المرابحة في اللغة مصدر من الربح وهو الزيادة . أما في اصطلاح الفقهاء فهي : بيع السلعة بثمنها التي قامت به مع ربح بشرائط خاصة مفصلة في المذاهب .
( المالكية - قالوا : المرابحة بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم للبائع والمشتري وهو خلاف الأولى لأنه يحتاج إلى بيان كثير قد يتعذر على العامة فيقع البيع فاسدا لأن البائع ملزم بأن يبين المبيع وكل ما أنفقه عليه زيادة على ثمنه . وربما يفضي إلى نزاع . ومثله بيع الاستئمان : وهو أن يشتري السلعة على أمانة البائع بأن يقول له : بعني هذه السلعة كما تبيع للناس لأني لا أعرف ثمنها .
وكذلك بيع المزايدة : وهو أن يتزايد اثنان فأكثر في شراء سلعة قبل أن يستقر ثمنها ويتفق عليه البائع مع أحدهما وإلا كان ذلك حراما لأنه سوم على سوم الغير في هذه الحالة كما تقدم .
ثم إن بيع المرابحة على وجهين : الوجه الأول : أن يساومه على أن يعطيه ربحا عن كل مائة عشرة مثلا أو أكثر أو أقل ويشتمل هذا الوجه على صورتين : الصورة الأولى : أن يكون للبائع قد اشترى السلعة بثمن معين ولم ينفق عليها شيئا زيادة عن الثمن . وهذه أمرها ظاهر فإن على المشتري أن يدفع الثمن مضافا إليه الربح بالحساب الذي يتفقان عليه والصورة الثانية : أن يكون البائع قد أنفق على السلعة زيادة على ثمنها الذي اشتراها به وتشمل هذه ثلاثة أمور : .
الأولى : أن يكون ما أنفق عليها عينا ثابتة قائمة بالسلعة كما إذا اشترى ثوبا أبيض فصبغه أو اشترى صوفا منفوشا ففتله أو اشترى ثوبا فخاطه أو طرزه فإن الصبغ والفتل والتطريز والخياطة صفات قائمة بالثوب وحكم هذا : أنه يكون كالثمن فيضاف إلى الثمن ويحب له الربح بنسبته وإنما يشترط أن يبينه البائع كما يبين الثمن فيقول : قد اشتريت الثوب بكذا وصبغته بكذا أو خطته بكذا أو طرزته بكذا فإذا كان قد تولى ذلك بنفسه كأن كان خياطا فخاط ثوبه أو صباغا فصبغه فإنه لا يحتسب له شيء من أجرة وربح . الثاني : أن يكون ما أنفق عليه غير قائم بالبيع ولا يختص به كأجرة خزنه في داره وحمله وحكم هذا : أنه لا يحسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح أما إذا كان اكترى له دارا بخصوصه ليخزنه فيها ولولاه ما احتاج إلى هذه الدار فإن أجرتها تحسب من الثمن ولا يحسب لها ربح . ومثل ذلك أجرة السمسار إذا كانت العادة تحتم الشراء به . الثالث : أن يكون غير قائم بالمبيع ولكنه يختص به . وهذا إن كان مما يعمله التاجر بنفسه عادة كطي الثوب وشده ولكنه قد استأجر عليه غيره فإنه لا يحسب ما أنفقه لا في الثمن ولا في الربح .
أما إن كان مما لا يتولاه التاجر بنفسه كالنفقة على الحيوان فإنه يحسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح ويشترط أن يبينه أيضا فإذا اشترط البائع على المشتري أن يعطيه ربحا على كل ما أنفقه سواء كان له عين قائمة بالمبيع كالصبغ وما ذكر معه أو ليست له عين ثابتة غير مختصة كأجرة الحمل . أو مختصة ولكن العادة جرت بأن يفعلها البائع بنفسه أو العكس . فإنه يعمل بشرطه إذا سماها جميعها .
ومن هذا يتضح لك أن تسمية الثمن وتسمية ما أنفقه على السلعة سواء كان قائما بها أو لا شرط على أي حال فإذا قال له : أبيعك هذه السلعة على أن أربح في المائة عشرة مثلا ثم ذكر له الثمن مضافا إليه ما أنفقه على السلعة ولم يسم له ما يصح إضافته إلى الثمن بربح وما يصح إضافته بدون ربح وما لا يصح إضافته إلى الثمن أصلا . فإن العقد يقع فاسدا لجهل المشتري بالثمن في هذه الحالة .
