لا يجوز للمحرم أن يصطاد حيوانا قبل أن يتحلل . وقد عرفت ما به التحلل في المذاهب . ومن يفعل ذلك كان عليه جزاء في تقديره تفصيل المذاهب . فانظره تحت الخط ( الشافعية قالوا : من اصطاد حيوانا بريا وحشيا : كظبي أو بقر وحش أو نحوهما . أو دل صائدا عليه . أو كان تحت يده حيوان من هذا النوع . فأتلفه . أو أمرضه . فإنه يلزمه الجزاء الآتي بيانه بشرطين : أحدهما : أن لا يؤذيه ذلك الحيوان في ماله أو نفسه كالضبع مثلا . ثانيهما : أن لا يوصل إليه ضررا كأن ينجس متاعه أو يأكل طعامه أو يمنعه من سلوك الطريق : كالجراد الكثير المنتشر فإذا قتله فلا فدية فيه ولا ضمان أما ذلك الجزاء فهو إن كان الصيدله مثلا من النعم : كالحمام واليمام والقمري ففي الواحدة شاة من ضأن أو معز وفي النعامة ذكرا أو أنثى بدنة أي بعير وفي البقرة الوحشية أو الحمار الوحشي بقرة أهلية وفي الظبي تيس وفي الظبية عنز وفي الغزال معز صغير وفي الأرنب عناق وهي أنثى المعز إذا قويت ولم تبلغ سنة . وفي كل من اليربوع والوبر معز أنثى بلغت أربعة أشهر . وفي الضبع كبش وفي الثعلب شاة .
هذا كله فيما ورد في حكمه نقل صحيح عن الشارع وإلا حكم عدلان خبيران بمثله في الشبة والصورة تقريبا ولا بد من مراعاة المماثلة في الصفات فيلزم في الكبير كبير وفي الصغير صغير وفي الصحيح صحيح وفي المعيب معيب إن اتحد جنس العيب : كالعور فيهما أما إن اختلف العيب فلا يكفي وهكذا : كالسمن والهزال . والحبل . لكن لا تذبح الحامل بل تقوم ويتصدق بقيمتها طعاما أو يوم عن كل مد يوما . فإن لم يرد فيه نقل ولا حكم بمثله عدلان . وجبت قيمته بحكم عدلين . والفدية الواجبة هي أحد أمور ثلاثة : إما أن يذبح مثل الصيد من النعم ويتصدق به على فقراء الحرم وإما أن يشتري بقيمته طعاما كالطعام الذي يجزئ في صدقة الفطر . ويتصدق به عليهم وإما أن يصوم يوما عن كل مد من الطعام . وهذا في المثلي أما غير المثلي : كالجراد . وبقية الطيور ما عدا الحمام ونحوه . فهو مخير بين أمرين إما أن يخرج بقدر قيمة الصيد طعاما ويتصدق به على من ذكر وإما أن يصوم يوما عن كل مد من الطعام . ولا فرق في ذلك بين صيد الحل والحرم متى كان المتعرض محرما وأما إن كان حلالا فإن الحكم يختص بصيد الحرم وإنما يجب ما ذكر في الصيد إذا كان المتعرض مميزا ولو كان ناسيا أو جاهلا أو مخطئا أو مكرها . ومن المحظور غير المفسد التعرض لحشيش الحرم وأشجاره على التفصيل المتقدم فإن قطع شجرة كبيرة لزمه بقرة . وإن قطع صغيرة لزمه شاة أما الصغيرة جدا ففيها القيمة . وهو مخير بين ذبح ما ذكر والتصدق بلحمه . وبين شراء طعام بقيمتها والتصدق به . أو يصوم لكل مد يوما . أما الحشيش ففيه القيمة إن لم ينبت بدله فإن نبت بدله فلا ضمان ولا فدية .
هذا . ويجب ذبح شاة مجزئة في الأضحية حال القدرة . ثم صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع لأهله إن عجز عن الذبح على كل من ترك شيئا مما يأتي : 1 - على المتمتع وسيأتي بيانه لأنه ترك تقديم الحج على العمرة . 2 - على القارن وسيأتي بيانه . لأنه ترك الإفراد بالحج . 3 - على من ترك رمي ثلاث حصيات فأكثر من حصى الجمار . 4 - على من ترك المبيت بمنى ليالي التشريق لغير عذر . 5 - على من ترك المبيت بمزدلفة لغير عذر . 6 - على من ترك الإحرام من الميقات لغير عذر . 7 - على من ترك طواف الوداع لغير عذر . 8 - على من ترك الفعل الذي نذره في الحج كالمشي أو الركوب أو الحلق أو الإفراد . 9 - على من فاته الوقوف بعرفة من غير حصر بأن يطلع فجر يوم النحر قبل حضوره في جزء من أرضها ويجب له الدم على المحرم بالحج أو القارن ويجب على من فاته الوقوف أن يتحلل بعمرة بأن يأتي بالأعمال الباقية من أعمال الحج غير الوقوف ويسقط عنه المبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار . يطوف ويسعى إن لم يكن سعى ويحلق بنية التحلل ويجب عليه القضاء فورا من قابل ولو فاته لعذر ولو كان الحج نفلا سواء كان مستطيعا أو لا ولا يصح ذبحه في سنة الفوات فالذبح يكون في القضاء أما المحصر فسيأتي حكمه .
