يتعلق بالقرض أحكام مفصلة في المذاهب .
( الحنفية - قالوا : يتعلق بالقرض أحكام . منها : أنه مضمون بمثله فإذا اقترض مكيلا كقمح مثلا فإنه لا يلزم إلا برد مثل ما أخذه بقطع النظر عن غلائه ورخصه . وكذلك الحال فيما يعد أو يوزن فإذا اقترض فلوسا " قروشا رائجة " ثم بطلت المعاملة بها فإنه لا يلزم إلا برد مثلها . وكذلك إذا اقترض عشرين رطلا من اللحم وكان سعر الرطل خمسة قروش ثم نزل السعر إلى قرشين . فإنه لا يلزم إلا برد العشرين رطلا وذلك إذا اقترض خبزا فإنه لا يلزم إلا برد العدد الذي أخذه أو بوزنه الخبز يصح قرضه عدا ووزنا .
ومنها : أن التوكيل يصح في القرض وفي قبضه كأن يقول شخص لآخر : أقرضني كذا . ثم يوكل عنه من يقبض له . أما الاستقرار وهو : طلب القرض فلا يصح التوكيل فيه فإذا وكل شخص آخر في أن يذهب إلى فلان ويستقرض له منه شيئا فإنه لا يكون وكيلا عنه في ذلك . فإذا استقرض المأمور على الأمر لأنه ليس وكيلا له . وتصح الرسالة في الاستقراض كأن يرسل رسولا إلى فلان ليستقرض له منه فإن ذهب الرسول وقال : فلان يستقرض منك كذا فأقرضه كان المال للآمر المرسل . أما إذا قال : أقرضني كذا وأضاف القرض لنفسه فأعطاه فإن المال يكون له وله أن يمنعه من المرسل . وقد تقدم شيء من ذلك في مباحث اليمين .
ومنها : أن يكره أن يقرض شخص لآخر شيئا في نظير منفعة . ولكن محل ذلك إذا كانت المنفعة مشترطة في العقد كأن يقرضه مثلا عشرين إردبا من القمح " الغلت " على أن يأخذ مثلها نظيفا . أما إذا أقرضه شيئا رديئا فأعطاه جيدا بدون شرط فإنه لا كراهة فيه . ومثل ذلك : ما إذا أقرضه مالا يشتري منه سلعة بثمن غال . كما إذا كان عنده ثياب من الحرير أو القطن يساوي ثمن الواحد منها عشرة ثم جاءه رجل فاستقرض منه مائتين فأعطاه ببعض القرض ثيابا ثمن الثوب عشرون وكمل له الباقي نقودا . فإذا لم يكن ذلك مشروطا في العقد يجوز . وبعضهم يقول بكراهته . أما اذا كان مشروطا في العقد فإنه يكون مكروها ولا بأس أن يهدي من عليه القرض لمن اقترض منه . ولكن الأفضل التورع عن ذلك .
ومن ذلك ما إذا طلب شخص من آخر أن يقرضه مالا فقال له : اشتر مني هذا الثوب بعشرين فاشتراه ثم باعه لشخص غير الذي اشتراه منه بعشرة وهذا باعه لصاحبه بالعشرة فأخذها وأعطاها للمشتري الأول فأخذها وبقي عليه دين العشرين ويسمى هذا بيع العينة بكسر العين فقال بعضهم : إنه جائز وقال بعضهم : إنه مكروه .
ومنها : أنه لا يجوز أن يقرض الصبي المحجور عليه . فإذا أقرضه فأضاع الصبي ما أخذه فقد ضاع على صاحبه أما إذا كان الصبي غير محجور عليه بأن كان مأذونا بالتصرف فإنه يصح أن يقرضه لأنه يكون في حكم البالغ وبعضهم يقول : إن الصبي المحجور عليه إذا استهلك ما اقترضه يكون عليه ضمانه أما إذا هلك بنفسه فلا ضمان عليه اتفاقا . ومثل الصبي في ذلك المعتوه .
الشافعية - قالوا : يتعلق بالقرض أحكام .
أولا أركانه كأركان البيع فلا بد من أن يكون الشيء المقترض معلوم القدر وكذلك لا بد فيه من الإيجاب والقبول كالبيع والإيجاب تارة يكون صريحا وتارة يكون كناية فالصريح كأن يقول : أقرضتك هذا الشيء أو سلفتك . ومثله ما إذا قال : ملكت هذا الشيء بمثله . والكناية كأن يقول : خذ هذا الشيء بمثله أو على أن ترد بدله أو خذه ورد بدله أو اصرفه في حوائجك ورد بدله . ولا يلزم الإيجاب والقبول في القرض الحكمي وذلك كما إذا وجد دابة لقطة فأنفق عليها فإن الإنفاق عليها له حكم قرض صاحبها وهذا لا يشترط فيه القبول ولا الإيجاب .
