- أما دليل صحة المزارعة فهو مأخوذ من السنة الصحيحة فمن ذلك ما رواه ابن عمر قال : عامل النبي A أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع . متفق عليه .
وروى عن أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن على ثم أهلوها إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع . فقد عمل الخلفاء الراشدون بالمزارعة ولم ينكر عليهم أحد فكان كالإجماع .
هذا هو دليل المزارعة المشهور وهو يحتمل أمرين : .
الأول : أن يكون ذلك مختصا بالأرض المزروعة نخلا كما هو الشأن في أرض خيبر .
الثاني : أن يكون ذلك عاما في كل أرض سواء كانت مغروسة أولا .
وقد اختلفت وجهة نظر المجتهدين على بناء هذا الاحتمال فمن منع المزارعة بمعنى تأجير الأرض بما يخرج منها أو تاجير العامل بما يخرج من الأرض تمسك بالأحاديث الدالة على النهى عن تاجير الأرض بما يخرج منها أو تأجير العامل بما ينتج من عمله لأن ذلك تأجير بمجهول لجواز أن لا تخرج الأرض شيئا من الزرع فيضيع على العامل عمله .
والشريعة الإسلامية تحث الناس دائما على أن تكون معاملتهم واضحة جلية حتى ترتفع من بينهم أسباب الشكوى والخصام وتحث أيضا على الرفق بالعامل فلا يصح أن تجعل عمله معلقا في ميزان القدر بل لا بد أن يكون ضامنا لشيجة وجهوده وكده وبيان ما سيحصل عليه من أجر .
أما ما ورد في حديث ابن عمر ونحو بأرض خيبر وهي مزروعة نخلا له ثمر معروف فكان العامل على تنميتها وسقيها وهو واثق من نتتيجة عمله وهذه هى المسافاة التى سيأتى بيانها ولا خلاف في جوازها فلا يصح أن يقاس عليها الأرض التي لا زرع بها أصلا أو الأرض التي ينبت بها ضعيف .
أما من اجاز المزارعة بالمعنى المذكور وهو تأجير الأرض بما يخرج منها فقد رأى أن الحديث عام وليس فيه ما يدل على الجواز خاص بهذه الأرض بدون غيرها ولأن العلة وهي كون الأجرة مجهولة موجودة أيضا في المساقاة فإنه يجوز أن لا يجوز أن لا يثمر النخل أو يشيص أو تجتاحه آفة فيضيع على العامل عمله .
على أن الذي منع المزارعة بالمعنى النتقدم أجازها تبعا للمساقاة وفيها تاجير الأرض بمجهول على أى حال . وحينئذ تكون المزارعة مستثناة من منع التأجير بمجهول كالمساقاة لما في ذلك من مصلحة الناس وعدم الحرج فإن بعضهم قد يملك أرضا وليس له قدرة على زرعها ولا يجد من يستأجرها : وبعضهم لا يملك أرضا ولكن له قدرة على الزرع ويرغب في زرع الأرض على أن يكون لكل منهما نصيب شائع معلوم مما يخرج منها فإذا منعنا ذلك فقد أضعنا على الفريقين مصلحة وضيقنا عليهما مما يخرج منها فإذا منعنا ذلك فقد أضعنا على الفريقين مصلحة وضيقنا عليهما ما فيه سعة وليس للشريعة الإسلامية غرض في ذلك إنما غرضها مصلحة الناس وراحتهم والتوسعة عليهم .
هذا بيان وجهة نظر كل من الأئمة المتازعين في جواز المزارعة ( أو تأجير الأرض بما يخرج منها ومنعه ) وبديهي أن كل واحد من الفريقين إنما يبحث في تفكيره عن المصلحة التي تنشدها الشريعة الإسلامية ويناضل عن تفكيره عن المصلحة التى تنقضي إلى الحصول على تلك المصلحة والبعد عن الضرر الذي يلحق العامل الضعيف أو يصيب غيره .
وإذا كان الحال على ما ذكر فإنه يمكننا أن نطبق رأي الفريقين على ما هو واقع في زماننا وأن نختار ما هو مناسب لمصالح الناس ومنافعهم .
فمن الناس من ينتهز فرصة حاجة العامل الشديد إلى العمل فلا يعطي له أرضه إذا غبته غبا .
فاحشا وأرهقه إرهاقا شديدا فإذا ما دفعته الحاجة إلى العمل مزارعة في تلك الأرض كانت نتيجة عمله للمالك خاصة فيستولى على غلتها فوق ما يفرضه عليه من مال وعمل وهذا لا يجوز في نظر الشريعة الإسلامية التي توجب مساعدة المضطر ومعونة العامل الضعيف . فلهذا ينبغي تحذير الناس من المزارعة التي يترتب عليها حرمان العامل من كده واستغلال المالك إياه لحاجته . وعند ذلك يفتى برأي المالكية الذين يشترطون المساواة في الربح بنسبة ما قام به كل من الشريكين من عمل أو أرض أو نحوهما حتى لا يطمع أحدهما في صاحبه .
أما إذا كانت عاطفة الخير متبادلة بين الناس وكل من الشريكين لا يريد إلا أن ينتفع بما يستحقه من أرض أو عمل فلا ينبغي أحدهما على صاحبه ولا يغنيه في أمر ولا يخونه في عمل وكانت المصلحة تقتضي العمل في الأرض مزارعة بقسمة ما يخرج من غلتها فإنه في هذه الحالة يفتى برأي من أجاز تأجير الأرض بما يخرج منها بدون نظر إلى القيود التي ذكرها الفريق الآخر