بسم الله الرحمن الرحيم .
أحمد الله تعالى حمدا كثيرا وأصلي وأسلم على نبيه محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد .
: فإنني لما وفقني الله لصوغ الجزء الأول من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة " قسم العبادات " بالعبارة التي ظهر بها رأيت من الجمهور إقبالا عليه لسهولة وقوفهم على ما يريدونه من أحكام الفقه في مذاهبهم وجمعه كثيرا من تلك الأحكام المبعثرة التي يستنفذ الوقوف عليها مجهود أهل العلم الأخصائيين فضلا عن غيرهم من عامة المسلمين فبعثني ذلك الإقبال إلى التفكير في تأليف سائر أبواب الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة " قسم المعاملات وقسم الأحوال الشخصية " . وصوغه بمثل هذه العبارات أو أوضح منها كي ينشط الناس إلى معرفة أحكام دينهم في المعاملات والأحوال الشخصية ويعملوا بها إذا عرفوا أحكام دينهم الحنيف في بيعهم وشرائهم وأقضيتهم وأنكحتهم وما يتعلق بذلك واستبيان لهم سماحة الإسلام مع دقته في التشريع وإحاطته بكل صغير وكبير مما يجري في المعاملات بين جميع طوائف البشر مما يتضاءل بإزائه تشريع المشرعين وتقنين المقننين من غربيين وشرقيين فرنسيين ورومانيين دعتهم عظمته وحملتهم دقته وسماحته إلي الأخذ به والتعويل عليه فيعيشوا عيشة راضية مرضية إذ ترتفع من بينهم أسباب الشقاق المفضية إلى ضياع .
الأموال والأنفس وتوفر عليهم ما ينفقونه من الأموال في المواضع التي نهاهم الله عن الإنفاق فيها كالإنفاق في الخصومات الباطلة وما إليها قال تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } الآية .
ذلك بعض ما ينتجه العلم بأحكام الدين والعمل بها في دار الدنيا أما في الآخرة فان الله قد وعد العامل بدينه نعيما خالدا وملكا مقيما على أنني رأيت في أول الأمر أن ذلك العمل خطير بالنسبة لرجل ضعيف مثلي قد تطغي عليه مظاهر الحياة وتفتنه شواغلها ولكن ثقتي بالله الذي هداني إلى إتمام العمل في الجزء الأول وأعانني عليه جعلني أقدم على تنفيذ ما فكرت فيه لا أهاب صعوبة ولا أخشى مللا لأنني لا أريد غير مرضاة ربي الذي بيده ملكوت كل شيء واليه يرجع كل شيء ولا أبتغي إلا أن أكون مقبولا لديه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ومن استعان بربه وحده فإن الله كفيل بمعونته . وهونعم المولى ونعم النصير فهووحده المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يقيني شر الافتنان بمظاهر الحياة الدنيا وأن يحفظني من شر السعي وراء المغانم الدنيوية بوسائل الآخرة وأن ينفع به المسلمين كما نفع بالجزء الأول منه .
هذا وقد قسمت ما بقي من الأحكام إلى ثلاثة أجزاء منها : جزآن في المعاملات وجزء في الأحوال الشخصية والفرائض وستظهر كلها في زمن قريب إن شاء الله . وهذا هو الجزء الثاني نموذجا للجزء الثالث والرابع في ترتيبه وعباراته فإن كنت قد هديت إلى ما أردت فإنني أكرر الثناء على ربي الذي هداني وان كانت الأخرى فإنني إنسان ضعيف قد فعلت ما أقدرني عليه العليم القدير .
وبعد .
: فقد كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامهم كما أذكر أدلة الأئمة ولكني أعرضت عن ذلك لأنني رأيت في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما أردته من تسهيل للعبارات ورأيت في ذكر حكم التشريع تطويلا قد يعوق عن الحصول على الأحكام فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق .
أما الأدلة : فلقد أفردها كثير من علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفارا مطولة ولكن مما لاشك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبين فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم بعبارة سهلة وترتيب يقرب إدراك معانيها فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعينا بالله وحده وبذلك تتم الفائدة من جميع جهاتها ويعلم الناس أن أئمة المسلمين قد فهموا الشريعة الإسلامية السمحة حق الفهم ويدرك الباحثون في التشريع أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بما فيه مصلحة الناس جميعا وأنها لم تترك صغيرة ولا كبيرة من دقائق التشريع وعجائب الأحكام إلا وقد أشارت إليه وأنها صالحة لكل زمان ومكان فهي خالدة قائمة مدى الدهور والأزمان لأنها من لدن حكيم عليم