يختلف حكم الحلف باختلاف الأحوال فتارة يكون واجبا إذا توقف عليه واجب كما إذا توقف عليه انقاذ إنسان بريء مصون الدم من الهلاك وقد يكون حراما كما إذا حلف على ارتكاب محرم أو حلف بما لا يباح الحلف به وقد يكون غير ذلك مما هومفصل بالمذاهب .
( المالكية - قالوا : الأصل في اليمين أن يكون جائزا متى كان بأسم الله تعالى أو بصفة من صفاته ولولم يطلب منه الحلف وقد يستحب إذا كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور على أن تكثير الحلف من غير ضرورة من البدع الحادثة بعد السلف ومتى كان اليمين مباحا كان الحنث مباحا وعليه الكفارة إلا أن يكون الخير في الحنث فإنه حينئذ يتبع ذلك في الحكم فإن حلف على ترك الواجب وجب الحنث وإن حلف على فعل معصية وجب الحنث وينعكس الحكم إذا حلف على فعل وجب أو ترك معصية وهكذا .
الحنابلة - قالوا : الحلف يكون واجبا وحراما كما ذكر ويكون مكروها إذا كان على فعل مكروه أو على ترك مندوب . ومن الحلف المكروه : الحلف على البيع والشراء لحديث : " الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة " . رواه ابن ماجة .
ويكون مندوبا إذا تعلقت به مصلحة كإصلاح بين متخاصمين ولو كان الحالف أحد المتخاصمين أو إزالة حقد من قلب مسلم أو دفع شر عنه أو عن غيره . أما الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية فليس بمندوب .
ويكون مباحا كالحلف على فعل المباح أو تركه أو على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق فيه ومنه الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية .
ثم إذا كان الحلف على ارتكاب معصية أو ترك واجب وجب أن يحنث فيه ولا يرتكب المعصية ولا يترك الواجب وإن كان بالعكس بأن حلف وهو الصلاة ويترك الزنا وهو المحرم وكذلك إذا حلف على فعل مندوب وترك مكروه فإنه يندب له البر وإن كان بالعكس بأن حلف على ترك مندوب وفعل مكروه فإنه يكره له البر باليمين ويندب له الحنث .
أما إذا حلف على فعل مباح أو تركه فيباح له الحنث وعدمه : والبر أولى من الحنث لأن حفظ اليمين فيه أولى .
الشافعية - قالوا : الأصل في الحلف الكراهة لقوله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } وقد يكون مباحا غير مكروه كما إذا حلف على فعل طاعة أو ترك مكروه أو في دعوى عند حاكم مع الصدق أو كان لتأكيد أمر في حاجة إلى التأكيد كقوله A : " فوالله لا يمل حتى تملوا " أو كان لتعظيم شأن أمر كقوله E " والله لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " .
ويكون مندوبا إذا توقف عليه فعل مندوب أو ترك مكوره أما الحنث فتعتريه الأحكام الخمسة فتارة يكون واجبا كما إذا حلف على معصية أو ترك واجب فمن حلق ليشربن الخمر أولا يصلي فإنه يفترض عليه أن يحنث وعليه الكفارة . وتارة يكون حراما إذا كان بالعكس كما إذا حلف أن يقيم الصلاة المفروضة أولا يزني فإنه يفترض عليه البر باليمين ويحرم عليه الحنث وتارة يكون مندوبا كما إذا حلف على ترك مندوب وفعل مكروه . وتارة يكون خلاف الأولى كما إذا حلف على فعل مباح أو تركه كالأكل والشرب فالولى أن يبر باليمين صونا لاسم الله تعالى وهوفي جميع الأحوال تجب عليه الكفارة إذا حنث .
الحنفية - قالوا : الأصل في اليمين بالله أو بصفة من صفاته أن يكون جائزا ولكن الأولى أن لا يكثر منه . ثم إن كان الحلف على معصية كأن حلف بأن لا يكلم والديه اليوم أو شهرا فإنه يفترض عليه أن يحنث وإن كان على ترك معصية كأن حلف بأن لا يشرب الخمر فإنه يفترض عليه أن يبر وأن لا يحنث وكذا إن كان الحلف على فعل واجب فإنه يفترض بر اليمين . وإن كان على ترك واجب فإنه يفترض الحنث ولا يترك الواجب . أما إن حلف على أمر الأولى عدمه كأن حلف ليأكلن البصل اليوم أو حلف على أمر فعله أولى من تركه كأن حلف ليصلين الضحى اليوم أو حلف على أمر فعله وتركه يستويان كأنحلف بأن لا يأكل هذا الخبز مثلا فقد اختلف في ذلك على قولين : الأول : أن يكون الحنث أولى في المثال الأول وهو الحلف بأن يأكل البصل والبر أولى في المثال الثاني وهوحلفه بأن يصلي الضحى وكذلك البر أولى في المثال الثالث في حالتي الفعل والترك . والقول الثاني : أن البر واجب على أي حال لقوله تعالى : { واحفظوا أيمانكم } فالحنث أو البر يجبان أو يحرمان في الواجب المحرم أما في غيرهما فالبر واجب على القول الثاني وهو وجيه .
ولا يتصور الحنث إلا إذا قيد اليمين بوقت معين كأن يقول : أفعل كذا أول اليوم أو الشهر أما إذا لم يقيد فإنه لا يحنث إلا في آخر حياته فيوصي بالكفارة بموته وإذا هلك المحلوف عليه قبل ذلك وجبت عليه الكفارة )