في جواز تصرف الصبي في بعض الأمور تفصيل المذاهب .
( الحنفية - قالوا : عرفت مما تقدم في شرح تعريف الحجر أن الصبي إذا كان غير مميز لا ينعقد شيء من تصرفه . أما إذا كان مميزا فتصرفه على ثلاثة أقسام : .
الأول : أن يتصرف تصرفا ضارا بماله ضررا بينا كالطلاق والعتاق والقرض والصدقة وهذا لا ينعقد أصلا فلا ينفذ ولو أجازه الولي .
الثاني : أن يتصرف تصرفا نافعا كقبول الهبة والدخول في الإسلام وهذا ينعقد وينفذ ولو لم يجزه الولي .
الثالث : أن يتردد بين النفع والضرر كالبيع والشراء فإن الأصل فيه احتمال كون الصفقة رابحة أو خاسرة فلا ينافي أنه قد تكون الصفقة بينة الربح فتكون من القسم الثاني لأن البيع والشراء في ذاته محتمل للأمرين . وهذا القسم ينعقد موقوفا على إجازة الولي وليس للولي أن يجيزه إذا كان فيه غبن فاحش وقد تقدم بيان الغبن الفاحش في مبحثه .
والولي الذي تنفع إجازته هو الولي في باب المال وهو الذي تقدم بيانه . فإذا فقد فالقاضي أو من يقيمه القاضي فإذا كان الأب موجودا أو وصيه فامتنع عن الإجازه القاضي نفذ أمر القاضي ويكون هذا حكما يرفع الحجر عن القاصر فلا يحجر عليه إلا بأمر قاض آخر .
ولا يلزم من ذلك أن يكون القاضي مقدما في الرتبة على الأب لأن الأب في حالة امتناعه عن الإذن بما فيه المصلحة كان في حكم العاضل الذي يمنع بنته الزواج فإن من حق القاضي أن يأذن بزواجها في هذه الحالة فكذلك ما هنا .
وللقاضي أن يأخذ مال القاصر من الأب المبذر ويضعه في جهة مأمونة كما أن له أن يستغل ماله بما فيه ربح له وله أن يقرض ماله من رجل مالي مأمون إذا تعذر استغلاله بما فيه ربح أما الأب فليس له أن يقرض مال ابنه الصغير وله أن يرهنه في دينه كما تقدم في مباحث الرهن .
وما يقع من الصبي والمجنون والمعتوه من الأعمال الضارة المتعلقة بالغير يكونون مؤاخذين بها مسؤولين عنها فإذا أتلف واحد منهم مال غيره كان عليه ضمانه في الحال ويستثنى من هذه القاعدة أمور أربعة : .
- 1 - إذا أقرض شخص مالا لواحد من هؤلاء فأكله لا يكون عليه ضمانه .
- 2 - إذا أودع شخص عند واحد من هؤلاء شيئا فاضاعه أو أتلفه فقد ضاع على صاحبه ولا ضمان على المودع عنده بخلاف ما إذا أودعها عند الأب أو الوصي فأتلفها واحد من هؤلاء المحجور عليهم فإنه يكون ملزما بها .
- 3 - إذا أعار شخص أحد هؤلاء شيئا فأضاعه فإنه يضيع على صاحبه ولا يكون مسؤولا عنه .
- 4 - إذا باع شخص لواحد من هؤلاء شيئا فأضاعه فقد ضاع على صاحبه ولا يكون المحجور عليه مسؤولا عنه . ومحل كون المحجور عليه لا يضمن في المسائل الأربعة إذا لم يأذن الولي أما إذا حصلت الوديعة أو القرض أو الإعارة أو البيع بإذن الولي فأهلكه المحجور عليه فإنه يكون ملزما به وعليه ضمانه .
وإذا أودع هؤلاء شيئا لا يملكه عند محجور عليه مثله فأهلكه المودع عنده كان مالكه مخيرا بين أن يلزم به من أودعه أو من أودع عنده مثلا : إذا أخذ صبي مال زيد بدون علمه وأودعه عند صبي مثله فأهلكه الصبي الثاني فإن زيدا مخير بين أخذه من الصبي الأول أو من الصبي الثاني . والفرق بين هذه المسألة وبين المسائل الأربع المتقدمة : أن المالك في المسائل الأولى سلط المحجور على ماله باختياره فكان مفرطا أما في المسألة الثانية فإنه لم يسلطه إذ لم يودع عنده فكان المحجور عليه مضيعا لمال الرجل بدون علمه .
وإذا جنى المجنون فإن جنايته لا توجب الحد وكذلك الصبي والمعتوه . فإذا قتل واحد منهم فإنه لا يقتل ولكن تجب الدية على عاقلته وعاقلته " هم الذين يتناصرون معه سواء كانوا أهله وعشيرته أو كانوا من أهل حرفته أو أهل قبيلته أو نحو ذلك مما هو مبين في محله " .
