تنقسم آلة الصيد إلى قسمين : جماد وحيوان . فالأولى كالسهم يرمي به الصائد صيده والثاني الجوارح وهي كلاب الصيد ونحوها من الحيوانات المفترسة كالنمر والفهد والأسد إذا تعلمت الصيد ومثلها سباع الطير كالشواهين .
فأما القسم الأول فإنه يشترط له شروط : منها أن يصيب الحيوان بحده أو بنصله فإذا رماه بسكين أو سيف أو حربة أو سهم فأصابه بحدها أو نصلها فقتله فإنه يحل أما إذا أصابه بعرضها فقتله ثقلها ولم يدركه حيا ويذبحه فإنه لا يحل ومثل ذلك ما إذا رماه بعصا أو خشبة أو حجر لاحد له فأماته فإنه لا يحل وكذلك إذا نصب له شبكة أو شركا فاختنق بها ومات قبل أن يذبحه فإنه لا يحل وكذا إذا رماه برصاص البنادق أو رشها فأماته فإنه لا يحل ( المالكية - قالوا : إنه لم يوجد نص من المتقدمين في الصيد برصاص البنادق ولكن كثيرا من المتأخرين يوثق بهم قالوا : يحل أكل ما يصطاد به ويميته لأنه يريق الدم ويسرع في القتل أكثر من غيره والغرض من الذكاة الشرعية إنما هو الإجهاز السريع على الحيوان كي يستريح من التعذيب فكلما كان أسرع في الإجهاز عليه كان استعماله أحسن ولا يشترط أن يكون الجرح بالشق بل يصح أن يكون بالخرق أيضا .
الحنفية - قالوا : إن الأصل في ذلك أن يكون شك شك في أن موت الصيد كان بسبب الجرح لا بسبب الثقل فإذا تحقق أنه مات بالثقل أو شك في ذلك فإنه لا يحل أكله ما لم يدركه وفيه حياة مستقرة ويذبحه كما تقدم بيانه .
فالصيد الذي يرمى برصاص البنادق فإنه وإن كان الرصاص يريق ويخرق الجسم ولكنه يشك في أن الحيوان هل مات بثقل اندفاع الرصاص أو بالجرح الناشئ من الإصابة ؟ فإذا وجد هذا الشك فإنه لا يحل أما إذا تحقق أنه مات بالجرح لا بالثقل فإنه يحل .
ومثل الرصاص الرش فإنه إذا رمي به حيوان كبير لا يتصور أن يموت بثقل اندفاع الرش فإنه يحل لأن موته بسبب الجرح من غير شك أما إذا رمي به حيوان صغير ضعيف كالعصافير الضعيفة التي يتصور أن تموت بثقل اندفاع الرش فإنها لا تحل إلا بتحقق أنها ماتت بسبب الجرح لا بسبب الثقل ) فإذا احتمل الحيوان الرمية كأن كان كبيرا وأدركه وفيه حياة مستقرة وذبحه فإنه يحل . فالاصطياد بالبنادق جائز إذا كان الرامي حاذقا وكان الحيوان يحتمل الضربة فيقع بها حيا .
ومنها أن تجرح آلة الصيد الحيوان وتريق دمه ( الحنفية - قالوا : اختلفوا في إراقة دم الصيد فقال بعضهم : إنها تشترط مطلقا سواء أكان الجرح صغيرا أم كبيرا وقال بعضهم : إن إراقة الدم لا تشترط مطلقا ويكفي الجرح ولوصغيرا وفصل بعضهم فقال : إن كان الجرح كبيرا لا تشترط إراقة الدم وإن كان صغيرا فلا بد من الإراقة ) في أي موضع من بدنه ولوأذنه . ومنها أن يتحقق من أن السهم ونحوه هو الذي قتل الحيوان وحده بدون أن يشترك معه سبب آخر فإذا رخى الصيد بسهم فأصابه إصابة يمكن أن يعيش بعدها ثم وقع وهوحي في ماء يغرقه ويميته عادة ومات فإنه لا يحل لاحتمال أن يكون قد مات بسبب الماء فقد اجتمع على قتله سببان : مبيح لأكله وهو الجراحة بالسهم ومانع وهو الغرق بالماء فيقدم السبب المانع احتياطا ومثل ذلك ما إذا رماه فوقع على جبل أو ربوة ثم تردى من فوقها وكان يقتل مثله بذلك عادة فإنه لا يحل أما إذا نفذ السهم في عضوعن أعضائه الرئيسية ومزقه وثبت قتله بهذه الرمية بحيث لم يبق فيه بعدها سوى حركة المذبوح ثم سقط بعذ ذلك في الماء أو تردى من مرتفع يميته عادة فإنه يحل ( المالكية - قالوا : إن إراقة الدم شرط في حل الصيد حتى ولولم يشق الجلد إلا إذا كان الحيوان مريضا فإن إراقة الدم لا تشترط وإنما الذي يشترط فيه هو الشافعية قالوا : الجلد فإذا لم يشق جلده فإنه لا يحل ) .
