الصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضاء الجانبين البائع والمشتري وهي أمران ( الشافعية - قالوا : لا ينعقد البيع إلا بالصيغة الكلامية أو ما يقوم مقامها من الكتاب والرسول وإشارة الأخرس المعلومة أما المعاطاة فإن البيع لا ينعقد بها وقد مال صاحب الإحياء إلى جواز البيع في الأشياء اليسيرة بالمعاطاة لأن الإيجاب والقبول يشق في مثلها عادة ) : .
الأول : القول وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب فإذا كتب لغائب يقول له : قد بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولا فقبل البيع في المجلس فإنه يصح ولا يغتفر له الفصل إلا بما يغتفر في القول حال حضور المبيع .
الثاني المعاطاة : وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام كأن يشتري شيئا ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض ولا فرق بين أن يكون المبيع يسيرا كالخبز والبيض ونحوهما مما جرت العادة بشرائه متفرقا أو كثيرا كالثياب القيمة .
وأما القول فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك كبعت واشتريت ويسمى ما يقع من البائع إيجابا ( الحنفية - قالوا : الإيجاب هو ما صدر أولا من أحد المتعاقدين سواء كان بائعا كأن يقول : بعتك كذا أو مشتريا كأن يقول : اشتريت منك كذا بألف فيقول : بعتك إياه والقول هو ما صدر ثانيا ) وما يعق من المشتري قبولا وقد يتقدم القبول على الإيجاب كما إذا قال المشتري : بعني هذه السلعة بكذا . وفي بيان الإيجاب والقبول تفصيل المذاهب .
( الحنفية - قالوا : ينعقد البيع والشراء بكل لفظين يدلان على معنى التمليك والتملك كبعت واشتريت وأعطيت وبذلت وأخذت ورضيت لك هذا الشيء بكذا وأجزت ونحو ذلك وينعقد بلفظ السلم والهبة والعوض كما إذا قال : أسلمت لك هذا بكذا ووهبته منك بكذا أو قال : عوضت فرسي بفرسك فأجابه بقوله : وأنا أيضا ثم إن كان الفعل ماضيا كبعتك هذا الشيء بكذا أو كان مضارعا لا يحتمل الحال والاستقبال كقوله : أبيعك الآن فإن البيع ينعقد بهما بدون حاجة إلى نية وبعضهم يقول : إن النية لازمة في كل حال سواء كان الفعل ماضيا أو مستقبلا .
أما إن كان مضارعا يحتمل الحال والاستقبال أو كان متحمضا للاستقبال بأن اقترن بالسين أو سوف كقوله : سأبيعك أو سوف أبيع فإنه لا ينعقد البيع إلا بنية الإيجاب في الحال بلا خلاف سواء كان الإيجاب والقبول كذلك أو كان أحدهما ماضيا والآخر مستقبلا فإذا قال البائع : أبيعك هذا الثوب بكذا وقال المشتري : أشتريه فإن البيع لا ينعقد إلا إذا كان كل منهما ناويا للإيجاب في الحال وكذا إذا قال أحدهما : أبيع أو سوف أبيع وقال الآخر : اشتريت فإن كان الفعل أمرا كما إذا قال : بعني الثوب ونوى الإيجاب في الحال فلا ينعقد البيع إلا إذا قال له البائع : بعت ورد عليه المشتري بقوله : اشتريت فلا بد في نفاذ البيع بالأمر من ثلاثة ألفاظ لأن اللفظ الأول وهو بعني ملغى لأن البيع لا ينعقد بالأمر أصلا إلا إذا دل على الحال كقول البائع : خذ مني هذا الثوب بكذا فيقول المشتري : أخذته فإن البيع ينعقد بذلكن لأن خذ في معنى بعتك هذا الشيء فخذه ولا ينعقد البيع إذا اقترن بالفعل استفهام ونحوه كقوله : هل تببعني أو ليتك تببعني ونحو ذلك ولكل واحد من البائع والمشتري حق الرجوع قبل قبول الآخر ما داما في المجلس فإذا قال البائع : بعتك كذا ولم يجبه الآخر بالقبول فإن له أن يرجع وكذا إذا قال له : اشتريت منك السلعة بكذا ولم يقل له : بعتك فإن له أن يرجع وهذا يسمى خيار القبول في المجلس .
المالكية - قالوا : ينعقد البيع بكل قول يدل على الرضا كبعت واشتريت وغيرهما من الأقوال ثم إن كان الفعل ماضيا كأن يقول البائع : بعت هذه السلعة والمشتري : اشتريت فإن البيع ينعقد به ويكون لازما فليس لواحد منهما حق الرجوع فيه لا قبل رضاء الآخر ولا بعده حتى ولو حلف أنه لا يقصد البيع أو الشراء . أما إن كان الفعل أمرا كقول المشتري : بعني هذا السلعة بكذا فيقول له البائع : بعت فإنه ينعقد به البيع ولكن في لزومه خلاف فبعضهم يقول : إن له حق الرجوع وعليه اليمين بأنه لم يقصد الشراء وبعضهم يقول : إن يلزم بهذا كلزومه بالماضي وليس له حق الرجوع على المعتمد .
