الحنابلة - قالوا : المعتبر فيما يباع بالوزن عرف مكة على عهد النبي A فما كانوا يبيعونه موزونا كان كذلك ولو غيره الناس بعد ذلك . والمعتبر فيما يباع بالكيل عرف أهل المدينة لما رواه عبد الملك بن عمير أن النبي A قال : " المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة " فيحرم أن يبيع ما كان يباع بالكيل في المدينة في ذلك العهد متفاضل الجنس في الكيل وكذلك ما كان يباع موزونا . وما لا يعرف يعتبر فيه عرف الموضع الذي يباع فيه وقد بين الحديث أن الذهب والفضة يباعان بالوزن والشعير والتمر يباعان بالكيل فقد قال A : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة وزنا بوزن والشعير بالشعير مدي بمدي والتمر بالتمر مدي بمدي فمن زاد أو ازداد فقد أربى " وبه يعلم بعض الأصناف التي تباع بالكيل أو الوزن .
فمن الأشياء التي تباع بالكيل : البر والشعير والدقيق وسائر الحبوب . والجص " الجبس " والنورة وكذلك التمر والرطب والبسر وباقي تمر النخل ومثله الزبيب والفستق والبندق واللوز والعناب والمشمش الجاف والزيتون والملح وكذلك المائعات من لبن وزيت وخل وسمن . وسائر الأدهان والعسل " وجعله بعضهم موزونا " . فهذه الأشياء كلها مما تباع بالكيل وإن تعارف الناس على بيعها بالوزن أو العد .
ومن الأشياء التي تباع بالوزن : الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزئبق والكتان والقطن والحرير والقز والوبر والصوف سواء كانت مغزولة أو غير مغزولة واللؤلؤ والزجاج والطين الأرمني الذي يؤكل دواء واللحم والشحم والشمع والزعفران والعصفر والروس والخبز إلا إذا تفتت وصار ناعما كالحب فإنه يباع مكيلا والجبن والعنب والزبد . وقال بعضهم : يباح في السمن أن يباع موزونا .
أما الأصناف التي لا تباع بالكيل ولا بالوزن فمنها الثياب والحيوان والجوز والبيض والرمان والقثاء والخيار وسائر الخضر والبقول والسفرجل والتفاح والكمثرى والخوخ وكل فاكهة رطبة .
الحنفية - قالوا : اختلف في معرفة المكيل والموزون فقال بعضهم : إن المعول في ذلك على العرف . فمتى تعارف الناس على بيع شيء بالكيل كان مكيلا ومتى تعارفوا على بيع شيء بالوزن كان موزونا . سواء نص الشارع على كونه مكيلا وموزونا أو لا لأن الشارع إنما نص على أصناف الطعام المذكورة في الحديث مكيلة لكون الذهب والفضة موزونا تبعا لعرف ذلك الزمان فلو غير الناس ذلك وباعوا الطعام موزونا والذهب والفضة معدودا اعتبر الشارع ذلك وعد الطعام موزونا والذهب معدودا . وبعضهم يقول : إن المعول عليه في معرفة المكيل والموزون هو نص الشارع فما نص على تحريم التفاضل فيه كيلا كان مكيلا دائما وإن باعه الناس بغير الكيل كالحنطة والشعير والتمر والملح . وكل شيء نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون كالذهب والفضة ومثل نص الرسول ما كان عليه المسلمون في عهده أما ما لا نص فيه ولم يعرف حاله على عهد الرسول فإنه يعتبر فيه عرف الناس . والمشهور من المذهب الثاني . ورجح بعضهم الأول وهو أقرب في ضبط الموضوع وأسهل في تطبيق الحكم .
فيقاس على البر والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل : كالذرة والدخن والبرسيم والحلبة وجميع أصناف الحبوب التي تعارف الناس بيعها بالكيل فإذا تعارفوا بيعها بالوزن تدخل في الموزون .
ويقاس على التمر جميع أنواع الفاكهة التي تباع بالوزن كالعنب والتفاح والتين والزبيب والكمثرى والجوز واللوز وهكذا من كل ما يباع بالوزن .
المالكية - قالوا : المماثلة في بيع بعض الجنس الذي يدخله الربا ببعضه لا تعتبر إلا بالكيفية الواردة في الشرع : وهي أن تباع الحبوب بالكيل وتباع النقود واللحم والسمن والعسل والزيوت بالوزن . فلا يجوز بيع قمح بقمح وزنا وإن تساويا كما لا يجوز بيع ذهب بذهب أو سمن بسمن أو عسل بعسل كيلا . ولا يشترط في آلة الكيل وآلة الوزن أن تكون مماثلة لما يكال به أو يوزن في الشرع من المد والصاع والوسق . بل يكفي ما اعتاد الناس الكيل والوزن به وإن خالف ما ورد بالشرع بزيادة أو نقص .
فإن لم يرد في الشرع ما يدل على أن هذا يباع بالكيل وذاك يباع بالوزن كما في البصل والثوم والملح والتوابل فتعتبر المماثلة فيه بحسب عادة الناس في معرفة قدره سواء كان بالكيل أو الوزن .
فإذا كانت العادة أن يبيع الناس شيئا بالوزن أو الكيل وأراد أحد أن يبيعه بجنسه ولكن تعذر وزنه أو كيله كأن كان في سفر ولم يجد ميزانا ولا كيلة فإنه يصح أن يتحرى في معرفة القدر إن كان يمكنه التحري )