الوجه الثاني : من وجهي البيع بالمرابحة : أن يبيع السلعة بربح معين على جملة الثمن كأن يقول له : أبيعك هذه السلعة بثمنها مع ربح عشرة أو خمسة ويشترط في هذه الحالة أيضا : أن يسمى الثمن وما يتبعه مما أنفقه على السلعة سواء كان قائما بها كالصبغ ونحوه أو لا كأجرة خزنها وحملها وهكذا مما لا يضاف إلى الثمن مع ربح أو يضاف بدون ربح أو لا يضاف أصلا وفي هذه الحالة يصح البيع ولكنه يطرح عن المشتري ما أنفقه البائع على السلعة مما لا يضاف إلى الثمن كأجرة الحمل ونحوها إلا أن يشترط حسبانه فإنه يصح . ولا فرق في الثمن بين أن يكون ذهبا أو فضة ونحوهما أو يكون قيميا فإذا اشترى ثوبا بشاة فإنه يصح أن يبيعه بشاة مماثلة للشاة التي اشتراه بها في صفاتها ويزيده ربحا معلوما ولكن يشترط أن تكون الشاة التي يريد شراءه بها مملوكة له عنده أو ليست عنده ولكنها مضمونة . بحيث يمكن الحصول عليها أما إذا لم تكن كذلك فإنه لا يصح .
الحنابلة - قالوا : إذا كان الربح معلوما والثمن كذلك صح بيع المرابحة المذكور بدون كراهة فإذا قال : بعتك هذه الدار بما اشتريتها به وهو مائة جنيه مثلا مع ربح عشرة فإنه يصح أما إذا قال له : بعتك هذه الدار على أن الربح في كل عشرة من ثمنها جنيها ولم يبين الثمن فإنه يصح مع الكراهة وعلى البائع أن يبيع الثمن على حدة وما أنفقه على المبيع على حدة فإذا اشتراه بعشرة وأنفق عليه عشرة وجب عليه أن يبينه على هذا الوجه فيقول : اشتريت بعشرة وصبغته أو كلته أو وزنته أو علفته بكذا وهكذا .
الشافعية - قالوا : يصح بيع المرابحة سواء قال له : بعتك هذه السلعة بثمنها الذي اشتريتها به وهو مائة مثلا وربح عشرة . أو قال له : بعتك هذه السلعة بربح كل جنيه عن كل عشرة من ثمنها ثم إن كان المشتري يعلم الثمن ويعلم ما أنفقه البائع على السلعة زيادة على الثمن فإنه يدخل في قوله : بعتك بثمنها وربح كذا وإن لم يبينها إلا أجرة عمل البائع بنفسه أو عمل متطوع له بعمل مجانا فإنه لا يدخل إلا إذا بينه . أما إذا كان المشتري لا يعلم شيئا من النفقات فإنه لا يدخل شيء منها في العقد إلا إذا بينه البائع وكذلك الثمن إذا كان عرضا ولم يعلم به المشتري فإنه يلزم أن يبينه البائع كأن يقوله له : بعتك هذه الثوب بثمنه الذي اشتريته به وهو عرض كذا وقيمته كذا . أما إذا كان المشتري يعلم به فلا يلزم بيانه . على أنه إن بينه يقع العقد صحيحا وإنما البيان لدفع الكذب المحرم . أما إذا كان الثمن نقدا أو مثليا كالمكيلات ونحوها فإنه لا يلزم بيانه .
الحنفية - قالوا : يصح البيع بالمرابحة أي بالثمن الأول مع ربح بشرطين : الأول : أن يكون المبيع عرضا فلا يصح بيع النقدين مرابحة فإذا اشترى جنهين من الذهب بمائتين وعشرين قرشا فضة فإنه لا يصح أن يبيعهما بثمنهما المذكور مع ربح خمسة مثلا وذلك لأن الجنيهات لا تتعين بالتعيين كما تقدم غير مرة إذ يصح أن يقول : بعتك هذا الجنيه بكذا ثم يعطيك جنيها غيره لأنه لا يملك بالشراء .