ثانيا : أنه يشترط في المقرض بكسر الراء أن يكون أهلا للتبرع فلا يصح للوالي أن يقرض مال المحجور الذي له عليه ولاية بلا ضرورة كأن يخاف الوالي على مال المحجور عليه من الضياع نهبا ونحو ذلك . ولكن للقاضي أن يقرض مال المحجور عليه بدون ضرورة إن كان المقترض أمينا موسرا . وكذلك يشترط أن يكون المقرض مختارا فلا يصح قرض المكره كسائر عقوده أما المقترض فإنه يشترط فيه أن يكون أهلا للمعاملة بأن يكون بالغا عاقلا غير محجور عليه .
ثالثا : يشترط في الشيء المقرض أن يكون مما يصح فيه السلم إذا كان موصوفا في الذمة كأقرضتك جملي الموصوف بكذا إنما يشترط أن يقبضه المقترض حالا فلا يصح أن يؤخر قبضه زمناعلى أنه لا يشترط في المجلس بل يصح ولو تفرقا . أما المعين كهذا الجمل الحاضر فإنه لا يشترط فيه القبض حالا . لأنه أقوى من الموصوف في الذمة فيصح تأخير قبضه وقد عرفت في السلم أن المعين لا يصح فيه السلم ولكن يصح قرضه وخرج بقول مما يصح فيه السلم الخ الموصوف في الذمة التي لا يصح فيه السلم نحو الدابة الحامل فإنه لا يصح قرضها كما لا يصح أن تكون مسلما فيها . وإنما اشترط في القرض أن يكون الشيء المقرض مما يصح فيه السلم . لأن مالا يصح فيه السلم لا ينضبط أو يندر وجوده فيتعذر رد مثله . ويستثنى من ذلك الخبز فإنه لا يجوز السلم فيه ولكن يجوز إقراضه وزنا لعموم الحاجة إليه . وبعضهم يقول : يجوز إقراضه عدا أو وزنا وكذلك يستثنى قرض نصف عقار شائع كنصف دار فإنه لا يصح السلم فيه ولكن يصح إقراضه وذلك لأن المطلوب في القرض أن يكون للشيء المقرض بفتح الراء مثل يمكن رده للمقرض بكسر الراء ونصف الدار الشائع يقابله النصف الآخر وهو مثله تماما فيصح في هذه الحالة أن يرد المقترض من النصف الآخر للمقرض وهو مثل ما أقرضه تماما . وإنما لم يصح السلم فيه لأنه نادر الوجود وإذ لا يوجد له مثل إلا نصفه الثاني فلو نفذ يتعذر وجود مثل فلا يصح السلم لذلك . أما ثلثا العقار أو كل العقار فلا يصح قرضه كما لا يصح السلم فيه لعدم وجود المثل حينئذ : ولا يقال : إنه يصح أن يقرض ثلثي العقار أو كل العقار ويدفع بدله من عقار آخر إذ لا يلزم أن يرد في صورته ومعناه . بل يكفي في القرض أن يكون نظيره في عقار آخر لأن ذلك قد يترتب عليه نزاع فإن المقرض قد لا يرضى إلا برد مثله الصوري . ولا يقبل رد نظيره من عقار آخر وظاهر هذا أن المقرض إذا رضي بذلك ابتداء فإنه يصح .
ومن ذلك يتضح أنه يجوز قرض ما له مثل وما له قيمة . فأما المثلي فإن على المقترض أن يرد مثله سواء كانت نقودا معدودة أو غيرها فلو اقترض نقودا وبطل العمل بها فلا يلزم إلا برد مثلها إذا كانت لها قيمة غير تافهة أما إذا كانت لها قيمة تافهة فإنه يلزم برد قيمتها باعتبار أقرب وقت بالنسبة لوقت المطالبة بها ومثلها الفلوس " القروش " من غير الذهب والفضة .
وأما القيمي فإن على المقترض أن يرد مثله صورة كما إذا اقترض جملا فإن المطلوب أن يرد جملا مثله فلا يصح أن يرد فيه بقرة . نعم يصح أن يرده أحسن أو أكبر فإن النبي A اقترض جملا وهو في السنة السادسة ورد مثله جملا في السنة السابعة .
