المائعات من لبن وخل وماء وزيت وعصير وغير ذلك هي من الأصناف الربوية " التي يدخلها الربا " كما يدخل أصولها المستخرجة منها وفي جواز بيع بعض الجنس الواحد منها ببعضه أو بجنس آخر مغاير له وما يتعلق بذلك تفصيل في المذاهب .
( الشافعية - قالوا : تختلف أجناس المائعات باختلاف أصولها المستخرجة منها فكل مائع يستخرج من جنس يغاير الآخر يكون جنسا على حدة : .
الزيت المستخرج من السمسم مثلا جنس على حدة والزيت المستخرج من حب الخس جنس والزيت المستخرج من الزيتون جنس وهكذا فيصح بيع الجنس الواحد ببعضه مثلا بمثل يدا بيد وبالجنس الآخر المغاير له متفاضلا يدا بيد كما تقدم إلا زيت السمك وزيت القرطم وزيت بذر الكتان فإنها ليست من الأصناف التي يدخلها الربا فيصح بيعها ببعضها وبغيرها مطلقا ومثلها شجر الخروع وحبه أما زيته فإنه يدخله الربا وكذلك العود والمسك والورد وبذر الكتان وكسب القرطم - بضم الكاف - " والكسبة " فإنها لا يدخلها الربا فيجوز بيع بعضها ببعض مطلقا .
أما كسب الزيت المستخرج من السمسم أو الخس ونحوهما فإنه جنس مغاير لها فيصح بيع بعضه ببعض بخلاف الطحينة فإنها كالدقيق فلا يصح بيع بعضها ببعض لانتفاء المماثلة بين أجزائها وكذا لا يصح بيعها بالدراهم لجهالة المبيع بما اختلط به وإذا أضيف إلى نوع واحد من الزيت أنواع أخرى اختلفت من أجله كان أجناسا متعددة فإذا أضيف إلى دهن السمسم بنفسج أو ورد أو ياسمين . فإنه يصح أن يبيع كل واحد منها بالآخر مفاضلة .
ومثل الزيت الخل فإنه يختلف باختلاف ما استخرج منه فالخل المستخرج من العنب جنس والمستخرج من الزيت جنس آخر والمستخرج من التمر جنس والمستخرج من الزبيب جنس فإن لم يختلط بالخل ماء فإنه يصح بيع بعض الجنس الواحد منه ببعضه مثلا بمثل يدا بيد كما يصح أنيباع جنس آخر من نوعه مفاضلة بالشروط المتقدمة وإن اختلط به ماء فإنه لا يصح بيع بعضه ببعض ولكن يصح بيعه بجنس آخر لأنه إذا أضيف إليه ماء لا تعرف المماثلة سواء كان الماء عذبا أو غير عذب على المعتمد وكذلك العصير المستخرج من أصناف مختلفة فإنه يختلف باختلافها كعصير العنب والرطب والرمان وقصب السكر وغيرها فإنها أجناس مختلفة لها الحكم المتقدم . ولا يصح بيع عصير العنب بالعنب كما لا يصح بيع خل العنب بالعنب لأن القاعدة أنه لا يصح بيع شيء بما اتخذ منه أو بما فيه شيء منه أما خل العنب بعصير العنب فإن بيعهما ببعضهما يصح لأنهما جنسان مختلفان ولا يصح بيع عصير الرطب بالرطب إنما يصح بيع خله بعصيره . وقد يقال : إن العصير أصل للخل فكيف يصح بيعه به مع أن الشيء لا يباع بأصله ؟ ويجاب بأن الخل غير مشتمل على العصير فضلا عن التفاوت الكبير بينهما في الاسم والصفة . وأما بيع الزبيب بخل العنب أو عصير العنب فقيل : يصح وقيل : لا يصح .
وأما اللبن فإنه يتنوع إلى أنواع : حليب ومخيض " خض " ورائب وحامض . وهذه يصح بيع بعض كل واحد منها ببعضه كيلا بشرطين .
الأول : أن لا يخالطها ماء لما تقدم من أن وجود الماء يمنع المماثلة على أنه إذا خالط اللبن ماء فإن بيعه لا يصح مطلقا حتى بالنقود لما فيه من الإبهام والجهل بالمبيع .
الثاني : أن لا يغلي على النار فإذا غلا اللبن الحليب على النار فإنه لا يصح بيع بعضه ببعضه لأن الذي قد تذهبه النار من هذا أكثر من الذي تذهبه من الآخر بخلاف ما إذا سخن بالنار فقط فإن التسخين لا يضر .
أما باقي الأنواع التي تتخذ من اللبن كالجبن والأقط " اللبن الثخين الذي يوضع فيه ملح " ويصنع منه الكشك والزبد فإنه لا يصح بيع بعض الجنس الواحد منها ببعضه فلا يصح بيع بعض الجبن ببعضه ولا بعض الأقط بعضه ولا بيع الزبد ببعضه لأن الأقط به الملح فلا نعرف المماثلة والجبن تخالطه الأنفحة والملح أيضا . والزبد لا يخلو عن قليل مخيض فلا يصح بيعه ببعضه بل ولا بالنقد لما فيه من المخيض المانع من العلم بالمبيع . أما بيع كل منها بالجنس الآخر فإنه يجوز إلا إذا كان متخذا منه فلا يجوز بيع الجبن باللبن وكذلك الزبد والقط لأنها مأخوذة من اللبن وإنما يصح بيع كل واحد منها بالجنس الآخر ما لم يكن المخالط كثيرا يمنع معرفة المقصود وإلا فلا يصح .