ويستثنى من ذلك ما لا يمكن الاحتراز عنه إذا رماه وهو يطير في الهواء فسقط على الأرض أو على آجرة مطروحة على الأرض فإنه يحل بدون نظر إلى احتمال أن سقوطه كان سببا في قتله إذ لواعتبر ذلك لما حل صيد أبدا ومثل ذلك ما كان يطير في هواء البحر أو على وجه الماء ورمي فوقع في الماء فإنه يحل ( الحنابلة - قالوا : إذا رمي الصيد فوقع في ماء يغرقه ويميته عادة ثم مات فإنه لا يحل على أي حال ولو كانت الرمية قد مزقت أعضاءه الرئيسية إلا إذا كان يطير على الماء فإنه يعفى عن سقوطه حينئذ كما يعفى عن سقوطه على الأرض من الهواء وكذا إذا سقط في الماء بجسمه وكان رأسه خارج الماء فإنه يحل على أي حال ) ما لم يغمس في الماء وتكون الرمية غير قاضية على حياته وحدها لاحتمال أن يكون قد مات بالغرق حينئذ .
وإذا رمى صيدا فقطعه نصفين فإنه يؤكل بجميع أجزائه وكذا لورماه فقطع رأسه وحدها أوقطع نصفها أوقطعها مع جزء من جسمه لا يتصور أن يعيش معه الحيوان فإنه يحل أكله وأكل ما قطع منه أما إذا قطع منه عضوا يتصور أن يعيش بدونه كاليد والرجل والفخذ والثلث الذي يلي العجز ثم مات الحيوان ( الشافعية - قالوا : إذا قطع يده أو رجله أو جزءا منه يمكنه أن يعيش بدونه ولكنه قد مات الحيوان بهذه الرمية فإنه يؤكل هووما انفصل منه من يد أو رجل بشرط أن يكون الجرح مسرعا للموت ولم يدركه وبه حياة مستقرة ولم يجرحه جرحا آخر مات بسببه الخ - أما إذا لم يمت بهذه الرمية فقتله برمية أخرى أكل ما بقي ثابتا من أعضائه ولم يؤكل العضوالذي انفصل منه وفيه الحياة وكذا لوأدركه وفيه حياة مستقرة وذبحه ) بذلك أو أدركه حيا وذكاه فإنه يحل اكل الحيوان ويحرم أكل ذلك العضوالذي قطع منه لأن الجزء الذي ينفصل من الحي ميتة إلا أن يكون قد قطع ولكنه لم ينفصل منه تمام الانفصال بأن كان متعلقا بلحمه بحيث يمكن التئامه ورجوعه إلى حالته لوكان حيا فإنه في هذه الحالة تصبح تذكية الحيوان تذكية لذلك العضو المتصل به بخلاف ما إذا كان متعلقا به تعلقا يسيرا كأن يكون متصلا بجلده ( الحنابلة - قالوا : إذا بقي العضو متعلقا بجلده فيباح أكله بإباحة أكل الحيوان الذي تعلق به ويصبح كسائر أجزائه ) أو بعرق منه بحيث لا يتصور التئامه ورجوعه إلى هيئته الأولى .
وأما الشروط المتعلقة بالجوارح فهي مفصلة في المذاهب .
( الحنابلة - قالوا : الجوارح نوعان أحدهما : ما يصيد بنابه كالكلب والفهد وكل ما أمكن الاصطياد به . ثانيهما : ذوالمخلب - بكسر الميم - كالبازي والصقر والعقاب والشاهين وغيرها ويشترط في إباحة الصيد بالنوعين كونها متعلمة كما قال تعالى : { وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم } وتعليم النوع الأول منها أي الكلب وغيره يكون بثلاثة أشياء الأول : أن يطيع صاحبه إذا أرسله والثاني : أن ينزجر إذا زجره صاحبه سواء في حال مشاهدته الصيد أولا الثالث : أن لا يأكل مما يصيد . على أن هذه الشروط إنما هي في الكلب خاصة أما الفهد وغيره فيكفي فيه ترك الأكل لتعذر انزجاره بزجر صاحبه ولا يلزم تكرار ترك الأكل بل يجزئ تركه مرة واحدة فإذا تناول من صيد فيحرم أكل هذا الصيد الذي تناول منه ولا يخرج بذلك عن كونه متعلما فلواصطاد بعدها ولم يأكل حل صيده . وإن شرب الكلب دم الصيد ولم يأكل منه فلا يحرم . أما تعليم النوع الثاني فهوبأمرين أحدهما : أن يطيع إذا أرسل ويرجع إذا دعي أما ترك الأكل فليس شرطا في حقه فما اصطاده حلال ولوأكل منه ويشترط في ذي المخلب أن يجرح الصيد فلوقتله بعد رميه أو خنقه لم يبح .