وللبائع أن يضم إلى أصل الثمن كل ما أنفقه على السلعة مما جرت به عادة التجار سواء كان عينا قائمة بذات المبيع كصبغ الثوب وخياطته وتطريزه وفتل الصوف والقطن " غزلهما " وحفر الأنهار والمساقي . أو كان خارجا عن المبيع غير قائم به كأجرة حمله وإطعام الحيوان بلا تبذير وأجرة السمسار . وهل يلزم أن يشترط البائع ضم ما أنفقه من ذلك إلى أصل الثمن ويبينه أو لا ؟ خلاف : والراجح أن المرجع في ذلك للعرف كما أشرنا إلى ذلك أولا فما جرت عادة التجار بضمه إلى الثمن يضم وإلا فلا . الشرط الثاني : أن يكون الثمن مثليا كالجنيه والريال ونحوهما من العملة وكذلك المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة . أما المعدودات المتفاوتة فإنها ليست مثلية فإذا اشترى بعيرا بعشرة جنيهات فإنه يصح أن يبيعه بثمنه مع ربح معين وكذلك إذا اشتراه بعشرة " أرادب " من القمح فإنه يصح أن يبيعه بها مع ربح إردب من جنسها . وكذلك إذا اشترى إردبا من القمح بصفيحة من السمن زنتها ثلاثون رطلا فإنه يصح أن يبيعه بثمنه مع زيادة العينة من السمن وهكذا فإذا كان الثمن غير مثلي بل كان قيميا أي يباع بالتقويم لا بالكيل ونحوه كالحيوان والثوب والعقار فإنه لا يصح البيع به مرابحة إلا بشرطين : الشرط الأول : أن يكون ذلك الثمن هو بيعنه الذي بيعت به السلعة أولا مثال ذلك أن يشتري زيد من عمرو ثوبا بشاة ثم يشتري محمد الثوب من زيد بنفس الشاة التي اشتراه بها بعد أن يملكها من عمرو . الشرط الثاني : أن يكون الربح معلوما كأن يقول له : اشتريت منك هذا الثوب بالشاة التي اشتريته بها مع ربح عشرة قروش أو مع ربح كيلة من القمح أما إذا كان الربح غير معين كأن يقول له : اشتريت منك هذا الثوب بالشاة المذكورة مع ربح خمسة في المائة من ثمنه فإنه لا يصح . لأن ثمن الثوب غير معين في هذه الحالة ) .
أما التولية فهي في اللغة مصدر ولى غيره : جعله واليا . وشرعا بيع السلعة بثمنها الأول بدون زيادة عليه وحكمها كحكم المرابحة على التفصيل الممتقدم فيها ومثلهما الوضعية ويقال لها المحاطة وهي بيع السلعة مع نقصان ثمنها الذي اشتريت به .
فإذا باع شيئا مرابحة أو وضعية ثم ظهر كذبه في بيان الثمن وما يتعلق به ببرهان أو إقرار أو غيرهما ففيه تفصيل المذاهب .
( الحنفية - قالوا : إذا ظهر كذبه ببرهان أو إقرار أو نكول عن اليمين فإن للمشتري الحق في أخذ المبيع بكل ثمنه الذي اشتراه به أو رده وله أن يقتطع من الثمن الذي دفعه ما زيد عليه كذبا في البيع بالتولية فقط . أما المرابحة فليس له فيها إلاخيار رد البيع أو إمساكه بكل الثمن . وبعضهم يقول : إن له أن يقتطع ما زال عليه فيها أيضا فإذا باع ثوبا بعشرة مع ربح خمسة واتضح أن ثمنه ثمانية لا عشرة فللمشتري أن ينقص اثنين من أصل الثمن وما يقابلهما من الربح وهو قرش . وإذا هلك المبيع أو استهلكه المشتري أو حدث فيه عيب وهو عنده قبل رده سقط خياره ولزمه بكل الثمن .
المالكية - قالوا : البائع في المرابحة إن لم يكن صادقا فهو : إما أن يكون غاشا أو كاذبا أو مدلسا .
فأما الغاش : فهو الذي يوهم أن في السلعة صفة موجودة يرغب في وجودها وإن كان عدمها لا ينقص السلعة أو العكس بأن يوهم أن السلعة خالية من صفة موجودة فيها لا يرغب في وجودها وذلك كأن يوهم أن السلعة جديدة واردة من معملها حديثا وهي قديمة لها زمن طويل عنده أو يوهم أن هذا الثوب وارد من معمل كذا وهو ليس كذلك . بشرط أن لا يكون ذلك منقصا لقيمة السلعة وإن كان عيبا له الحكم المتقدم في خيار العيب . أما حكم الغش المذكور في المرابحة : فهو أن المشتري بالخيار بين أن يمسك المبيع وبين أن يرده . أما الكاذب : فهو الذي يخبر بخلاف الواقع فيزيد في الثمن كأن يقول : إنه اشترى السلعة بثلاثين مع أنه اشتراها بعشرين وفي هذه الحالة يكون للمشتري الحق في أن يسقط ما زاده البائع عليه من الثمن وما يقابله من الربح ولا يلزمه المبيع إلا بذلك فإن لم يقبل البائع ذلك يكون المشتري مخيرا بين إمساك المبيع ورده .