ويصح بيع بعض السمن ببعضه وزنا إن كان جامدا وكيلا إن كان مائعا على المعتمد ولا يجوز بيع السمن بالزبد ولا بيعه باللبن لأنه متخذ منه وأما الماء العذب فإنه ربوي داخل في المطعوم فقال تعالى : { ومن لم يطعمه فإنه مني } فلا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلا يدا بيد : والعسل المستخرج من السكر جنس غير السكر والعسل المستخرج من النحل جنس آخر فيجوز بيع بعضه ببعض .
الحنابلة - قالوا : المائعات المستخرجة من أجناس مختلفة أجناس مختلفة مثل أصولها فزيت السمسم جنس وزيت الزيتون جنس وخل التمر جنس وخل العنب جنس وعسل النحل جنس وعسل السكر جنس فيصح بيع الجنس الواحد ببعضه مثلا بمثل يدا بيد ويصح بيعه بالأجناس الأخرى متفاضلا إلا أنه لا يصح بيع خل العنب بخل الزيت لا متفاضلا ولا متماثلا لأن خل الزبيب لا بد أن يخالطه ماء .
ويصح بيع الدبس ببعضه وهو ما يسيل من الرطب كالعسل فإنه يصح بيع بعضه ببعض يدا بيد إن كان من جنس واحد ومتفاضلا إن كان من جنسين إلا أنه لا يصح بيع العسل الذي فيه شمع ببعضه كما لا يصح بيعه بالعسل الخالي من الشمع .
ويصح بيع السمن ببعضه كذلك . ولا يصح بيع الزبد بالسمن كما لا يصح بيعهما باللبن لأنه أصل لهما . ولا يصح بيع الشيء بأصله ومثلهما الجبن والمخيض فإنه لا يصح بيعهما باللبن أما بيع كل جنس بالآخر فإنه يصح إذا لم يكن مستخرجا منه فيصح بيع الزبد بالمخيض " اللبن الخض " يدا بيد لاختلاف الجنس وليس المخيض أصلا للزبد .
ويصح بيع عصير الجنس الواحد ببعضه فيص بيع عصير العنب بعصير العنب ولو مطبوخين أما إذا كان أحدهما مطبوخا والآخر غير مطبوخ فإنه لا يصح .
ولا يضر ما اختلط به جنس من الأجناس إذا كان يسيرا كالملح في الخبز فإنه لا يمنع بيع بعضه ببعض والماء في خل التمر وخل الزبيب فإنه يسير لا يضر فيصح بيع كل جنس ببعضه لأن الماء الذي يضاف إليه غير مقصود بخلاف اللبن المشوب بالماء فإنه لا يصح بيعه بمثله .
الحنفية - قالوا : تختلف المائعات باختلاف أصولها المستخرجة منها . فالزيت المستخرج من السمسم جنس والمستخرج من الخس جنس والمستخرج من الزيتون جنس وهكذا . فيصح بيع بعض كل جنس ببعضه مماثلة وبالآخر مفاضلة بشرط التعين كما تقدم . وهل يصح بيع كل جنس بأصله الذي استخرج منه كبيع زيت السمسم بالسمسم ؟ . وبيع عصير العنب بالعنب ؟ وبيع اللبن بالسمن ؟ أو لا يصح . والجواب أن القدر الموجود الخالص إذا كان أكثر من القدر الموجود في الأصل فإن البيع يصح . أما إذا كان أقل أو مساويا أو لا يعلم حاله فإن البيع لا يصح فإذا باع مثلا عشرة أرطال من زيت السمسم بكيلتين منه فإن كانت العشرة أرطال أكثر من الزيت الموجود في الكيلتين فإنه يصح وإلا فلا . هذا إذا كان الثقل " التفل " له قيمة بعد عصره واستخراج زيته كثفل السمسم فإنه ينتفع به . أما إذا لم يكن له قيمة كبيع الزبدة بالسمن فإن البيع لا يصح لأن الزبدة بعد غليها وجعلها سمنا لاتبقى لها فضلة نافعة لها قيمة إلا إذا علم أن السمن الخالص من غير الثفل " المرجة " يساوي الذي باعه به .
ومثل ذلك ما إذا باع عشرة أرطال من اللبن برطلين من السمن فإنه يصح إذا كانت العشرة أرطال من اللبن تشتمل على أقل من رطلين من السمن . أما إذا كانت تشتمل على رطلين فأكثر فإنه لا يصح البيع وبديهي أن " ثفل " اللبن هو الزبدة وله قيمة .