الحنفية قالوا : من اصطاد حيوانا بريا فإنه يجب عليه قيمته بالقيود المتقدمة في صيد الحرم ومثله من قطع حشيش الحرم السابق أيضا فإذا اصطاد المحرم ما لا يجوز له اصطياده قوم عليه ما صاده في مكانه أو في مكان قريب منه بمعرفة عدلين فإن بلغت قيمته ثمن هدي خير بين أمور ثلاثة : أحدها : أن يشتري بهذه القيمة هديا يذبحه في الحرم ثانيها : أن يشتري به طعاما يتصدق به على الفقراء في أي مكان لكل واحد نصف صاع ثالثها : أن يصوم بدل كل نصف صاع يوما ولا يلزم في هذا الصوم التتابع وإن لم تبلغ قيمته ثمن هدي خير بين الأمرين الأخيرين فقط وهما : الطعام : والصيام ولا فرق في هذا الباببين العمد والخطأ ولا يلزمه أن يأتي بمثل ما صاد بل تكفي قيمته وأما العمد والمثلية الواردان في الآية الكريمة فإن العمد ذكر فيها لأنه الغالب والمثلية المراد بها أن يكون مثلا في المعنى قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } الآية .
هذا إذا كان الصيد غير مملوك لأحد : فإن كان مملوكا للغير فعليه مثلان : أحدهما : الجزاء المتقدم والثاني : لمالكه والصيد في الحرم مطلقا ولو كان الصائد غير محرم وإن صاد وذبحه لا يؤكل ويكون كالميتة : بل يقدم أكل الميتة على هذا الصيد عند الاضطرار وإذا أتلف عضوا أو نتف ريشا أو نحو ذلك يلزم بالفرق ولا شيء في قتل الهوام : كقرد وسلحفاة وزنبور وفراش وذباب ونمل وقنفذ وكذلك الحية والعقرب والفأرة والغراب والكلب العقور . وإذا قطع حشيش الحرم لزمته قيمة ما قطع منه كما تقدم .
هذا . وقال الحنفية تجب صدقة قدرها نصف صاع من بر أو قيمته لأمور : أن يطيب أقل من يوم كامل أو ثوبا مطيبا أقل من يوم أو يستر رأسه كذلك أو يحلق أقل من ربع الرأس أو اللحية أو يحلق ساقه أو عضده أو يقص ظفر أو ظفرين أن يطوف طواف القدوم أو الصدر محدثا حدثا أصغر أن يترك شوطا أو أقل من أشواط طواف الصدر أن يحلق رأس غيره سواء كان غيره محرما أو لا وأما ما يوجب صدقة أقل من نصف صاع فهو أن يقتل جرادة فالواحدة من ذلك يتصدق لها بما شاء والإثنتان والثلاث يتصدق لها بكف من طعام فإن زاد على ذلك فعليه نصف صاع .
المالكية قالوا : إذا اصطاد حيوانا في الحرم وجب عليه الجزاء الآتي بيانه . وكذا إذا تسبب في موته . كما إذا رآه الصيد ففزع منه فوقع فمات أو ركز رمحا فعطب فيه الصيد فمات وهذا هو المعتمد في المذهب وبعضهم يقول : لا يجب الجزاء في مثل ذلك لأن الحاج لا يقصد صيده وإذا دل محرم على الصيد فلا جزاء على الدال ولا يجوز أكل صيد المحرم على كل حال فهو كالميتة . وبيضه مثل لحمه في ذلك ويجب الجزاء في قتل الصيد المذكور وتعريضه للتلف كأن ينتف ريشه ولم تتحقق سلامته أو يجرحه كذلك أو يطرده من الحرم فصاده صائد في الحل . أو هلك فيه قبل أن يعود للحرم والجزاء الواجب في الصيد ثلاثة أنواع على التخيير : .