المالكية - قالوا : إذا تصرف الصبي المميز ببيع وشراء ونحوهما من كل عقد فيه معارضة فإن تصرفه يقع موقوفا ثم إن كانت المصلحة في إجازته تعين على الولي أن يجيزه وإن كانت المصلحة في رده تعين على الولي أن يرجه ويلزم القاضي برد الثمن إن كان باقيا فإن كان قد أنفقه فإنه يؤخذ من ماله الموجود فإن كان ماله الموجود قد نفذ ثم تجدد له مال فإنه لا يؤخذ منه شيء ويكون الثمن قد ضاع على المشتري وهناك قولان آخران : .
أحدهما : أن البيع يرد على أي حال والثمن يضيع على المشتري لأنه أهمل في أمر الشراء من القاصر وهو ضعيف .
ثانيهما : أن البيع ينفذ على أي حال وهو يعادل القول الأول وعلى كل حال فيشترط في انعقاد بيع المميز وشرائه وشروط : .
الأول : أن يكون البيع والشراء بالقيمة فإن باع أو اشترى بغبن فإنه يرد بلا خلاف .
الثاني : أن يكون ذلك من أجل نفقته التي لا بد منها فإذا باع واشترى من أجل شهواته التي يستغني عنها فإنه يرد بلا خلاف ويضيع الثمن على المشتري .
الثالث : أن تكون السلعة التي باعها هي أحق السلع بالبيع من ماله فإن باع سلعة ينتفع باستغلالها مع وجود سلعة لا تستغل فإن البيع يرد بلا خلاف .
فإذا كان الصبي غير مميز فإن تصرفه لا ينعقد على أي حال . وكذلك لا ينعقد تصرف المميز في العقود التي لا عوض فيها كما إذا وهب من ماله شيئا أو تصدق أو نحو ذلك فإن تصرفه في ذلك يرد على أي حال .
وإذا تصرف الصبي سواء كان مميزا أو غيره في مال الغير فأضاعه بأن أنفقه على نفسه أو أتلفه فإنه يكون عليه ضمانه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال كان عليه دينا في ذمته حتى إذا وجد له مال أخذ منه . مثلا : إذا أودع شخص عند آخر وديعة فاستهلكها ابنه الصغير كان ذلك الابن ملزما بها فيدفعها من ماله إن كان له مال وإلا بقيت دينا في ذمته وإلا إذا كان الصبي ابن شهر فأقل فإنه لا يضمن شيئا . لأنه يكون كالعجماء .
أما إذا أمن صاحب المال الصغير فأودع عنده وديعة أو أقرضه مالا فأتلفه الصغير فإنه لا يضمن ويضيع على المالك أو المقرض لأنه هو الذي أهمل في ماله فسلط عليه الصغير إلا إذا صرف الصغير ذلك فيما لا بد له منه فإن في هذه الحالة يؤخذ من ماله بالقدر الذي ينفقه منه مثلا : إذا كان من عادته أن يأكل كل يوم بقرش من ماله فصار ينفق كل يوم قرشين من المال الذي اقترضه في أكله فإنه يحاسب صاحب القرض على قرش واحد في اليوم ويرد له على ذلك الحساب . أما إذا أنفق من القرش أقل من ذلك فإن صاحبه يحاسبه على ذلك على الأقل .
وتصح وصية الصبي المميز في حال صحته وفي حال مرضه .
الشافعية - قالوا : لا يصح تصرف الصبي سواء كان مميزا أو غير مميز فلا تنعقد منه عبارة ولا تصح له ولاية لأنه مسلوب العبارة والولاية . فإذا نطق الصبي الذي أبواه كافران بالإسلام لا ينفع إسلامه ولو تولى نكاحا لا ينعقد إلا أن الصبي المميز تصح عبادته كما يصح إذنه للغير بدخول الدار بخلاف المجنون فإنه لا تصح منه عبادة ولا غيرها على أنه يصح تملك الصبي والمجنون بالاحتطاب ونحوه فإذا احتطب فقد ملك الحطب الذي جمعه فليس لغيره أن يأخذه منه وكذلك إذا اصطاد فإنه يملك الصيد الذي يظفر به .
إذا أتلف الصبي أو المجنون مال غيره فإن ضمانه في ماله . وإذا وطئ المجنون امرأة فأحبلها ثبت نسب الولد منه بذلك الوطء الذي هو زنا في الصورة .
الحنابلة - قالوا : تصرف الصبي الذي لا يميز باطل مطلقا . أما الصبي المميز فإنه يصح إذا أذنه الولي فينفك عنه الحجر فيما أذن له فيه من تجارة وغيرها ويصح إقراره فيما أذن له فيه .
وللولي أن يدفع مال القاصر إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح كما أن له أن يبيعه بأجل لرجل مليء وله هبته بعوض ورهنه عند ثقة لحاجة وله تعميره بما جرت به عادة أهل البلد )