وإذا بلغ الصبي غير رشيد فإنه لا يسلم إليه ماله بل يحجر عليه بسبب السفه . وفي ذلك تفصيل المذاهب .
( الحنفية - قالوا : اتفق الإمام وصاحباه على أنه لا يسلم إليه ماله بمجرد البلوغ بل لا بد من ثبوت الرشد بعد الاختبار إلا أن الإمام قال : ينتظر إلى أن يبلغ خمسا وعشرين سنة ثم يسلم له ماله ولو لم يرشد . وإذا تصرف يقع تصرفه صحيحا ما دام حرا عاقلا لأنه لا يحجر عليه بالسفه . أما صاحباه فقالا : لا يسلم إليه ماله ولو بقي على ذلك مائة سنة وقد تقدم وسيأتي تفصيله في مبحث الحجر على السفيه .
الحنابلة - قالوا : إذا بلغ الصبي غير رشيد " والرشد هو : الصلاح في ماله ودينه وقيل هو الصلاح في ماله فقط " فإن الحجر يستمر عليه ويكون النظر في ماله لوليه قبل البلوغ من أب أو وصي أو الحاكم وإذا فك عنه الحجر فعاوده السفه أعيد الحجر عليه وإن فسق في دينه ولكنه لم يبذر في ماله فإنه لا يحجر عليه خصوصا على القول الرشد هو الصلاح في المال . ولكن لا يحجر عليهما في هذه الحالة إلا الحاكم لأن التبذير الذي حصل ثانيا يتفاوت فيحتاج إلى نظر واجتهاد فلا بد في الحاكم حينئذ كالحجر على المفلس فإنه لا يكون إلا بحكم حاكم ولا ينظر في أموالهما إلا الحاكم ولا يفك الحجر عنهما ثانيا إلا الحاكم .
وإذا بلغ الصبي وصار رشيدا أو عقل المجنون رشيدا انفك الحجر عنهما بلا حكم قاض ودفع إليهما مالهما ويستحب أن يكون الدفع فإذن قاض كما يستحب أن يكون ثبوت الرشد ببينة وأن يكون الدفع ببينة ولا ينفك الحجر عنهما قبل البلوغ وثبوت الرشد والعقل ولو بقيا على ذلك حتى هرما .
الشافعية - قالوا : فإنه يكون بعدم ارتكابه وإصراره على صغيرة : وأما صلاح المال : فإنه يكون بعدم تبذيره وإنفاقه في الشهوات المحرمة أو تضييعه بغبن فاحش لا يحتمل في المعاملة كأن يبيع أو يشتري بالغبن .
أما إذا أنفقه في الصدقة ووجوه الخير والمأكل والملبس اللذين يليقان به فقيل : إنه تبذير وقيل إنه ليس بتبذير وهو الراجح .
ويعرف رشد الصغير قبل بلوغه بالاختيار وهو يختلف باختلاف مهنة أهل الصغير فإذا كان أبوه تاجرا فإنه يختبر بالبيع والشراء وإذا كان أبوه زارعا فإنه يختبر بما يناسب حال الزراعة فيكلف الإنفاق على المزارعين الذين يقومون بخدمة أرضه ومراقبة الحصادين ونحو ذلك .
وإن كانت صغيرة فإنها تختبر بتدبير المنزل من حفظ طعام وترتيب معيشة وغير ذلك وقيل الاختبار يكون بعد البلوغ والراجح أنه قبله . فعلى القول الأول تكون تصرفات القاصر التي بها الاختبار تمهيدية وعندما يتم الانفاق بينه وبين من يريد التعاقد معهم يتولى العقد وليه لأنه ليس بالغا فلا يصح عقده على الراجح .
وأما على القول الثاني : فإنه هو الذي يتولى العقد لكونه بالغا هذا ولا بد من تكرار الاختبار مرتين أو أكثر حتى يغلب على الظن أنه صار رشيدا .
ويثبت الحجر عليه ومنعه من التصرف سواء كان ذكرا أو أنثى بدون قضاء قاض وينفك ببلوغه بلا فك قاض لأن ما ثبت بلا قاض لا يتوقف زواله على قاض فينفك الحجر بالأب والجد أما فكه بالقيم والوصي ففيه قولان : وقيل : يتوقف الفك على القضاء لأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد فإذا بلغ الصبي رشيدا والرشيد : هو المصلح لماله ودينه فلا حجر أصلا . وإن بلغ غير رشيد دام الحجر عليه لأنه وإن زال الحجر بسبب الصغر لكن خلفه الحجر بسبب السفه والفسق ويتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل البلوغ .
وإذا فك حجره بعد رشده وسلم إليه ماله ثم بذر فيه فإنه يحجر عليه ثانيا وهل يعود عليه بدون أحد أو لا ؟ خلاف : فبعضهم يقول : لا يعود الحجر عليه إلا بالقاضي . وبعضهم يقول يعود الحجر عليه بالأب والجد والوصي كما يعود بالقاضي . وبعضهم يقول : يعود الحجر عليه ولو لم يحجر عليه أحد فإذا لم يبذر في ماله ولكن فسق في دينه فسقا لا يضيع المال كالشح وعدم إخراج الزكاة وترك الصلاة ونحو ذلك فإنه لا يحجر عليه بسبب ذلك على المعتمد .
أما الفسق الذي يترتب عليه تبذير كالزنا والمقامرة والتورط في الشهوات المضيعة للمال فإنه يوجب الحجر عليه لأنه تبذير للمال .
المالكية - قالوا : إذا بلغ الصبي غير رشيد بأن جن . أو كان غير صالح لحفظ ماله فإنه يستمر الحجر عليه .
أما إذا ثبت أنه قادر على حفظ ماله فإن حجره ينفك بمجرد بلوغه وإن لم يفكه الأب أما إذا كان الولي قد أوصى به الأب فإن الحجر لا ينفك إلا إذا فكه الوصي وسيأتي بيان صفة الفك في الحجر على السفيه والفرق بين الحالتين : أن الولاية تثبت للأب بدون واسطة أحد فخروجه لا يحتاج إلى شيء زائد من تحقق صفة الرشد أما الولي الذي أوصى به الأب فإن الولاية تثبت له بواسطة الأب فإخراجه يحتاج إلى أمر زائد على رشدها وهو زوجها والدخول بها فإذا لم تتزوج ولم يبن بها زوجها فإنها لا تستحق أن يسلم إليها مالها وسيأتي للكلام بقية في مبحث الحجر على السفيه )