فإن كان الفعل مضارعا كأن يقول البائع : أبيع هذه السلعة بكذا فرضي المشتري بذلك فإن البيع لا يلزم البائع إذا رجع وقال : إنني لم أرد البيع وإنما أردت المساومة أو المزاح ولكن عليه اليمين وإذا رجع بعد رضاء المشتري فإذا حلف فذاك وإلا فيلزمه البيع وإذا قامت قرينة على أنه يقصد البيع فإنه يلزمه ولو حلف . وذلك كأن يقول له المشتري : يا فلان بعني سلعتك بعشرة فيقول : لا فيقول بأحد عشر فيقول : لا ثم يقول البائع : أبيعها باثني عشر فيقول المشتري : قبلت . فإن البيع يلزم في هذه الحالة وليس له حق الرجوع ولا ينفعه اليمين لأن تردد الكلام بينهما قرينة على عدم المزاح واللعب . وكذا لو قال المشتري : أشتري هذه السلعة بكذا فرضي البائع ثم رجع المشتري فإن له حق الرجوع وعليه اليمين ما لم تقم قرينة على ا ه جاد في شرائه فإنه يلزمه الشراء والحاصل أن البادئ بالماضارع سواء أكان بائعا أم مشتريا فإنه لا يلزمه البيع وله حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر أما إذا رجع قبل رضائه فإن له ذلك الحق ولا يمين عليه ومحل ذلك كله ما لم تقم قرينة على البيع والشراء أو عدمها وإلا عمل بها .
وإذا قال شخص لآخر : بكم تبيع هذه السلعة : فقال له : بعشرة فقال السائل : أخذتها بذلك فأبى البائع أن يبيعها وقال : إنني أريد أن أعرف قيمتها أو أريد المزاح فالمعتمد في ذلك أن يرجع إلى القرائن فإن قامت قرينة بأن حصل تماكس وتردد في الكلام كما ذكر في الصورة المتقدمة فإن البائع يلزم بالبيع وإن قامت قرينة على عدمة فإنه لا يلزمه ولا يمين على البائع وإن لم تقم قرينة على أحدهما فللبائع حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر .
الشافعية - قالوا : ينعقد البيع والشراء بكل لفظ يدل على التمليك مفهم للمقصود وهو قسمان : صريح . وكناية . فالصريح ما لا يحتمل غير البيع مما يدل على البيع والشراء كبعتك هذه السلعة بكذا واشتريتها منك بكذا . وأما الكناية فهي اللفظ المحتمل لمعنى آخر غير البيع كقول البائع : أعطيتك هذا الثوب بذلك الثوب أو أعطيتك تلك الدابة بتلك فإن ذلك يحتمل البيع ويحتمل الإعارة . فإذا نوى بذلك البيع والشراء صح فإن قرن اللفظ المحتمل بذكر الثمن يكون صريحا كوهبتك هذه الدار بمائة دينار فإن لفظ الهبة إن لم تكن مقترنة بذكر الثمن تكون هبة فإن اقترنت بالثمن تكون بيعا . وكذا كل لفظ يدل على التمليك إذا قرن بذكر الثمن كجعلت لك هذه الدار بثمن كذا أو عوضتك هذا بكذا أو صارفتك ذا بكذا فكل هذا ظاهر الدلالة في البيع لذكر الثمن ومثل ذلك ما إذا قال المشتري : اشتريت وقبلت فإن في ذلك دلالة ظاهرة على الشراء بخلاف ما إذا قال : تملكت فقط فإن ذلك كناية تحتمل التملك بالشراء وتحتمل التملك بالهبة وغيرهما . وكما ينعقد البيع بالصريح ويحل فكذلك ينعقد بالكناية ويحل إلا أن الصريح أقطع للنزاع وأحسن في رفع الخصومات . ومن الكناية أن يأتي البائع بالمضارع في الإيجاب كأن يقول : أبيعك أو يأتي المشتري بالمضارع في القبول كأن يقول : أقبل فإن البيع يصح فيهما بالنية وإن كانت النية لازمة في كل صيغة كما يأتي في الشروط . وللشافعية فرق بين النية وقصد اللفظ لمعناه . ويصح أن يتقدم القول على الإيجاب كأن يقول المشتري : بعني كذا بكذا فلفظ بعني معناه طلب الإيجاب وهو قائم مقام القبول فيصح جعله من أفراده إذا كان بصيغة الأمر أما إذا كان بصيغة الاستفهام كقوله : هل تببعني كذا ؟ فإنه لا يصح ولا يضر تقييد اللفظ بالمشيئة كقوله : اشتر مني كذا إن شئت ولكن بشروط أربعة : الأول أن يذكرها المبتدي سواء كان بائعا أو مشتريا . الثاني أن يخاطب بها مفردا فإن خاطب بها جماعة فإنها لا تنفع . الثالث أن يفتح تاء المخاطب إن كان نحويا . الرابع أن يؤخرها عن الصيغة سواء كانت إيجابا أو قبولا فإن فقد شرط من هذه الشروط بطل العقد . أما إذا علق الصيغة بقول إن شاء الله أو بأي تعليق لا يقتضيه العقد كقوله : إن شاء فلان فإن ذلك يبطل العقد .
