت حقك عليه وأنت محال على فلان ونحو ذلك ويكفي الإشارة الدالة على الحوالة من الأخرس لا من الناطق .
ويشترط لها شروط : .
( أحدها ) رضا المحيل والمحال أما المحال عليه فلا يشترط رضاه على المشهور كما لا يشترط حضوره ولإقراره نعم إذا ثبت أن بينه وبين المحال عداوة فإن الحوالة لا تصح على المشهورة فإذا طرات العداوة بعد الإحالة فإن المحال يمنع من أخذ الدين من المحال عليه في هذه الحالة حتى لا يفاقم الشر وتزيد الخصومة التي نهى عنها الشارع .
( ثانيها ) أن يكون للمحال دين على المحيل وأن يكون للمحيل على دين المحال عليه فإذا لم يطون للمحال دين على المحيل كان وكالة لاحوالة لأنه طلب ممن ليس له دين أن يتقلضي له من المحال عليه عليه ماله عنده وذلك هو معنى الوكالة وإذا لم يكن للمحيل دين على المحال عليه عقد حمالة لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل للمحال وفي هذه الحالة المحال عليه أو مات كان للمحال وهو رب الدين أن يرجع على المحيل ( المديون الأصلي ) إلا إذا علم المحال من أول الأمر بأن المحيل ليس له دين عند المحال عليه ثم شرط المحيل براءته من الدين فإنه في هذه الحالة لا يكون للمحال حق الرجوع على المحيل ولو أفلس المحال عليه لأنه ترك حقه باختباره .
وبعضهم يقول : إذا أفلس المحال عليه أو مات فإن للمحال أن يرجع على المحيل حتى المحيل ولو شرط عليه البراءة ثم إذا دفع المحال عليه الدين بالفعل فهل له أن يرجع به على المحيل ليأخذه منه ؟ والجواب : أنه إذا مات قامت قرينه على متبرع به لم يكن له حق الرجوع وإلا فله حق الرجوع لجواز أن يكون قد دفعه بطريق قد دفعه بطريق القرض للمحيل .
( ثالثها ) أن يكون أحد الدينين حالا فإن الدين الذي مؤجلا والدين الذي على المحال عليه مؤجلا مثله فإن الحوالة لا تصح لما يتلاتب عليه من بيع الدين الممنوع .
( رابعها ) أن يكون الدين لازما فلا تصح الحوالة بدين غير لازم كما إذا أحال السيد دائنة على عبده المكاتب لأن الدين غير لازم على المكاتب . أما إذا أحال المكاتب سيده على من يقبض له دينه فإنه يصح .
( خامسها ) أن يساوي الدين الذي على المحيل الدين الذي على المحال عليه في القدر والصفة ومعنى - التساوي في القدر - أنه لا يجوز أن ياخذ من المحال عليه أكثر مما يستحقه عند المحيل . فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره خمسة فأحاله المديون على شخص له عنده عشرة فيجب أن يحيله بالخمسة فقط بحيث لا يأخذ أكثر منها لأنه إذا كان الدين قرضا كانت الزبادة في الحوالة ربا وإذا كان الدين ثمن سلعة باعها فإنه يصح له باعهل له فإنه كان يصح لأن يعطيه أكثر من ثمنها . ولكنه يكون من باب بيع الدين يالدين الذي لم يرخص فيه . وكذا لا يصح أن يختلف الدينان في الصفة فلا تصح الإحالة بالجنيهات المتساوية في القدر المختلفة في الجنس مثلا كاجنيه الإنكليزي والمصري وإذا فرض تساويها في القيمة .
( سادسها ) ألا يكون الدينان ( دين المحيل ودين المحال عليه ) حاصلين من بيع الطعام كالحبوب ونحوها .
( يتبع . . . )