- إذا وكل عنه من يقوم مقامه في الخصومة بأن يدعي عنه دعوى صحيحة أو يجب عن دعوى فإن ذلك جائز ولا يملك هذا الوكيل قبض هذا الدين ولا الصلح بل لا بد من التوكيل على ذلك في عقد الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : التوكيل في الخصومة جائز بشروط : .
أحدهما : أن يمون وكيل الخصومة واحدا لا أكثر فلا يصح له أن يوكل أكثر من واحد إلا برضا الخصم .
ثانيهما : ألا يكون الوكيل عدو للخصم فإن ثبتت عدواته فإنه يصح ضده أما إذا لم تثبت عدواته له فإنه توكيله بدونة رضا الخصم .
ثالثهما : لا بد من تعيين في الخصومة فلا يصح أن يقول : وكلتك كل من يخاصم عني حتى لو كان شخصان شريكين في حق عند واحد وقالا : من يحضر منا يخاصم ضده فإنه لا ينتفع لأنه يكون بمنزلة توكيل متعددة بدون تعيين الوكيل فلا بد تعيين من يخاصم منهما .
رابعها : ألا يباشر الموكل نفسه الخصومة أمام الحاكم فإذا باشرها بنفسه وحضر ثلاث جلسات إنه لا يصح له أن يوكل بعد ذلك لما في ذلك من تفاقم الشر واتساع الخصومة وذلك منهي عنه في نظر الشريعة السمحة نعم يصح له أن يوكل عنه لعذر من مرض أو سفر أو اعتكاف وفي هذه الحالة عليه أن يحلف بأنه ما وكل عنه إلا لسبب من هذه الأسباب فإن امانتع عن الحلف فلا يصح له أن يوكل إلا برضا خصمه . ومن العذر أن يتشاتما أو يضيق الخصم عن احتمال خصمه فيحلف بالله ألا يقف إلى جانبه في الخصومة .
أما إذا حلف لغير سب فإنه لا ينفع حلفه وليس لوكيل الخصومة نفسه بعد أن يحضر ثلاث جلسات إلا لعذر بعد أن يحلف اليمين أنه ما عزل نفسه إلا لهذا العذر وكذلك للموكل عزله . أما قبل حضوره ثلاث جلسات فإن عزل نفسه وللموكل عزل موكله قبل ذلك فلخصمه أن يوكله إلا إذا أصبح عدوا للموكل الأول فإنه لا يصح .
وإذا خاصم الوكيل في قضية ثم انتهت وأراد الدخول في قضية أخرى فإنه يصح بشرط أن يكون الوكالة غير معينة ولم تطل مدة انقطاع الخصومة بين القضيتين فإذا طالت إلى ستة أشهر فإنه لا يصح .
أما إذا كانت متصلة ولم تنقطع فللوكيل أن يتكلم عن موكله وإن طال كثيرا .
ولا يملك وكيل الخصومة الخاصة الإقرار عن موكله إلا إذا نص عليه في عقد التوكيل فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ويكون الوكيل في هذه الحالة كشاهد .
أما الوكيل وكالة مفوضة فإنه يملك الإقرار ويشترط لنفاذ الإقرار على الموكل في الحالتين شروط بحيث لا ينفذ من وكيل الخصومة الخاصة المنصوص فيها عن أن له الإقرار ولا من الوكيل المفوض إلا إذا تحققت هذه الشروط : .
الأول : أن يقر بشيء معقول يناسب الدعوى فلا يقر بشيء زائد عن المناسب .
الثاني : أن يقر بما هو من نوع الخصومة كأن يوكله في دين فيقر بأنه قبض بعض أو أبرأه عن بعضه . أما إذا وكله بدين له عند خصمه فأقر له اتلف له وديعة عنده ونحو ذلك فإن الإقرار لا ينفذ .
الثالث : ألا يقرلشخص بينه وبينه ما يوجب التهمة كصديقة أو قريبة أو نحو ذلك .
وإذا قال الموكل لوكيله : أقر عني بألف يكون ذلك إقرار من الموكل فلا يحتاج لإنشاء الوكيل إقرار وليس للموكل الرجوع بعد ولا عزل الوكيل عن الإقرار ويكون شاهدا عليه بها .
الحنفية - قالوا : الوكالة في الخصومة جائزة لا فرق بين أن يوكل واحدا أو أكثر ولكن هل تصح بدون رضا الخصم أو لا ؟ فبعضهم رجح قول الإمام وهو أن التوكيل في الخصومة لا يجوز إلا برضا الخصم وبعضهم رجح قول صاحبيه وهو أنه يجوز رضا الخصم سواء كان المدعي أو مدعى عليه .
وبعضهم فوض الأمر للقاضي وهو أنه إذا علم من الموكل التعنت والإضرار بالخصم بدون حق فلا يقبل التوكل وإذا علم من أحد الخصمين التعنت في عدم قبول التوكيل الذي يقصد منه بيان الحقيقة لا يصغي له . وهذا حسن في وماننا لأن كثيرا من الناس يعلم حق العلم أنه مبطل وأن قضيته خاسرة ولكن يحمله العناد والإغراق في الخصومة على توكيل محام لا عمل له الإضرار بالخصم بأن يحاول تأخير حقه على نفقات ضائعة نكاية به أو غير ذلك فلو أن الموكل الذي يظهر منه ذلك للقاضي لا يقبل منه لإلا برضا خصومة يكون حسنا .
