- هي في اللغة مفاعلة مشتقة من الزرع والزرع له معنيان : أحدهما : طرح الزرعة - بضم الزاي - وهي البذر والمراد إلقاء البذر على الأرض . الإنبات إلا أن المعنى الأول للزرع مجاز والمعنى الثاني حقيقي ولهذا ورد النهي عن أ ن يقول الإنسان زرعت بل يقول حرثت فقد روى البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : " لا يقول أحدكم زرعت وليقل حرثت " ومعنى هذا أنه لا يصح أن يقول زرعت ويريد المعنى الحقيقي للزرع وهو الإنبات لأن المنبت هو الله تعالى كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله : { أفرأيتم ماتحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } فقد نسب سبحانه لعباده الحرث وهو إلقاء البذرة أما الإنبات فإنهم لا يستطيعون إدعاءه إذ لو كان من عملهم لكان لازما والواقع غير ذلك فقد يلقون البذر ولا ينبت أصلا أو ينبت ثم تجتاحه جائحة كما قال تعالى : { لو نشاء لجعلناه حطاما } .
أما إذا قال : زرعت وأراد منه المعنى المجازي أي ألقيت البذر فإنه جائز ولهذا روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي A قال : " لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولادابة ولاشيء إلا كانت له صدقة " فهذا صريح في جواز نسبة الزرع إلى الإنسان إلا أن الواقع أن عمل الإنسان هو شق الأرض والقاء البذر وتعهدها بالوسائل العادية أما الإنبات فليس لهو فيه عمل ما .
ومثل ذلك المعنى كما قال تعالى : { أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } فخلق الجنين وتكوينه ليس من عمل الإنسان بأي حال .
ثم إن المشهور أن مصدر المفاعلة لا يقع إلا بين اثنين كالمشاركة والمضاربة فإن الأشتراك وهو المصدر الذي أخذت منه المضاربة واقع من اثنين .
وقد يستعمل مصدر المفاعلة في فعل واحد فيقال إن المفاعلة ليست على بابها فهل الزرع الذي هو مصدر المزارعة مستعمل في فعل العامل الذي يزرع الأرض فقط فتكون المفاعلة ليست على بابها ؟ .
والجواب أنه يصح استعماله في الأمرين وذلك لأنالزرع مسبب عن شيئين أحدهما : فعل العامل وهو الحرث والبذر والسقي ونحو ذلك . وثانيهما : فعل المالك وهو تمكين العامل من الأرض والآلات التي يزرع بها فالزرع واقع بسبب الإثنبن فالمفاعلة على بابها فإذا قطع النظر عن فعل المالك لظهورنسبة الزرع إلى العامل المباشر كانت المفاعلة على غير بابها .
وبعضهم يقول إنه لا يصح قطع النظر عن فعل المالك البتة لأن مصدر المفاعلة يجب أن يكون بين اثنين إلا في أمور مقصورة على السماع كسافر وجاوز وواعد فإن مصدر هذه الأفعال مستعمل في فعل الواحد سماعا فلا يجوز قياس غيرها عليها وحينئذ فلا يصح استعمال ضارب زيد عمرا بمعنى ضربه .
ومن هذا يتضح لك أن المزارعة معناها لغة : الشركة في الزرع .
أما معنى المزارعة في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) الحنفية قالوا : المزارعة شرعا هي عقد على الزرع ببعض الخارخ من الأرض ومعنى هذا أن المزارعة عبارة عن عقد بين مالك أرض وعامل يعمل في الأرض يشتمل على أن العمل يستأجر الأرض ليزرعها ببعض المتحصل من الزرع أو أن المالك يستأجر العامل على أن يزرع له أرضه ببعض الخارج المتحصل من الأرض .
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز . وأبو يوسف ومحمد يقولان بجوازه . وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم .
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز . وأبو يوسف و محمد يقولان بجوازه . وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم .
على أن أبا حنيفة قال بجواز المزارعة إذا كانت آلات الزرع والبذر ويكون له بعض الخارج بالتراضي لا في نظير الأجرة وإنما منع أبو حنيفة المزارعة بالمعنى الأولى لورودالنهي عن استئجار العامل ببعضض ما يخرج منعمله كما إذا استأجر إنسانا ليطحن له إردبا من القمح علىأن يأخذ كيلة من الدقيق الذي يطحنه وتسمى هذه المسألة ( بقفيز الطحان ) .
والمزارعة بالصورة الأولى استئجار للعامل ببعض ما يخرج من عمله على أن الممنوع هو أنيشترط الأخذ من دقيق الغلة التي يطحنها بخصوصها أما إذا شرط له كيلة من الدقيق مطلقا فإنه يصح وله أن يأخذها من الدقيق الذي طحنه ومثل ذلك ما استأجر ثورا من آخر ليطحن له أو استأجر رجلا ليجني له هذا القطن على أنيأخذ منه نصف قنطار مثلا فإنه لا يجوز أما إذا قال له اجن هذا القطن وأعطيك نصف قنطار من القطن الجيد ولم يشر للقطن الذي يجنيه العامل فإنه يصح . وله أن يعطيه منه بعد ذلك .
على أنه لاخلاف عندهم في جواز استئجار الأرض بالطعام سواء كان مماكان تنبته الأرض كالقمح والقطن أو كالعسل فكل ما يصلح ثمنا يصلح أجرة كما سيأتي في الإجارة .