الحنابلة - قالوا : كل لفظ يؤدي معنى البيع والشراء ينعقد به فلا تنحصر الصيغة القولية في لفظ معين فينعقد بالإيجاب من البائع بقول : بعتك أو ملكتك أو وليتك أو أشركتك في كذا أو وهبتكه بكذا أو أعطيتك كذا بكذا ونحو ذلك .
ومن المشتري بقول قبلت أو رضيت أو اشتريت أو تملكت أو أخذت أو استبدلت ونحو ذلك وهل يصح البيع بلفظ السلم والسلف أو لا ؟ كأن يقول : سلفتك أو أسلمت لك كذا بكذا : خلاف فقيل يصح وقيل لا . ويجوز أن يتقدم القبول على الإيجاب ولكن يلمزم أن يكون بلفظ الأمر كأن يقول : بعني كذا بكذا فإن كان بلفظ الماضي أو المضارع فإنه يجب أن يكون مجردا عن الاستفهام والتمني والترجي فيقول : تببعني كذا أو تببعني كذا بكذا فإن قال : بعت صح . أما إن قال : هل بعتني أو هل تببعني ؟ أو ليتك بعتني أو لعلك بعتني فإنه لا يصح . ولا يضر تقييد البيع والشراء بالمشيئة فلو قال البائع : بعت إن شاء الله أو قال المشتري : اشتريت إن شاء الله صح البيع ولكل من البائع والمشتري حق الرجوع ما داما في المجلس ولو بعد تمام العقد لأن لهما خيار المجلس كما يأتي بيانه ) .
ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها : أن يكون الإيجاب موافقا للقبول في القدر والوصف والنقد والحلول والأجل فإذا قال البائع : بعن هذه الدار بألف فقال المشتري : قبلتها بخمسمائة لم ينعقد البيع وكذا إذا قال : بعتها بألف جنيه ذهبا فقال الآخر : قبلتها بألف جنيه ورقا فإن البيع لا ينعقد إلا إذا كانت الألف الثانية مثل الأولى في المعنى من جميع الوجوه فإن البيع ينعقد في هذه الحالة . ومنها أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد فإن قال أحدهما : بعتك هذا بألف ثم تفرقا قبل أن يقبل الآخر فإن البيع لا ينعقد . ومنها أن يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض . أما الفاصل اليسير وهو الذي لا يدل على الإعراض بحسب العرف فإنه لا يضر ( الحنفية - قالوا : الفاصل الذي يغتفر في الإيجاب والقبول هو الفاصل اليسير كما إذا قال له : بعتك هذا الثوب بعشرة وكان في يده قدح ماء فشربه ثم قال له : قبلت فإنه لا يضر وكذا إذا أكل لقمة أما إذا اشتغل بأكل أو نوم فإن المجلس يتبدل وكذا إذا قال له : بعتك هذا بكذا فلم يجبه ثم تكلم في حاجة له مع غيره كان ذلك فاصلا لا ينفع معه البيع .
الشافعية - قالوا : لا يغتفر الفصل بين الإيجاب والقبول بالكلام الأجنبي مطلقا سواء كان قليلا أو كثيرا أما الكلام الذي فيه ذكر حدود المبيع فإن الفصل به لا يضر وإن طال ولو كان معروفا قبل العقد للمتعاقدين . وكذا لا يضر الفصل بالسكوت اليسير . أما السكوت الطويل وهو ما يشعر بالإعراض عن القبول فإنه لا يغتفر ولكل من البائع والمشتري الرجوع ما داما في المجلس لأن لهما خيار المجلس وإن لم يشترطاه بل لو اشترطا عدمه بطل العقد كما يأتي ) .
ومنها سماع المتعاقدين كلام بعضهما فإذا كانه البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق . فإذا قال بعت هذه السلعة بكذا وقال الآخر : قبلت . ثم تفرقا فادعى البائع أنه لم يسمع القبول أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلا فإن دعواهما لا تسمع إلا بالشهود