- دليل المضاربة الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز ذلك النوع من المعاملة ولم يخالف فيه أحد وقد كان معروفا في الجاهلية فأقره الإسلام لما فيه من المصلحة وذلك شأنه في كل تشريعة فهو دائما يبحث عن المصلحة ليقرها ويحث على تحصيلها ويحذر من المفسدة والدنو منها .
حتى يعيش المجتمع عيشه راضية يستعين بعض أفراده فيما يعود عليهم جميعا بالخير والسعادة .
فالمضاربة عقد قد يكون فيه مصلحة ضرورية للناس وعند ذلك يكون داخلا في القاعدة العامة وهي الحث على عمل فيه المصلحة ويكون له حكم الفائدة المترتبة عليه فكلنا عظمت فائدة المضاربة كلما كان طلبها مؤكدا في نظر الشرع ولهذا قال بعضهم انها سنة ولا حاجة إلى تأويل .
قوله هذا بأنها ثبت بالسنة لا أن حكمها السنية لأنها نوع من المعاملة .
الاختيارية فهي جائزة لأنه يمكن حمل قول هذا القائل على أنها سنة حقيقة من حيث أنها قد يترتب عليها استثمار المال ومنعه الفقير بل قد يتأكد إذا كانت الحاجة ماسة كما إذا كان فيها تقليل العاطلين وتنشيط حركة التجارة ورواحها بين الأمة فإذا كان مع شخص مال ولمنه عاجز عن تنميته واستثماره وإلى جانبيه شخص لا مال وهو قادر على استثمار المال أفلا يكون من السنة في هذه الحالة أن ينتفع المالك باستثمار ماله وينتفع الفقير العاطل بالجد والعمل وينتفع غيرهما ممن يتداول بينهما النقود وسلع التجارة من بقية أفراد الأمة ؟ .
لا شك في أن ذلك من الأمور التي تحث الشريعة الإسلامية عليها وترغب فيها ولكن بشرط أن تتأكد الأمانة وحسن التصرف والصدق والإخلاص فإن ذلك أساس اطمئنان أرباب الأموال ونجاح العمال فمن قال إنها سنة فقد فرض أن التشريع إنما هو لجماعة المسلمين والمسلم الصحيح هو الامين الذي لا يخون . الصادق الذي لا يكذب المخلص الذي لا يضمر لصاحبه سوءا . وذلك الذي يرتاح له صاحب المال معه من حفظ ماله واستثماره . فإذا لم يوجد ذلك المعنى كان منهيا عنه فإن الإنسان لا يصح له أن يعطي ماله لخائن أو منذر أو سيئ التصرف لأن المحافظة على المال واجبة وإضاعته منهي عنها وبالجملة فغرض الشارع الحث على المصلحة حيث كانت والتحذير من المفسدة أين وجدت ولهذا الكلام بقية في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق .
وأول قراض وقع في الإسلام هو قراض عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب Bهم وحاصل ما ورد من ذلك أن عبد الله وأخيه .
خرجا في جيش العراق وكان أبو موسى الأشعري يومئذ أمير البصرة فنزلا عنده فرحب بهما فرحب وأكرمهما وقال لهما إني أحب أن أعمل لكما عملا ينفعكما لو أقدر على ذلك ثم قال لهما إن عندي مالا من قال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فخذاه سلفا واشتريا به تجارة من العراق تبيعانها بالمدينة ةتدفعان رأس المال إلى أمير المؤمنين وتنتفعان بريحه فرضيا بذلك وفعلا باعا فربحا فلما دفعا إلى أمير المؤمنين سألهما : هل أسلف أبو موسى كل الجيش أو اختصكما أنتما به ؟ فقالا بل اختصنا فقال إنه قد فعل معكما ذلك لأنكما ابنا أمير المؤمنين يريد أنه قد حاباهما وطلب منهما أن يدفعا رأس المال وربحه إلى بيت المال فسكت عبد الله أما عبيد الله فقال له هذا لا ينبغي لك يا أمير المؤمنين لأن المال كان في ضماننا ولو هلك لألزمتنا به قرض مضمون وليس للمقرض أن يأخذ فائدة من المستقرض فلم يلتفت عمر إلى قوله .
وأعاد ما قاله فطلب منهما تسليم المال وربحه فرد عليه عبيد الله ثانيا فقال رجل من الحاضرين لو جعلته قراضا يا أمير المؤمنين أي لبيت المال نصف الربح ولهما نصفه فقال : أجعله قراضا وفعل ذلك