هو عبارة عن كون العاقد يبيع السلعة أو يشتريها بشرط أن يكون له الخيار في إمضاء العقد أو فسخه . فمعنى قولهم خيار الشرط : الخيار الثابت بالشرط فيصح للمتبايعين أن يشترطا الخيار كما يصح لأحدهم . وكذلك يصح أن يشترطاه لأجنبي عنهما كأن يقول : اشتريت منك هذه السلعة على أن يكون الخيار لفلان وفي ذلك تفصيل المذاهب .
( الشافعية - قالوا : خيار الشرط إما أن يكون للمتبايعين أو يكون لواحد منهما أو يكون لأجنبي عنهما فأما الأول فهو أن يتلفظ به كأن يقول المبتدي منهما : بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام فيقول الثاني : اشتريت بذلك بشرط الخيار لك ثلاثة أيام فالشرط وقع في هذه الحالة من المتبايعين وأما الثاني فهو أن يتلفظ المبتدي منهما بالشرط كأن يقول : بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام فيقول الآخر : اشتريت على ذلك ولم يتلفظ بشرط الخيار ولكن لا بد من أن يوافق عليه ولو بالسكوت ويشترط في ذلك أن يكون المبتدي بالإيجاب أو القبول هو الذي يتلفظ بالشرط كأن يقول له بعتك كذا بشرط الخيار أو يقول المشتري : بعني كذا بشرط الخيار . أما إذا تلفظ به الثاني كما إذا قال البائع : بعتك كذا فقال : قبلت بشرط أن يكون لي الخيار فإن العقد يبطل لعدم موافقة القبول للإيجاب . فإن الإيجاب في هذه الحالة مطلق والقبول مقيد بالإيجاب .
وأما الثالث فهو أن يشترطاه أو يشترطه أحدهما لأجنبي عنهما بشرط أن يكون مكلفا كأن يقول : بعت هذه السلعة بكذا بشرط أن يكون الخيار لوالدي مثلا على أنه لا بد من تعيين المشروط له في الصور الثلاث فلو قال : على أن يكون الخيار لأحدنا مثلا فسد العقد لأنه لم يعين .
ومن شرط له الخيار كان له حق فسخ العقد وإمضائه سواء كان البائع أو المشتري أو هما معا أو الأجنبي فلا يصح أن يشترط الخيار له ثم يفسخ العقد غيره على المعتمد .
وإذا شرط الخيار لأجنبي عنه سقط خياره هو إلا أن يموت ذلك الأجنبي في زمن الخيار .
وإذا وكل أحد المتعاقدين شخصا عنه فليس للوكيل أن يشترط الخيار للطرف الآخر إلا بأذن موكله فإن شرط ذلك بغير إذن موكله بطل العقد أما بإذن موكله فله أن يشترط لموكله ولنفسه .
المالكية - قالوا : يصح الخيار بالشرط للبائع وللمشتري وللأجنبي عنهما فإذا شرط الخيار لأجنبي كان هو صاحب القول في فسخ العقد وإمضائه ولا كلام لمن شرط له الخيار ومثل الخيار الرضا فمن اشترى سلعة أو باعها لفلان على أن يكون الخيار لغيره في فسخ العقد وإمضائه لزمه ذلك ولا كلام له في الخيار وكذا إذا علق البيع على رضاء الغير كأن قال : بعته لك أو اشتريته منك بكذا إن رضي فلان فإنه يصبح الكلام في الرضا لفلان دون العاقد وهذا هو المعتمد . أما إذا علقه على مشورة فلان كأن يقول : بعت كذا أو اشتريته على مشورة فلان فإن الخيار في هذه الحالة يكون للعاقد فله أن يستبد بإمضاء العقد أو فسخه بدون رأي من علق المشورة عليه والفرق بين الصيغتين : أن من شرط لغير الاختيار أو الرضا فقد تنازل عن اختيار نفسه ورضاه أما من علق المشورة فإنه جعل لنفسه حق التكلم مع الاعتضاد برأي غيره فله أن يستقل بالرأي .
وإذا وكل العاقد غيره فاشترى له سلعة بشرط الخيار كان شريكا له في الخيار . وينفذ تصرف السابق منهما إلا إذا قبض الثاني ويشترط لصحة الخيار أن لا يقبض البائع الثمن على المعتمد كما سيأتي .
الحنفية - قالوا : يصح خيار الشرط للمتبايعين ولأحدهما وللأجنبي عنهما .
فإذا شرط أحد المتعاقدين - البائع والمشتري - الخيار لأجنبي لم يسقط خياره هو بل يكون شريكا للأجنبي في الخيار فإذا أجاز الأجنبي العقد أو نقضه ووافقه العاقد الذي أنابه صح ذلك بلا نزاع أما إذا لم يوافقه كأن أجاز النائب وفسخ الأصيل فإنه يعمل برأي الذي سبق أولا وإن كان الفسخ أقوى من اجازة في ذاته لأن تصرفه وقع بدون أن يزاحمه أحد أما إذا تكلما معا ولم يعلم أيهما أسبق بالكلام فالفسخ مقدم على الإمضاء في هذه الحالة على الصحيح .
ويصح شرط الخيار من الوكيل فإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة بدون أن يأمره باشتراط الخيار فاشتراها بشرط الخيار لموكله أو له هو أو لأجنبي منهما صح الشرط أما إذا أمره بأن يشتري له بشرط الخيار للآمر فشرطه لنفسه فلا يصح الشرط . وإذا اشتراه في هذه الحالة بدون خيار أصلا نفذ البيع على الوكيل لا على الآمر وإذا أمره أن يبيع بخيار فباع بدونه فإن البيع يبطل رأسا في هذه الحالة .
