اللحم من الأصناف التي يدخلها الربا بدون خلاف ولكن في بيان أجناسه وفي بيع بعضها ببعض اختلاف المذاهب .
( المالكية - قالوا : اللحم أربعة أجناس : .
الأول : لحم ذوات الأربع وهو قسمان : مأكول وغير مأكول . فالمأكول كله جنس واحد سواء كان وحشيا كحمار الوحش وبقره وظبائه أو كان غير وحشي كالإبل والغنم والبقر .
الثاني : لحم الطير وهو جنس واحد جميعه سواء كان وحشيا كالرخم والعقبان والغراب أو غير وحشي كالحمام والدجاج والأوز ومنه النعام والبط ونحو ذلك .
الثالث : لحم دواب البحر " السمك " وكله جنس واحد أيضا على اختلاف أنواعه حتى ما كان منه على صورة دواب البر كالثعبان وفرس البحر الترسة .
الرابع : لحم الجراد وهو ربوي على الراجح فكل جنس من هذه الأجناس الأربعة لا يجوز بيع بعض الجنس الواحد منه ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد فلا يصح أن يبيع رطلا من الضأن برطلين من المعز ولا برطل ونصف من البقر مثلا ولا أن يبيع لحم حوت بلحم ترسة أو شلبة ولا لحم أوز بلحم حمام مع التفاضل وهكذا كما لا يصح أن يبيع رطلا رطبا برطل جاف . وأيضا لا يصح تأجيل القبض بل يجب أن يأخذ المشتري المبيع والبائع الثمن مناجزة أما بيع لجم جنس بجنس آخر فإنه يصح مفاضلة فيصح أن يشتري رطلا من لحم الضأن برطلين من لحم الحوت . كما يصح أن يشتري رطلين من لحم البقر برطل من لحم طير . وإنما يشترط في صحته المناجزة قليلا يصح تأجيل القبض كما يصح بيع الجنس الجاف بالجنس الآخر الطري . فيصح أن يبيع لحم البقر الطري بلحم السمك المجفف " البكلاه " لاختلاف الجنسين . وحاصل ذلك أن بيع لحم الجنس الواحد ببعضه لا يجوز إلا بشرطين : .
الأول : المماثلة في القدر فلا يصح الزيادة في أحد البدلين " المبيع والثمن " .
الثاني : المناجزة بأن يقبض كل من البائع والمشتري ماله .
أما بيع جنس بجنس آخر غيره فإنه يشترط فيه شرط واحد وهو المناجزة هذا وقد اختلف في الجراد فقال بعضهم : إنه ليس بطعام فلا يدخله الربا وقال بعضهم : إنه طعام وهو الراجح فيكون جنسا مغايرا للطير بيعه بغيره من الأجناس المذكورة . ولا يصح بيع بعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد .
وهل الطبخ بالخضر المختلفة كالبامية والملوخية والقرع ونحو ذلك يخرج اللحم عن جنسه أو لا ؟ وكذلك ما يحدث في اللحم من الصناعة التي تخالف الأخرى يجعله جنسا مغايرا للآخر أو لا ؟ خلاف .
وإذا بيع لحم فيه عظم بلحم خال من العظم فالمشهور أنه لا بد من تساويهما في الوزن بقطع النظر عن العظم . وقيل : يتحرى القدر الذي فيه من العظم ويحذف من الوزن .
هذا إذا كان العظم يؤكل " كالقرقوش " أما إذا كان لا يؤكل فإنه يصح بيع اللحم المشتمل عليه باللحم الخالي عنه مفاضلة .
أما بيع اللحم بحيوان حي فإنه كان من جنسه وكان مأكولا فإنه لا يصح كبيع لحم خروف بجدي من المعز وبيع لحم بقر بخروف وهكذا لأن اللحم قبل السلخ مجهول وبعده معلوم ولا يجوز بيع معلوم بمجهول من جنسه وأما بيعه بجنس آخر فإنه يجوز ولكن إذا كان المبيع الحيوان الحي مما تطول حياته وكان له منفعة كثيرة سوى اللحم يقتنى من أجلها فإنه يصح بيعه باللحم مناجزة ونسيئة وذلك كالإبل والبقر وإناث الضأن والمعز لأن لها منفعة سوى اللحم وتطول حياتها لأن الإبل تقتني لحم الأثقال والألبان والبقر يقتني للحرث والألبان وإناث الضأن والمعز تقتني للألبان والصوف في إناث الضأن . أما إذا كان الحيوان مما لا يطول أجله كبعض الطيور الدواجن أو كان لا منفعة له سوى اللحم كذكور المعز " الجديان " أو كان له منفعة سوى اللحم ولكن يسيرة لا كثيرة كذكور الضأن بالخروف المخصي فإنه لا ينتفع إلا بالصوف وهي منفعة يسيرة بالنسبة لما قبله فإنه لا يصح بيعه باللحم إلا مقايضة يدا بيد .
أما بيع اللحم الذي يؤكل بالحيوان الذي لا يؤكل فإنه جائز كبيع بقرة بحمار أو فرس . ويكره بيع لحم ما يؤكل بالحيوان الذي يكره أكله كبيع لحم طير بهر أو ذئب .