رابعا : يفسد القرض بشرط يجر منفعة للمقرض كرد زيادة في القدر أو الصفة كأن يقترض منه قمحا غير نظيف بشرط أن يرده له مغربلا نظيفا أو يقترض ورقا بشرط أن يرد ذهبا فلو رد زيادة بلا شرط فحسن لما في الحديث السابق . أما إذا شرط أنه لا يقرضه إلا برهن أو كفيل أو إشهاد فإنه لا يصح لأن هذا الشرط من مقتضى العقد كما تقدم . وحاصل ذلك : أن الشرط في القرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام : .
الأول : أن يجر نفعا للمقرض وفي هذه الحالة يكون فاسدا مفسدا للعقد .
الثاني : أن يجر نفعا للمقترض كأن يشترط المقترض أن يرد ردئيا وقد أخذ جيدا وفي هذه الحالة يكون الشرط فاسدا والعقد صحيح .
الثالث : أن يكون للوثوق كطلب رهن وكفيل وهو صحيح نافذ ومحل ذلك كله إذا وقع الشرط في صلب العقد أما قبل العقد فلهما أن يشترطا ما يعجبهما ويتفقا عليه من غير ذكر في طلب العقد ولا يكون مفسدا ويصح أن نذكر هنا حيلة مخلصة من الربا وهي أنه إذا أراد أن يقترض شخص مالا من آخر فيصح للمقرض أن يبيعه سلعة بثمن زائد على قيمتها ثم يشتريها منه بأقل مما باعها ويعطيه الثمن فتحصل له الزيادة التي يريدها ولا تكون ربا . مثال ذلك : أن يبيعه مائة إردب من القمح بسعر الإردب جنيهين وهو يساوي جنيها ونصفا ثم يشتريها منه بقيمتها الحقيقية فتحصل له الزيادة وينجو من الربا .
المالكية - قالوا : يتعلق بالقرض أحكام : .
منها : أن كل ما يقبل جنسه السلم يصح قرضه كالمكيل والموزون والمعدود فإن جنس كل واحد منها يقبل السلم فالقمح مثلا يقبل السلم لكونه مكيلا واللحم كذلك وإن كان قد يمتنع فيه السلم أحيانا ولا يمتنع فيه القرض كما إذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة فإنه لا يصح فيه السلم ويصح فيه القرض مثلا : إذا أقرضه قمحا كاله له بصفيحة أو جردل أو قصعة على أن يرد له مثله بالصفيحة أو الجردل أو القصعة فإنه يصح .
أما في السلم فإنه لا يصح إلا بآلة الكيل المعروفة بين الناس وآلة الوزن المعروفة بين الناس أيضا " كالكيلة والربع والقدح " والرطل والأوقية المعلومة .
وكذلك يصح قرض الحيوان وعروض التجارة لأنه يصح السلم في جنسهما فيصح قرضهما كما تقدم .
ومنها : أنه يحرم على المقرض أن يأخذ هدية من المقترض إلا إذا كانت له عادة بذلك من قبل أو طرأ ما يدعو للهدية كمصاهرة ونحوها أما الهدية لأجل الدين فهي تحرم ظاهرا وباطنا فإن كانت لمجرد التواد والتحابب فإنها تحل باطنا ولكن لا يقرها القاضي ظاهرا .
وكذلك يحرم أن يشترط في القرض شرطا يجر منفعة كأن يشترط أن يأخذ سليما ويعطيه ضعيفا فلا يصح أن يقرضه بقرة لا تقوى على الحرث ثم يشترط أن يأخذ بدلها بقرة تقدر عليه أو يقرضه قمحا غلتا بشرط أن يأخذه نظيفا .
ومنها : أن القرض يملكه المقترض بمجرد العقد كالصدقة والهبة والعارية فإذا قبضه المقترض فلا يخلو : إما أن يكون له أجل مضروب أو لا فإن كان له أجل مضروب فإنه يلزم برده عند حلول الأجل وإن لم ينتفع به انتفاع أمثاله عادة وإن لم يكن له أجل مضروب فلا يخلو : إما أن تكون العادة أن يرد مثل هذا القرض في وقت مخصوص كما إذا اقترض قمحا والعادة أن يرد مثله بعد حصاد القمح . وإما أن لا يكون في ذلك عادة فإن كانت في ذلك عادة فإنه يعمل بها كما يعمل بانقضاء الأجل . فيلزم بالرد في الوقت الذي جرت به العادة وإن لم تكن فيه عادة فإنه لا يلزم برده إلا إذا انتفع به الانتفاع الذي جرت به عادة أمثاله .
