في مدة الخيار الشرط اختلاف المذاهب .
( الحنفية - قالوا : ينقسم خيار الشرط بالنسبة للمدة إلى ثلاثة أقسام : .
الأول فاسد باتفاق وهو نوعان : النوع الأول أن يذكر مدة مجهولة كأن يقول اشتريت على أني بالخيار أياما أو أبدا . النوع الثاني أن يطلق الخيار بأن لم يقيده بمدة أصلا كأن يقول : اشتريت على أني بالخيار ولم يذكر مدة ما على ان إطلاق الخيار مفسده إذا كان مقارنا للعقد كما في المثال أما إذا لم يكن مقارنا بأن باع له سلعة بدون خيار ثم لقيه بعد مدة وقال له : أنت بالخيار ولم يعين زمنا فله الخيار ما دام في المجلس الذي خيره فيه ومن هذا تلعم أنه لا يشترط عندهم اتصال شرط الخيار بالعقد بل ينفع بعده ولو بمدة طويلة أما قبله كأن يقول البائع : جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى منه بعد ذلك بدون خيار اكتفاء بالشرط الأول فإنه لا يثبت له شرط الخيار .
الثاني : جائز باتفاق وهو أن يذكر مدة ثلاثة ايام فما دونها .
الثالث : مختلف فيه وهو أن يقول : على أنني بالخيار شهرا أو شهرين فأبو حنيفة يقول : إنه شرط فاسد وأبو يوسف ومحمد يقولان إنه جائز .
فإذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فإنه يصح عندهما إذا عين مدة معلومة ولا يصح عند أبي حنيفة ويصير العقد فاسدا أو موقوفا فلكل من البائع والمشتري أن يفسخه غلا إذا أجاز العقد من له الخيار أثناء الأيام الثلاثة ولو في الليلة الرابعة فإنه في هذه الحالة ينقلب صحيحا .
ومثل خيار الشرط في هذا خيار النقد وهو أن يشتري سلعة على أن يردها إن لم يدفع ثمنها إلى ثلاثة أيام فإن هذا الشرط صحيح فإن لم يدفع ثمنها فسد البيع . وعليه رد السلعة إن بقيت على حالها أما إذا تصرف فيها كأن باعها ولم يدفع ثمنها في الموعد فإن البيع الأول ينفذ وعليه الثمن وإذا نقصت قيمة السلعة عنده كان بائعها مخيرا بين أخذها من النقصان ولا شيء له من الثمن وبين أخذ الثمن . أما إذا اشترى السلعة على أنه لم يدفع ثمنها إلى أربعة أيام ينحل البيع فإنه لا يصح عند أبي حنيفة ويقع العقد فاسدا أو موقوفا لكل منهما حق فسخه إلا إذا دفع الثمن أثناء الأيام الثلاثة فإن العقد ينقلب صحيحا . وللبائع خيار النقد كالمشتري فإذا باع سلعة وقبض ثمنها على أنه إن رده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما صح الشرط أما إلى أربعة أيام فلا كما ذكر أولا .
المالكية - قالوا : تنقسم مدة خيار الشرط بالنسبة للمبيع إلى أربعة أقسام : .
الأول : الخيار في بيع العقار وهي الأرض وما يتصل بها من بناء أو شجر والخيار في هذا يمتد إلى ستة وثلاثين يوما . أو ثمانية وثلاثين يوما على الأكثر فإن زاد على ذلك فسد العقد ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخيار لاختيار حال المبيع أو للتروي في الثمن . وذلك هو رأي جمهور أهل المذاهب خلافا لمن قال : إن الخيار إذا كان للتروي فهو ثلاثة أيام .
الثاني : الخيار في عروض التجارة كالثياب ونحوها . والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة فإذا زاد عليها فسد العقد .
الثالث : الدواب وفيها تفصيل : لأنها إما أن تكون من الدواب التي ليس من شأنها أن تركب كالبقر والغنم والطيور والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة كالخيار في عروض التجارة أما الدواب التي من شأنها أن تركب فإن كان الخيار فيها لمعرفة رخصها وغلائها وسمنها مع معرفة ركوبها أيضا ونحو ذلك فهو من ثلاثة أيام إلى خمسة أيضا وإن كان الخيار فيها لمعرفة حال ركوبها فلا يخلو : إما أن يكون ذلك في البلد أو خارج البلد فإن كان في البلد فالخيار فيها يومان لا أكير .