والعلة في ذلك ظاهرة وهو أن الأصل فيه زيادة ينتفع بها وهي الثفل فينبغي أن يعمل حساب هذه الزيادة في مقابلها فإذا بيع السمسم بمقدار الزيت الذي فيه فقد ضاع ثفله أما إذا كان الثفل لا ينتفع به أصلا كثفل عصير العنب فإنه يصح بيعه بعصير العنب بدون أن يكون العصير زائدا على ما في العنب متى علم أن القدر الموجود في العنب يساوي العصير الذي اشتراه به . وإذا أضيف إلى نوع واحد من الزيت فإنه يختلف كما إذا أضيف إلى زيت السمسم دهن البنفسج أو الياسمين أو الورد أصبح كل واحد منهما جنسا على حدة كما تقدم في مبحث ما يعرف به اتحاد الجنس .
ومثل الزيت الخل فإنه أجناس مختلفة الأصول المستخرج منها فخل العنب جنس وخل الدقل بفتح الدال " التمر الرديء " جنس وخل الخمر جنس فيصح بيعها ببعضها مفاضلة كما يصح أن يباع بعض كل جنس منها ببعضه مماثلة أما بيع الخل بالعصير فإنه لا يصح مفاضلة وذلك لأن العصير يتخلل بعد مدة فكأنه باع الخل بمثله مفاضلة .
لا يصح بيع رطل زيت فيه رائحة عطرية برطل زيت خال منها لأنه في هذه الحالة يكون قد باع رطلا من الزيت بمثله مع زيادة الرائحة .
ويجوز بيع اللبن الحلية بمثله كما يجوز بيعه بالجبن مفاضلة لأنهما جنسان مختلفان أما بيع الحليب بالمخيض " الخض " فإنه إذا كان المخيض أكثر يصح وإلا فلا فيصح أن يبيع رطلين من اللبن الخض برطل من الحليب أما إذا كان العكس فإنه يجوز لأن الحليب مشتمل على زبدة فينبغي أن تراعى هذه الزيادة .
وإذا كان الماء في البئر أو في النهر فإنه لا يصح بيعه فما جرت به عادة بعض الناس من بيع ماء البئر بالخبز ونحوه فإنه لا يصح إلا إذا أجر الدلو أو الرشا " الحبل الذي يملأ به فإنه يصح في هذه الحالة وإذا أخذ الماء ووضعه في جرة أو نحوها كان أحق به فأصبح مالكا له فصح له أن يبيعه وسيأتي ما يتعلق بذلك موضحا في المساقاة .
المالكية - قالوا : يختلف الجنس باختلاف أصله فالزيت يكون أجناسا مختلفة باختلاف أصوله المستخرج منها فزيت القرطم والسمسم والسلجم والزيتون وزيت بذر الفجل والخس وبذر الكتان وغير ذلك كلها أجناس ربوية مختلفة لاختلاف الأجناس المستخرجة منها كما تقدم في مبحث ما يعرف به اتحاد الجنس وكذلك العسل فإنه يختلف باختلاف أصله .
فيصح بيع بعض الجنس الواحد ببعضه مماثلة يدا بيد كما يصح بيع الجنس بجنس آخر مفاضلة يدا بيد .
وأما الخل المتخذ من أصناف مختلفة فإنه كله جنس واحد كما تقدم فلا يصح بيع بعضه ببعض متفاضلا .
ومثل الخل الأنبذة والمراد بها ماء الزيت والعرقسوس والتمر والمشمش والقراصية ونبيذ التين وهكذا باقي أنواع " الشرابات " المختلفة المأخوذة من الأصناف التي يدخلها الربا فإنها كلها جنس واحد فلا يصح بيع بعضها ببعض مفاضلة وليس منها ماء الخروب لأن الخروب لا يدخله الربا .
والخل من التمر جنسان مختلفان فيصح بيعهما ببعضهما مفاضلة أما النبيذ فهو مع الخل جنس واحد على المعتمد فلا يصح بيعهما ببعضهما مفاضلة ويصح مماثلة وكذلك النبيذ مع التمر جنس واحد ولكن لا يصح بيعهما ببعضهما لا مفاضلة ولا مماثلة .
أما اللبن وما يتولد منه فإنه سبعة أنواع ؟ وهي الحليب والزبدة والسمن والمخيض " الخض " الأقط وهو لبن يحفف حتى يستحجر فيحفظ ليطبخ به عند الحاجة كالخضر المجففة والجبن والمضروب " الرائب " . فهذه الأنواع يجوز بيع بعض كل واحد منها بمثله فيجوز أن يبيع رطلا من الحليب برطلين من الحليب . ورطلا من الزبد برطلين من الزبد وهكذا . ولا يصح بيع الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط كما لا يصح بيع الزبد بالسمن أو الجبن أو الأقط ولا بيع السمن بالجبن ولا بالأقط .
وأما بيع المخيض أو المضروب بالأقط فقيل : لا يصح مطلقا لأنه من قبيل بيع الجاف باللبن وهو لا يجوز . وقيل : يصح والظاهر الأول . وكذلك اختلف في بيع الجبن بالأقط فقيل : بالجواز : وقيل بالمنع )