وهم يقولون بحرمة صيد الكلب الأسود البهيم كما يحرم اقتناؤه لحديث صحيح عملوا بظاهره كما لا يحل صيد الخنزير .
الشافعية - قالوا : يشترط لتحقق كونه معلما أربعة شروط أحدها : أن ينزجر بزجر صاحبه في ابتداء إرساله فلوزجره فلم يطعه فلا يعد معلما وكذا زجره بعد أن يعدوويشتد عدوه فلولم يطعه فلا يعد معلما على الصحيح . الثاني : أن يسترسل بإرساله بأن يهيج لوأغراه بالصيد . أن يمسك الصيد فيحبسه على صاحبه ولا يخليه . الرابع : أن لا يأكل منه . وهذه الشروط الأربعة في الطلب وما في معناه من جوارح السباع . وأما جوارح الطير فيشترط فيها أن تهيج لوأغراها بالصيد وأن تترك الأكل من الصيد على المعتمد أما انزجارها بعد أن تطير فليس بشرط وكذلك منعها عن الطيران في ابتداء أمرها فليس بشرط ويشترط تكرار حصول هذه الشروط حتى يغلب على الظن أن الجارحة صارت معلمة ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح فمتى قالوا : إنها صارت معلمة فإن صيدها يؤكل فلا يقدر حصولها بمرة أو مرتين على المعتمد فلوفقد شرط من هذه الشروط فإن الصيد يحرم إلا إذا أدركه حيا فذبحه فيحل حينئذ ولا يشترط في الجارحة أن تجرح الصيد الذي تضطاده فلوقتلته بثقلها عليه أو ضربته في جدار فأماتته أو صدمته في حجر أو ضربته بالأرض ونحو ذلك فيحل ولوظهر كون الكلب معلما ثم أكل صيدا لم يحل ذلك الصيد على أظهر قولي الشافعي ويشترط تعليم جديد ولا يضر في كونها معلمة لعق الدم ومحل عض الكلب يجب غسله بماء وتراب - على الراجح - كجميع النجاسات الكلبية وقيل يجب تقويره وطرحه وقيل يعفى عنه فلا يجب غسله وقيل بطهارته .
الحنفية - قالوا : يشترط لتحقق كون الجارح معلما أن يمسك الصيد ويحبسه على المالك وأن يترك الأكل منه وأن يجيبه إذا دعاه وأن يجيبه إذا أرسله إلى الصيد ولا يصبح معلما إلا إذا حصل ذلك منه ثلاث مرات على الصحيح ثم يباح الأكل في الرابعة وقيل يباح في الثالثة أيضا هذا في الكلب ونحوه من جوارح السباع . وأما جوارح الطير كالشاهين والصقر والبازي فلا يشترط فيه ترك الأكل وإنما يعتبر معلما إذا أجاب صاحبه عند دعوته فمتى أجابه عند الدعوة الثالثة من غير أن يطمع في اللحم صار معلما . أما إذا أجابه طمعا في اللحم فلا يعتبر معلما ولا يضر إذا دعاه فلم يجبه في المرة الأولى والثانية أما لودعاه في الثالثة فلم يجبه فلا يعتبر معلما .
ويشترط في الجوارح أن تجرح الصيد على المعتمد فلوخنقت الجارحة الطير أوقتلته بثقلها ونحو ذلك فلا يؤكل . ويستثنى من الجارحة البازي والصقر فإنهما لا يشترط فيهما أن يجرحا الصيد ويباح أكله لوقتلاه خنقا أو بثقلهما باتفاق . وفي إراقة الدم الخلاف المتقدم في الصيد بالآلة .
المالكية - قالوا : الجارحة المعلمة هي التي متى أرسلت أطاعت ومتى زجرت انزجرت إلا البازي فإنه لا ينزجر وعصيان المعلم مرة لا يخرجه عن كونه معلما كما يكون المعلم معلما بطاعته مرة إنما المعتبر في التعليم وعدمه العرف .
ويشترط في الجارحة أن تجرح الصيد وتريق دمه إلا أن يكون المصيد مريضا فإنه يكتفى بشق جلده وإن لم يرق دمه كما تقدم فلوقتل الصيد بجسمه أو بضربه بالأرض أو نحو ذلك فلا يحل )