وإن كان خارج البلد فالخيار فيها مسافة بريدين لا أكثر وبعضهم يقول : إن الخيار في الدواب ثلاثة أيام وما يقرب من الثلاثة مطلقا سواء كان الخيار للركوب أو لغيره . أما اليوم والبريد فهو مخصوص بالركوب .
الرابع : الخيار في الرقيق وهو من ثمانية أيام إلى عشرة .
وكما يفسد البيع بشرط الخيار أكثر من المدة المقررة في كل ما ذكر . فإنه يفسد أيضا بشرط مدة مجهولة كما إذا قال : أبيعك على أن لي الخيار إلى أن تمطر السماء أو إلى أن يقدم زيد المسافر ولم يعلم أمد قدومه .
ويصح شرط الخيار بعد تمام عقد البيع " بتة " كما يصح ابتداء قبل البت فإذا باع شخص لآخر سلعة وبعد تمام البيع جعل البائع الخيار للمشتري في هذا البيع أو جعل المشتري الخيار للبائع كأن قال له : أنت بالخيار في إمضاء هذا البيع ورده فإن ذلك يصح ويكون بيعا جديدا مستأنفا فكأن البائع قال للمشتري : بعتك هذه السلعة على أن يكون الخيار لك إذا كان الخيار من قبل البائع وكأن المشتري قال للبائع : اشتر مني هذه السلعة على أنك بالخيار إذا كان الخيار من قبل المشتري ولكن يشترط في صحة بيع الخيار بعت بت العقد أن يكون المشتري قد دفع الثمن للبائع على المعتمد أما إذا لم يكن قد دفع له الثمن فإنه لا يصح لأن الثمن يكون حينئذ دينا في ذمة المشتري فأخذ في نظيره سلعة بخيار وهذه السلعة يحتمل ردها إذا فسخ العقد فيكون البائع حينئذ قد فسخ ما وجب له في نظير مؤخر غير ثابت وهو غير جائز ويكون ضمان المبيع في حالة الخيار بعد تمام العقد على المشتري لأنه بيع جديد كما علمت فمال يوجد في المبيع يكون المشتري مسؤولا عنه سواء جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس .
الشافعية - قالوا : مدة الخيار ثلاثة أيام فأقل بشرط أن تكون متصلة بشرط الخيار وأن تكون متوالية فإذا اشترط مدة مجهولة كأن قال : لي الخيار أياما أو أبدا بطل العقد وكذا إذا لم تتصل المدة بالشرط كأن قال : بعتك الآن على أن يكون لي الخيار من الغد مثلا بطل العقد وكذلك إذا اتصل يوم من الثلاثة بالعقد كيوم الخميس مثلا ثم اشترط اليومان من يوم السبت فإن العقد يبطل ولا تدخل الليالي في الأيام فإذا قال : لي الخيار ثلاثة أيام تنتهي المدة في نهاية اليوم الثالث ولا تدخل ليلته وإنما احتسبت ليلتا اليوم الأول والثاني لضرورة الحساب إذ لا يمكن الوصول إلى اليوم الثاني إلا بعد أن تمضي ليلة اليوم الأول فلو اشترط دخول الليلة الثالثة في الحساب بطل العقد .
الحنابلة - قالوا : يشترط في مدة الخيار أن تكون معلومة ولا حد لها فلهما أن يشترطاه شهرا وسنة وغير ذلك إنما الذي لا يصح هو أن يشترطاه مدة مجهولة كبعتك بالخيار متى شئت أو شاء فلان أو نزل المطر أو هبت الريح : أو قال أحدهما : لي الخيار ولم يذكر مدة أو شرطاه إلى الحصاد ونحو ذلك وفي هذه الحالة يلغو الشرط ويصح البيع مع فساد الشرط وإن شرطاه مدة غير متوالية كأن شرطاه عشرة أيام على أن يثبت يوما ولا يثبت يوما صح في اليوم الأول فقط وابتداء المدة في شرط الخيار من حيث العقد فإن شرطاه على أن يكون من حين التفرق لم يصح الشرط لجهالته لأن وقت تفرقهما مجهول )