إذا عرض على السلعة أمر يفوت ردها كنماء أو نقص أو نزل عليها السوق . ففي حالة الغش يلزم المشتري بأقل الأمرين من الثمن والقيمة يوم قبضها ولا يقدر للسلعة ربح وفي حالة الكذب : فإن المشتري يخير بين أن يأخذ السلعة بالثمن الحقيقي مع ربحه وبين أن يأخذها بقيمتها يوم قبضها إلا إذا زادت قيمتها عن ثمنها المكذوب وربحه فإنه لا يلزم بدفع الزيادة عند ذلك . لأن البائع رضي بالثمن المكذوب فارتفاع قيمة السلعة لا يكسبه حقا خصوصيا وأنه زاد في الثمن كذبا . وأما المدلس : فهو الذي يعلم أن بالسلعة عيبا ويكتمه وحكم المدلس في المرابحة كحكمه في غيرها . وقد تقدم في مباحث الخيار أن المشتري يكون بالخيار بين الرد ولا شيء عليه وبين إمساك المبيع ولا شيء له الخ غلا أن بيع المرابحة إذا حصل فيه كذب أو غش أو تدليس فإنه يكون شبيها بالعيب الفاسد . فإذا هلك المبيع قبل أن يقبضه المشتري لا يكون ملزما به بخلاف غيرها من بيع المزايدة أو المساومة فإنه إذا كان فيها كذب أو غش ونحوهما وهلكت قبل قبضها فإن ضمانها يكون على المشتري بمجرد العقد .
الحنابلة - قالوا : إذا باع شيئا تولية أو مرابحة ثم ظهر أنه كاذب في الثمن فإن للمشتري الحق في إسقاط ما زاده البائع كذبا في التولية والمرابحة من أصل الثمن وإسقاط ما يقابله من الربح في المرابحة وينقص الزائد من المواضعة أيضا . ويلزم البيع الباقي فلا خيار للمشتري في ذلك .
وإذا قال البائع : إنني غلطت في ذكر الثمن لأنه أزيد مما ذكرت فالقول قوله مع يمينه بأن يطلب المشتري تحليفه فيحلف أنه لم يعلم وقت البيع أن ثمنها أكثر مما أخبر به وبعد حلف البائع يخير المشتري بين رد المبيع وبين دفع الزيادة التي ادعاها فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما وقع عليه العقد . ورجح بعضهم أنه لا يقبض قول البائع بالزيادة غلا ببينة ما لم يكن معروفا بالصدق على الأظهر .
الشافعية - قالوا : إذا ظهر كذب البائع في المرابحة بأن أخبر أنه اشتراه بمائة فظهر بالبرهان أو بالإقرار أنه اشتراه بأقل فإن للمشتري الحق في إسقاط الزائد من أصل الثمن وما يقابله من الربح . وإذا زعم البائع أنه ذكر أقل من الثمن الذي اشترى به غلطا فإنه لا يكون له حق في الزيادة التي ادعاها المشتري فإذا بين للبائع وجها للغلط يحتمل وقوعه كأن قال : رجعت إلى الدفتر فوجدت ثمنه أكثر مما ذكرت أو نحو ذلك سمعت ببينته إن كانت له بينة فإذا صدقته البينة يكون له " البائع : الخيار ولا تثبت له الزيادة . أما إذا لم يبن وجها محتملا لغلطه فإن بينته لا تسمع مطلقا وقيل : لا تسمع بينته على أي حال سواء بين وجها محتملا أو لم يبين لتناقضه في قوله والمعتمد الأول . وللبائع أن يحلف المشتري بأنه لا يعرف أن الثمن زائدا عما ذكره البائع له أو لا فإن أقر المشتري فإن الحكم يكون كما إذا صدقه فيثبت للبائع الخيار لا الزيادة . وإن حلف بأنه لا يعرف مضي العقد على ما هو عليه فلا يكون لواحد منهما خيار وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على البائع فإن حلف كان للبائع الخيار في أخذ السلعة بالثمن الذي حلف عليه البائع وبين ردها )