وأما العاقد سواء كان بائعا أو مشتريا فإنه يشترط له شروط : منها أن يكون مميزا فلا ينعقد بيع الصبي ( الحنابلة - قالوا : يصح بيع الصبي وشراؤه للشيء اليسير ولو كان دون التمييز ولو لم يأذنه وليه لما روي أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفورا فأرسله وكذلك السفيه فإنه يصح تصرفه بدون إذن وصيه في اليسير كباقة بقل وكبريت ونحو ذلك أما الشيء الكثير فإنه لا يصح تصرف الصبي غير المميز ولو بإذن وليه أما الصبي المميز والسفيه فإنه ي صح تصرفهما بالبيع والشراء بإذن الولي . ولكن يحرم على الولي أن يأذنهما لغير مصلحة ) الذي لا يميز وكذلك المجنون أما الصبي ( الشافعية - قالوا : لا ينعقد بيع أربعة وهم : الصبي سواء كان مميزا أو غير مميز والمجنون والعبد ولو مكلفا والأعمى فإذا باع أحد لواحد من هؤلاء وقع البيع باطلا وعليه أن يرد لهم ما أخذه من ثمن وهو مضمون لهم عنده . أما ما أخذوه هم فإنهم إذا أضاعوه فإنه لا يسألون عنه ولكن قد ضاع على صاحبه .
ولا ينعقد بيع الصبي ولو أذن له الولي . أما العبد فإن أذن له سيده فإن بيعه يصح وكذا شراؤه وإذا كان مكلفا عاقلا ) المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلا إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه . ولا يكفي الإذن العام فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذنه وليه في شرائها انعقد البيع لازما وليس للولي رده . أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد ولكن لا يلزم إلا إذا أجازه الولي أما أجازه الصبي بعد البلوغ . ومنها أن يكون رشيدا . وهذا شرط لنفاذ البيع فلا ينعقد بيع الصبي مميزا كان أو غيره ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلا إذا أجاز الولي بيع المميز منهم أما بيع غير المميز فإنه يقع باطلا ولا فرق في المميز بين أن يكون أعمى أو مبصرا .
ومنها أن يكون العاقد مختارا فلا ينعقد بيع المكره ولا شراؤه لقوله تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } . وقوله A : " إنما البيع عن تراض " رواه ابن حبان وفي ذلك تفصيل المذاهب .
( الحنابلة - قالوا : يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهرا أو باطنا فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فورا من ظالم يريد اغتصابه أو اتقاء شرجار حتى إذا ما أمن ذلك رد إليه ما باعه ورد هو ما أخذ من ثمن فإن هذا البيع يقع باطلا ولا ينعقد لأنهما وإن تعاقدا باختيارهما ظاهرا ولكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع ويسمى هذا بيع التلجئة والأمان . ولا يشترط أن يقولا في العقد : إن هذا بيع تلجئة فإذا سلمه العين على أن ينتفع بها من سكنى وإجارة وركوب وحلب في نظير ما أخذه من الثمن كان ذلك ربا لأنه يكون عبارة عن إعطاء دراهم إلى أجل في نظير منفعة وهي الريح فهو في المعنى فرض بعوض وعلى هذا يكون باطلا من جميع الوجوه .
ومثل بيع التلجئة بيع الهازل فإنه لم يرد حقيقته فهو غير مختار في المعنى . وتقبل دعوى بيع التلجئة والهزل بالقرينة الدالة عليهما مع اليمين لاحتمال كذبه فإن لم توجد قرينة لم تقبل دعواه إلا ببينة .
أما إذا باع شيئا فرارا من ظالم ونحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أن هذا بيع تلجئة وأمانة فإن البيع يقع صحيحا لأنه صدر من غير إكراه في هذه الحالة . وكذا لو أكره على أن يستحضر مالا فباع ملكه في ذلك صح البيع لأنه لم يكره على البيع وإنما أكره على سبب البيع إنما يكره الشراء منه لأنه بيع بدون ثمن مثله .
ومن استولى على ملك رجل بلا حق فطلبه فجحده وقال : إنه لا يعترف له به إلا إذا باعه فاضطر لبيعه وقع البيع باطلا لأنه مكره في هذه الحالة .
وليس من الإكراه أن يلزمه الحاكم بالبيع وفاء لدين ونحوه لأن هذا إكراه بحق والذي يبطل البيع هو الإكراه بالباطل .
الحنفية - قالوا : إن كل عقد يكره عليه الشخص ينعقد لأن القاعدة عندهم في المكره : أن كل ما يكره على النطق به ينعقد ولكن أقواله التي يكره عليه منها ما يحتمل فسخ ومنها ما لا يحتمل . فالذي يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة والذي لا يحتمل الفسخ كالطلاق والعتاق والنكاح والنذر . فإذا أكرهه ظالم على بيع ملكه فإن البيع ينعقد فاسدا ويملكه المشتري ملكا فاسدا وللمكره أن يجيز البيع بعد زوال إكراهه وله أن يسترد العين حيث وجدها أما إذا أكرهه على طلاق ونكاح ونذر ونحوها ثم تصرف فيما يترتب على ذلك كأن تزوج مطلقة فليس له أن ينقض تصرفه .
وإذا أكرهه القاضي على بيع ماله لوفاء دينه بغبن فاحش كان البيع فاسدا .