وأما المخابرة ( بفتح الباء ) فهي مرادفة للمزارعة في المعنى الشرعي فهي عقد على الزرع ببعض ما يخرج من الأرض وأما في اللغة فهي مشتقة منالخبار وهو الأرض اللينة .
الحنابلة - قالوا : المزارعة هي أن يدفع صاحب الأرض الصالحة للزراعة أرضه للعامل الذي يقوم بزرعها ويدفع له الحب الذي يبذره أيضا على أن يكون له جزء مشاع معلوم من المحصول كالنصف والثلث . فلا يصح أن يعين له إردبا أو إردبين أو نحو ذلك . ومثل ذلك ما إذا دفع له أرضا بها نبت ليقوم بخدمته حتى يتن نموه ويكون له نظير ذلك جزء معين شائع من ثمرته فإن ذلك يسمى مزارعة أيضا .
فالحنابلة يقولون بجواز المزارعة بالصورة التي يقول بها صاحبا أبي حنيفة إلا أنهم يخصون المالك بدفع الحب .
ومنا هذا تعلم أن الحنابلة يقولن بحل تأجير الأرض المعلومة مدة معينة ببعض ما يخرج منها كثلث غلتها ونصفها سواء كانت غلتها طعاما كالقمح والشعير أو غير طعام كالقطن و الكتان وحكم الإجازة والمخارة كالمزارعة في المعنى الشرعي .
ثم إن الأصل في جوازها هو السنة الصحيحة فمنها ما روى ابن عمرقال : عامل النبي A أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع . متفق عليه .
المالكية - قالوا : المزارعة شرعا هي الشركة في العقد وتقع باطلة إذا كانت الأرض منطرف أحد الشريكين وهو المالك والبذر والعمل والآلات من الشريك الثاني كما يقول الحنابلة والصاحبان . فما يفعله ملاك الأراضي الصالحة للزراعة في زماننا من إعطاء أرضهم لمن يزرعها وينفق عليها على أن يأخذوا نصف المتحصل من غلتها أو يأخذوه ويأخذوا معه نقودا كأن يسلموا فدانا للعامل ويأخذوا منه ثلاثة جنيهات مثلا ونصف ما يتحصل من زرع الفدان فإنه غير جائز عند المالكية لأنه يكون تأجيرا للأرض أو بعضها بما يخرج منها وهو ممنوع عندهم .
فالمزارعة التي تجوز هي أن تجعل للأرض قيمة أجرتها من النقود أو الحيوان أو عروض التجارة كأن يقال إن أجرة هذا الفدان تساوي أربعة جنيهات : أو تساوي ثلاثة ثيران أو تساوي ثوبا من القماش . ولا يجوز تقويم الأرض بغلة أو قطن أو عسل إذ لا يصح تأجير الأرض عندهم بالطعام ولا بما تنبته كما يأتي في الإجارة .
فإذا علمت أجرة الأرض فيقوم العمل بأن يجعل له قيمة وكذلك تقوم آلات الزراعة فإذا دفع المالك الأرض وكانت قيمة أجرتها خمسة جنيهات فإنه يصح للعامل أن يحسب قيمة عمله وقيمة نفقات الزرع ويجعلها في مقابل أجرة الأرض بما يخرج منها فالبذر يكون على كل واحد من الشريكين أن مناصفة فإذا بينت أجرة الأرض قيمة أجر العمل وآلات الزرع كان لكل واحد من الشريكين أن يأخذ من الربح بنسبة ما دفعه فإن كانت قيمة الأرض خمسة وقيمة الآلات والعمل خمسة كان لكل واحد منهما نصف الربح وعلى هذا القياس فإذا اشترط أحدهما أن يأخذ أكثر مما يخصه فسدت .
هذه صورة المزارعة الجائزة عند المالكية . ومحصل ذلك أن الممنوع عندهم هو أن تشتمل الشركة على أجرة الأرض أو بعضها بما يخرج منها فمتى سلمت من هذا فإنها تحل إذا تساويا في الربح . وهذا هو المشهور عندهم وبعضهم يقول إنه يجوز تأجير الأرض بما يخرج منها ولكنه ضعيف في المذهب . على أن المالكية أجازوا تأجير الأرض تبعا للمساقاة فإذا ساقاه على أرض مغروسة نخلا وصالحة لزراعة غيره فإن له أن يتعاقد معه على زرعها ببعض ما يخرج منها .
الشافعية - قالوا : المزارعة هي معاملة العامل في الأرض ببعض ما يخرج منها على أن يكون البذر من المالك والمخابرة هي المزارعة إلا أن البذر فيها يكون على العامل فليس على العامل في المزارعة إلا العمل بخلاف المخابرة وكلاهما ممنوع عندهم لأنه لا يصح تأجير الأرض بما يخرج منها . وهذا هو المعتمد وأ جازها بعضهم .
وقد قالوا في علة المنع إن العقد فيها على شيء غير معروف لأن العامل يعمل في الأرض بدون أن يدري ما يصيبه ففيه غرر ويمكن تحصيل منفعة الأرض بتأجيرها إن كان مالكها عاجزا عن زرعها . وفي التأجير حسم للنزاع وبيان لحق كل منهما موضحا فلأي شيء يترك التعاقد الواضح مع إمكانه ويعمل بتعاقد فيه غرر وقد ورد النهي عن الخابرة والمزارعة في السنة لذلك . على أنهم أجازوا المزارعة تبعا للمساقاة كما يأتي