ومحل ذلك كله ما إذا كان القاضي غير محل التهمة وإلا فالعمل برأي الصالحين أولى وأنفع .
وعلى أن الإمام أجاز التوكيل بالخصومة وإن لم يرض الخصم للضرورة كما كان الموكل مريضا لا يمكنه حضور مجلس القضاء بقدميه فإذا أمكنه الحضور على ظهور دابة فإنه يلزمه الحضور إن لم يترتب على ذلك زيادة مرضه وإلا فلا .
وكذا إذا عزم على سفر مدة بحيث تقوم القرينة على أنه مسافر حقا خصمه يحلفه القاضي بالله وكذا المحذرة التي تخالط الرجال عادة فإن لها أن توكل بدون رضا الخصم وكذلك إذا كان لا يحسن الدعوى فإن له أن يوكل عنه رضي الخصم أو لم يرض . وهذه الطريقة قد تجعل لمعظم العامة الحق في التوكيل . ولوكيل الخصومة أن يعزل نفسه متى شاء إذا كان متبرعا ومثله وكيل القبض ووكيل البيع والشراء وغير ذلك إلا في أمور ثلاثة : فليس للوكيل نفسه أو يعزله موكله .
الأمر الأول : إذا وكله في أن يسلم عينا لشخص كأن قال له : أعط هذه الثياب أو الكتب أو الحيوانات لفلان ثم غاب الموكل عن البلدة فإنه يجب على الوكيل في هذه الحالة أن يسلمها ولا يصح له أن يعزل نفسه .
الأمر الثاني : أن يوكله على بيع الرهن كما إذا رهن عينا في نطير دين ووكل شخصا على أن يبيع هذه العين لسداد الدين فإنه يجبر على بيعها ولا يصح له أن يعزل نفسه .
الأمر الثالث : أن يوكل شخصا بالخصومة وهو غائب ليجيب الدعوى بناء الدعوى على طلب المدعي فإنه يجب على الوكيل أن يباشر عمله حيث لا يجد أمامه من يقاضيه .
أما إذا كان المدعي عليه حاضرا فللموكل عزله لأنه يمكنه أن يطلب منه حقه وهو حاضر وكذا 'ذا لم يكن التوكيل بطلب المدعي لأنه لا حق له في الوكالة وسيأتي لذلك مزيد في عزل الوكيل .
والوكيل بالخصومة والمطالبة بالحقوق والمطالبة لا يملك القبض على المفتي به بل لا بد لقبض الدين ونحوه من الحقوق المالية من نص عليه في التوكيل فإذا وكله على قبض الدين ولم يوكله على الخصومة فإن له أن يخاصم عنه الخصومة طريق لأخذ ضد الصلح الموكل عليه ووكيل الخصومة يملك الإقرار بخلاف غيره من الوكلاء فلا يملك الإقرار لا فرق بين وكيل القبض أو وكيل الصلح أو غيرهما وإنما يملك وكيل الخصومة الإقرار بشروط : .
الشرط الأول : أن يقر مجلس القضاء فلو أقر خارجه الموكل .
الشرط الثالث : ألا ينص في توكيل الخصومة على ألا يكون للوكيل حق فإذا نص على ذلك الوكيل لا يملك الإقرار . وحاصل هذه المسألة أنه إذا قال له : وكلتك بالخصومة على ألا يكون لك حق الإقرار عني فإنه يصح فلو أقر عليه في مجلس القضاء بعد ذلك فإنه يخرج من الوكالة فلا تسمع خصومته ويكون للوكيل في هذه الحالة حق الإنكار فقط فإذا استثني الإنكار كان له حق الإقرار فإذا وكله بالخصومة على ألا يكون له حق الإقرار ولا حق الإنكار ففي صحة هذا التوكيل خلاف .
الحنابلة - قالوا : التوكيل يالخصومة جائز وليس الخصومة أن يقبض الحقوق المالية إذا نص عليها في عهد التوكيل . أما إذا لم ينص فغن الخصومة لا تشمل القبض لا لغة ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض . أما الوكيل في القبض فإن له الخصومة لأنه قد لا يتوصل إليه إلا بها ففي التوكيل بالقبض إذن بالخصومة .
الشافعية - قالوا : الوكالة بالخصومة تصح ولكن الخصومة لا يملك الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء من الدين . على أن الوكالة بالإقرار لا تصح حتى ولو صرح بها الموكل في توكيله على الأصح فإذا قال شخص لآخر : وكلتك على أن تقر لفلان فقال بكذا فقال الوكيل : أقررت لفلان بكذا فإنه لا يصح لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وهل الموكل يكون مقرا بذلك أو لا ؟ .
والجواب أن هذا يختلف لاختلاف العبارة . فإذا قال له : وكلتك لتقر عني لفلان بألف له علي فإنه بذلك يكون مقرا قطعا . وإذا قال له : وكلتك لتقر عني ولم يقبل علي فقبل يكون مقرا وقيل : لا والأصح أنه يكون مقرا .
أما إذا قال : وكلتك لتقر لفلان بألف علي ولم يذكر عني فإنه لا يكون مقرا على الأصح لأنه لم يصرح بأن الأقرار عنه . أما إذا قال : وكلتك لفلان بألف ولم يقل عني ولا علي فإنه لا يكون مقرا قطعا )