ويصح شرط الخيار عند الحنفية في كل عقد لازم يحتمل الفسخ سواء كان لازما من جانب واحد أو من الجانبين . فخرج بقوله لازم الوصية فإنها عقد غير لازم لأن للموصي الرجوع فيها ما دام حيا وللموصى له القبول وعدمه فلا معنى للخيار فيها . ومثل الوصية العارية والوديعة . وخرج بقوله يحتمل الفسخ العقود اللازمة التي لا تحتمل الفسخ . كالنكاح والطلاق والخلع بلا مال وقد يقال إن النكاح أيضا يحتمل الفسخ لأنه يفسخ بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق والردة والجواب أن فسخه بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق إنما هو قبل تمام العقد . أما بعد تمام العقد فإن النكاح لازم لا يحتمل الفسخ . وأما فسخه بالردة فهو وإن كان بعد التمام ولكنه لم يكن برضا العاقدين والكلام فيما يحتمل الفسخ برضاهما لا فيما يثبت تبعا ويمكن حصر العقود التي يصح فيها خيار الشرط في ستة عشر : .
الأول الإجارة فإنه عقد لازم يحتمل الفسخ . الثاني المزارعة . الثالث المساقاة لأنهما إجارة . الرابع القسمة لأنها بيع من وجه كما ستعرفه في بابها إن شاء الله . الخامس الصلح عن مال . السادس الخلع على مال إذا شرطت الخيار الزوجة لأن الخلع في هذه الحالة عقد لازم من جانب الزوج لا من جانبها هي فإن العوض من جانب الزوج اليمين وهو لا حتمل الفسخ أما العوض من جانب الزوجة فهو المال وهو يحتمل الفسخ فصح اشتراط الخيار لها السابع الرهن إذا شرطه الراهن لأنه وإن كان عقدا لازما يحتمل الفسخ ولكنه لازم من جانب الراهن أما المرتهن فليس بلازم من جانبه أصلا لأن له أن يسترد المرهون متى شاء فلا معنى لاشتراط الخيار من جانبه . الثامن الكفالة بنفس أو مال ويصح الخيار فيها للمكفول له وللكفيل . التاسع الحوالة ويصح للمحتال أو المحال عليه لأن الحوالة تتوقف على رضاء المحال عليه فله شرط الخيار ويصح شرط الخيار في الكفالة والحوالة أكثر من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة لأنه قد استثناهما من المدة المقررة عنده . العاشر الإبراء من الدين فلو قال : أبرأتك على أني بالخيار صح ونقل بعضهم أن شرط الخيار في الإبراء باطل الحادي عشر الشفعة الثاني عشر الوقف عن .
أبي يوسف أما عند أبي حنيفة فإنه غير لازم فلا معنى لاشتراط الخيار فيه وعند محمد فهو وإن كان يقول بلزومه لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط وسيأتي بيان ذلك في بابه الثالث عشر الكتابة على مال الرابع عشر العتق على مال الخامس عشر الإقالة السادس عشر البيع .
وأما العقود التي لا يصح فيها خيار الشرط فهي عشرة وهي : .
- 1 - النكاح . 2 - الطلاق على مال ومثله بلا مال أيضا . 3 - اليمين . 4 - النذر . 5 - الصرف . 6 - السلم . 7 - الإقرار فإذا أقر بشيء لا يقبل الخيار على أنه كان له الخيار فيه فإنه يلزم بإقراره بدون خيار سواء صدقه المقرر له في الخيار أو لا أما إذا أقر بشيء يقبل شرط الخيار كما إذا أقر بعقد بيع وقع له الخيار فإنه يصح باعتبار العقد لا باعتبار الإقرار لأن الإقرار في ذاته لا يقبل الخيار وإنما يصح إذا صدقه الطرف الثاني أو برهن على قوله . 8 - الوكالة . 9 - الوصية . 10 - الهبة بلا عوض .
الحنابلة - قالوا : يثبت خيار الشرط في صلب العقد قبل أن يصبح لازما كأن يتفرقا من المجلس بعد تمام العقد بدون شرط فإذا أصبح العقد لازما سقط خيار الشرط .
ويصح شرط الخيار للمتبايعين أو لأحدهما أو لأجنبي عنهما فيصح أن يشترط أحد العاقدين الخيار لنفسه أو لغيره بشرط أن لا يخرج نفسه فلو قال : جعلت الخيار لزيد دوني لم يصح الشرط لأن الخيار شرع لمنفعة العاقدين ولاحظ للأجنبي فيه فلا يصح أن ينفرد بالشرط فإن قال : جعلت الخيار لزيد ولم يقل دوني فإنه يصح وكذا إذا شرطه لنفسه ولزيد كأن قال : اشتريت أو بعت على أن يكون الخيار لي ولزيد فإنه يصح : ويكون اشتراطا لنفسه أصالة وتوكيلا لزيد فيه فيكون لكل واحد من الأصيل أو الوكيل فسخ العقد وإمضاءه .
وإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة فاشتراها بشرط الخيار ثبت الخيار للموكل فإذا شرط الوكيل الخيار لنفسه ثبت له ولموكله وإذا شرطه لنفسه دون موكله لم يصح الشرط وكذا لو شرطه لأجنبي فإنه لا يصح لأن الوكيل ليس له أن يوكل في مثل ذلك )