ويجوز للمقرض أن يرد مثل الذي اقترضه وأن يرد عينه . سواء كان مثليا أو غير مثلي بشرط أن لا يتغير بزيادة أو نقص . فإن تغير وجب رد مثله .
أولا : إنه يصح القرض في كل عين يجوز بيعها من مكيل وموزون ومذروع ومعدود ونحوه واختلف في قرض المنافع كأن يحصد معه يوما وهو يحصد معه يوما آخر فأجازه بعضهم ومنعه الآخرون .
ثانيا : يشترط في الشيء المقترض " بفتح الراء " أن يكون قدره معروفا فإن كان مكيلا فيلزم أن يعرف بمكيال معلوم بين الناس " كالكيلة والربع " ونحوهما .
وكذلك إن كان موزونا فينبغي أن تبين آلة الوزن المعروفة كالرطل والأوقية ونحوهما فلا يصح القرض إذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة كالصفيحة والجردل . فإذا أقرضه قمحا كاله له بجردل أو قصعة فإنه لا يصح كالسلم .
ومثل ذلك آلة الوزن والذرع . فلا بد أن تكون معروفة بين الناس كالمتر والياردة ونحو ذلك .
وكذلك يشترط معرفة وصفه بأن يقرضه جنيهات مصرية أو انكليزية . أو يقرضه قمحا هنديا أو بلديا أو نحو ذلك .
ثالثا : يشترط في المقترض بكسر الراء أن يكون أهلا للتبرع فلا يصح قرض الصبي والمجنون ونحوهما .
رابعا : عقد القرض يلزم بقبضه سواء كان الشيء المقرض " بفتح الراء " مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا أو غير ذلك وللمقترض أن يشتري بالمال الذي اقترضه من مقرضه . فإذا اقترض محمد من علي مائة جنيه فله أن يشتري بها دار أو نحوها من علي ولا يملك رب المال أن يسترده ممن اقترضه بعد قبضه إلا إذا أفلس المقترض وحجر عليه بالفلس قبل أن يأخذ المقترض شيئا منه بدل القرض فإنه يصح له أن يسترده في هذه الحالة .
خامسا : إن كان الشيء المقترض مثليا والمثلي هو : المكيل والموزون الذي لم تتعلق به صناعة مباحة فإن المقترض يلزم برد مثله . ولا يلزم برد عين ما اقترضه لأنه بالقرض يملكها ملكا تاما بالقبض فله أن يستهلكها كما يشاء فإذا رده بعينه فإن المقترض يلزم بقبوله إلا إذا طرأ عليه عيب كما إذا اقترض قمحا فأقبل أو تعفن أو نحو ذلك فإنه لا يلزم بقبوله حينئذ .
أما إذا كان القرض غير مثلي فإن المقترض يلزم برد قيمته فلو رده بعينه لصاحبه فإنه لا يلزم بقبوله لأن الذي وجب له بالقرض قيمته فلا يلزم الاعتياض عنها ويجب رد المثل في المثلي سواء زادت قيمته عن يوم قرضه أو نقصت فإذا اقترض قمحا في وقت كان سعر الإردب فيه جنيهين ثم نزلت قيمته عند حلول الدين فأصبحت جنيها واحدا فإنه لا يكلف إلا رده فقط بدون نظر إلى قيمته .
وإذا اقترض مثليا مما يكال أو يوزن ثم تعذر وجوده فإنه يلزم برد قيمته من يوم أن انقطع وجوده . أما ما سوى المكيل والموزون فإنه يلزم برد قيمته وإذا اقترض خبزا عددا بلا شرط زيادة ولا قصد فإنه يجوز .
سادسا : لا يجوز أن يشترط في عقد القرض شرطا يجر منفعة للمقرض كأن يشترط المقرض على المقرض أن يسكنه دارا مجانا أو رخيصا أو يعطيه خيرا مما أخذه منه أو يهدي إليه هدية أو نحو ذلك وكذلك لا يجوز أن يشترط المقترض أن يعطي أقل مما أخذ . أما اشتراط ما به التوثيق كأن يقول : اقرضك بشرط أن ترهنني كذا أو تأتيني بضمان فإنه يصح وينفذ )