الحنفية - قالوا : لحم البقر والجاموس جنس واحد . وكذلك لحم الضأن والمعز فإنهما جنس واحد وما عدا ذلك فإنه يختلف باختلاف أصله فلحم الإبل جنس على حدة وإن اختلفت أنواعها كبخاتي وعربي ولحوم الطيور المختلفة أجناس مختلفة ولحوم الأسماك المختلفة كذلك فلا يصح بيع بعض الجنس الواحد ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد ومعنى كون بيعها يدا بيد أن يعين المبيع والثمن . أما التقابض في المجلس في بيع الطعام فليس بشرط كما بيناه لك فيما تقدم وإنما يحرم بيعها نسيئة بدون تعيين لوجود القدر فيها وهو أنها تباع وزنا وإن اختلف جنسها وقد علمت مما تقدم أن الأصناف التي يوجد فيها القدر فقط أو اتحاد الجنس فقط فإنه يباح فيها ربا الفضل ويحرم ربا النسيئة .
فيصح أن يبيع لحم بقر بلحم بقر مفاضلة كأن يبيع رطلا برطلين كما يصح أن يبيع لحم غنم بلحم بقر مفاضلة وكما يصح أن يبيع لحما بحيوان حي سواء كان من جنسه أو من غيره جنسه لأنه بيع ما هو موزون بما ليس بموزون وهو جائز كيفما كان . وإنما يشترط أن يكون البيع بالتفاضل في كل هذا يدا بيد ومعنى كونه يدا بيد أن يكون معينا .
أما لحم الطير فإن كان المتعارف فيه أنه يباع بالوزن فإنه يدخله الربا بحيث لا يباع الجنس الواحد منه ببعضه متفاضلا . أما إن كان يباع بدون وزن فإنه يصح أن يباع الجنس ببعضه متفاضلا كما يصح أن يباع بغيره فيصح بيع الدجاجة الواحدة باثنتين مذبوحة كانت أو غير مذبوحة نيئة أو مشوية . كما يصح بيع الدجاجة بحمامتين وهكذا .
أما السمك فإن كان يباع بالوزن فإنه لا يصح بيع الجنس الواحد ببعضه مفاضلة فلا يصح بيع حوث مثلا بمثل . أما بيعه بغير جنسه فإنه يصح مفاضلة كبيع " القرقور " بالشلبة مثلا فإن كان أهل جهته يبيعونه بغير الوزن فإنه يصح بيع الجنس الواحد منه مفاضلة .
الحنابلة - قالوا : لحم المعز والضأن جنس واحد ولحم البقر والجاموس جنس واحد . وما عدا ذلك أجناس مختلفة لاختلاف أصولها وأسمائها فلحم الإبل جنس وإن اختلفت أنواعه كإبل عراب وبخت ولحم البقر جنس ولحم الغنم جنس ولحم الدجاج جنس . ولحم الأوز جنس وهكذا .
ويحرم بيع بعض الجنس الواحد ببعضه متفاضلا . أما بغير جنسه فإنه يجوز . فيصح أن يبيع رطلا من لحم الغنم برطلين من لحم بقر كما يصح أن يبيع رطلا من لحم رأس الضأن برطلين من لحم رأس الجمل بشرط أن يكون يدا بيد .
والشحم والكبد والطحال والرؤوس والأكارع والقلب والكرش ونحوها أجناس مختلفة . فلا يصح بيع الجنس الواحد منها ببعضه مفاضلة ويصح بيعه بالجنس الآخر كذلك .
ويصح بيع اللحم بالحيوان الحي إذا كان من غير جنسه سواء كان مأكولا أو غير مأكول . كأن يشتري لحم عجل بخروفين أو يشتري لحم جمل بعجل وحمار مفاضلة ويحرم بيعه نسيئة عند جمهور الفقهاء .
الشافعية - قالوا : لحم البقر والجاموس جنس واحد ولحم المعز والضأن جنس آخر فلا يصح بيع بعض الجنسين المذكورين ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد كما تقدم .
أما بيع بعض الجنسين بصاحبه مفاضلة فإنه يصح وإنما تعتبر المماثلة في اللحم بحالة جفافه فإذا جف بأن صار قديدا فإنه يصح بيع بعضه ببعض بالتفصيل المذكور أما إذا كان رطبا فإنه يصح كما تقدم في الفاكهة .
ولا يصح بيع لحم بحيوان حي سواء كان من جنسه أو من غير جنسه مأكولا أو غير مأكول فلا يصح بيع لحم خروف بخروف حي كما لا يصح بيعه بسمك أو حمار ومثل اللحم الألية والشحم والكبد والطحال والكلية فلا يصح بيعها بالحيوان الحي وهي أجناس مختلفة ولو كانت من حيوان واحد فيصح أن يبيع لحم ألية " لية " مثلا بالشحم " الدهن " أو بالكبد أو الطحال أو الكلية متفاضلا بعد الجفاف ومثلها الأكارع والمخ والكرش والقلب والرأس والسنام ونحوها فإنها كلها أجناس مختلفة لها الحكم المتقدم .
أما حيوانات البحر : فما كان منها على هيئة السمك المعروف كالحوت واللبيس والمرجان والبلطي والبوري ونحو ذلك فقيل : كلها جنس واحد وقيل : أجناس مختلفة . وأما بقية دوابه فإنها أجناس مختلفة باتفاق . وكذلك الطيور والعصافير فإنها أجناس مختلفة على أن الجنس الواحد يختلف باختلاف كونه وحشيا أو أهليا فبقر الوحش جنس يغاير البقر الأهلي والمتولد من الجنسين جنس ثالث )