ويشترط لتحقيق الإكراه في البيع أن يكون مكرها على البيع وعلى تسليم العين وعلى قبض الثمن فإن أكره على البيع فقط ثم سلم العين باختياره فإنه لا يكون مكرها لأن تسليم العين بالاختيار إجازة للبيع . وكذا إذا قبض الثمن باختياره فإنه لا يكون مكرها وكذلك إذا اضطره إلى أمر يكون سببا في إكراهه على البيع كأن يلزمه بمال لا يقدر عليه فاضطر إلى بيع ملكه ليعطيه ذلك المال فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرها على البيع فيقع العقد نافذا وإذا استرد العين التي أكره على بيعها فإن عليه رد الثمن إن كان باقيا في يده لأن العقد فاسد أما إن هلك الثمن فلا يؤخذ منه شيء .
ومثل عقد المكره في الفساد عقد الهازل وعقد التلجئة . فالهازل وإن كان يتكلم بصيغة العقد باختياره ولكنه لا يرضى ثبوت الحكم ولا يستحسنه ولا يلزم من الاختيار الرضا فإن الاختيار وهو قصد الشيء وإرادته وأما الرضا فهو استحسانه . فالهازل مكره في الحقيقة لأن المكره على شيء يختاره ولكنه لا يرضاه . وأما عقد التلجئة فهو أن يأتي أمرا باطنه خلاف ظاهره وصورته أن يقول البائع : ألجئ إليك داري مثلا لأتمكن بجاهك من صيانتها ومعناه : ألتجئ إليك فرارا من ظلم فإذا اتفقا على ذلك ثم تبايعا على ذلك الاتفاق فإن البيع فاسد .
المالكية - قالوا : الإكراه الذي يمنع نفاذ البيع هو الإكراه بغير حق وهو ينقسم إلى قسمين الأول : إكراه على نفس البيع .
وذلك كأن يكرهه ظالم على بيع كل ملكه أو بعضه . والثاني إكراه على شيء يجبره على البيع كأن يكرهه ذلك الظالم على أن يعطيه مالا غير قادر عليه فيضطر لبيع ملكه ليحصل له ذلك المال فهو لم يكرهه على نفس البيع وإنما أكرهه على سبب البيع وحكم الأول أنه بيع غير لازم فللبائع أن يرد ما باعه متى أمكنه وعليه أن يرد الثمن الذي أخذه ما لم يكن قد تلف منه بدون أن يفرط في حفظه فإذا أقام البينة على أنه تلف منه على هذا الوجه فإنه لا يلزم برده بل يسترد سلعته بدون أن يرد ثمنها .
وأما الإكراه على سبب البيع ففيه خلاف : فبعضهم يقول : إنه بيع غير لازم أيضا وبعضهم يقول : إنه بيع لازم . والأول هو المشهور في المذهب ولكن الثاني هو الذي عليه العمل وذلك لأن فيه مصلحة البائع إذ لو فرض أن ظالما طلب من شخص مالا لم يكن قادرا عليه فسجنه لذلك وعنده عين إذا باعها يحصل على ذلك المال ويخلص من عذاب السجن فإذا قلنا إن بيعها غير لازم لم يقدم أحد على شرائها وفي ذلك ضرر بالمسجون فلذا أفتى كثير من أئمة المالكية بلزوم البيع للمصلحة . وعلى القول بعدم لزومه فإذا استرده البائع فعليه أن يرد ما أخذه من الثمن على المعتمد .
أما الإكراه بحق فإنه لا يمنع نفاذ البيع . بل قد يكون واجبا وذلك كما إذا أجبر السلطان عاملا من عماله على بيع ما في يده ليعطي للناس ما أخذه من أموالهم ظلما فإن هذا الإكراه مطلوب إلا إذا كان ذلك العامل قد اغتصب منهم عينا باقية في يده فإنه يردها لهم بدون أن يجبر على بيع ما عنده . وكذلك إذا حكم القاضي ببيع ملك المدين لإيفاء الغرماء حقوقهم فإنه إكراه بحق لا يمنع نفاذ البيع .
الشافعية - قالوا : بيع المره لا ينعقد رأسا إلا إذا قصد إيقاع العقد ونواه حال الإكراه فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرها وينقسم الإكراه إلى قسمين : إكراه بغير حق وهو الذي لا ينعقد معه البيع سواء أكرهه على التسليم وقبض الثمن أو لم يكرهه لأنه إذا سلم باختياره أو قبض الثمن باختياره مع بطلان صيغة العقد فإنه لا يعتبر هذا بيعا إذ لا ينعقد البيع إلا بصيغة صحيحة . وإذا أكرهه على أمر يضطره إلى البيع كما إذا طلب منه ظالم مالا غير موجود معه فجبره ذلك على بيع ملكه فإن البيع في هذه الحالة صحيح على الصحيح لأنه لم يكره على البيع وإنما أكره على سببه .
وعلى المكره أن يرد ما أخذه من ثمن إلا إذا هلك في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه . أما الإكراه بحق فهو كأن يكرهه الحاكم أو من له شوكة على بيع ملكه وفاء لدين عليه وهذا الإكراه لا يضر العقد فيقع معه صحيحا نافذا . وبيع الهازل فيه وجهان : أصحهما انعقاد البيع نظرا للفظ )