- 1 - مثل الصيد من النعم أي ما يقاربه في الصورة والقدر فإن لم يوجد له مقارب في الصورة كفى إخراج مقارب له في القدر ولا يجزئ من النعم في الجزاء إلا ما يصحفي الضحية وهو ما أو في سنة إن كان من الغنم وثلاث سنين إن كان من البقر وخمسا إن كان من الإبل كما ذكر من الهدي . 2 - قيمته طعاما وتعتبر القيمة يوم تلفه وبنفس المحل الذي حصل فيه التلف فإن لم يكن له قيمة بمحل التلف اعتبرت قيمته بأقرب الأماكن إليه وتعطي هذه القيمة لمساكين المحل الذي وجد فيه التلف كل يأخذ مدا بمد النبي E 3 - صيام أيام بعدد الأمداد التي يقوم بها الصيد من الطعام ويصوم يوما كاملا عن بعض المد لأن الصوم لا يتجزأ ولا يكون الجزاء إلا بعد حكم عدلين فقيهين بأحكامه لأن تقدير المثل أو القيمة يحتاج إلى ذلك والصوم لا يكون إلا بعدد الأمداد فلا بد من التقويم أيضا حتى يصوم ويستثنى من المثل حمام مكة والحرم ويمامهما ففي ذلك شاة من الضأن أو المعز ولا يحتاج إلى حكم فإن عجز عن الشاة صام عشرة أيام ثم إن جزاء كل حيوان بحسبة فإذا أراد أن يخرج المثل فعليه في صيد النعامة مثلها والمثل هنا معناه الناقة أو الجمل لأنهما يقاربان النعامة في القدر والصورة في الجملة وعليه في صيد الفيل بدنة ذات سنامين . وعليه في حمار الوحش وبقر الوحش بقرة وعليه في الضبع والثعلب شاة . والجزاء المذكور يكون بحكم عدلين فقيهين بأحكام الصيد . فيحكمان بالمثل . أو القيمة أو صيام الأيام المذكورة . وفي صيد الضب والأرنب واليربوع وجميع طير الحل والحرم سوى حمام الحرم ويمامه المذكورين القيمة حين الضب والأرنب واليربوع وجميع طير الحل والحرم سوى حمام الحرم ويمامه المذكورين القيمة حين إتلافه أو صيام عشرة أيام فهو مخير بين إخراج القيمة طعاما وبين الصيام على الوجه المتقدم .
الحنابلة قالوا : من أتلف صيدا في الحرم بفعله المباشر أو كان سببا في إتلافه فلا يخلو إما أن يكون ذلك الصيد مملوكا للغير أو لا فإن كان مملوكا فإنه يجب على الصائد أمران : جزاء الصيد ويفرق على مساكين الحرم والضمان لمالكه بحيث يقوم الصيد إن لم يكن له مثل أو يشتري مثله ويعطي لمالكه أما إذا لم يكن مملوكا فعلى صائده الجزاء فقط وينقسم الصيد إلى قسمين : الأول : ما له مثل من النعم في الخلقة : كالحمار الوحشي وتيس الجبل ونحوهما وحكم هذا ينقسم إلى قسمين أيضا أحدهما : ما ورد عن الصحابة فيه نص ثانيهما : ما لم يرد فالأول أشياء أحدها : النعامة فإذا اصطاد نعامة في الحرم لزمه نحر بدنة - ناقة أو جمل - وبذلك حكم عمر وعثمان وعلي وغيرهم الثاني : حمار الوحش وتيس الجبل ويقال له : الوعل فمن اصطاده لزمته بقرة يذبحها ويتصدق بها على مساكين الحرم الثالث : الضبع وجزاء صيده ذبح كبش الرابع : الظبي - يعني الغزال - وجزاء صيده عنزة تذبح وتفرق على مساكين الحرم كذلك أما صيد الثعلب فلا جزاء فيه الخامس : الضب وجزاء صيده جدي بلغ من العمر ستة أشهر السادس : الأرنب فمن اصطاد أرنبا كان جزاؤه أن يذبح عناقا وهي أنثى المعز التي لها أقل من أربعة أشهر السابع : الوبر - بسكون الباء - وهو دابة سوداء دون القط وجزاء صيده جدي له ستة أشهر الثامن : الحمام فمن اصطاد حمامة أو ما كان على شاكلتها من كل طير يهدر ويشرب بوضع منقاره في الماء فيكرع كما تكرع الشاة ويقال لهذا الشرب - عب - فيشمل الدجاج والعصافير والقماري ونحوها فجزاء من اصطاد شيئا منها في الحرم شاة تذبح وتفرق على المساكين .
وهذا أحد الأمرين الذي ورد فيهما حكم عن الصحابة ثانيهما : ما لم يرد فيه شيء فمن اصطاد شيئا في الحرم من غير الأشياء المذكورة فإنه يقوم بمعرفة حكمين عدلين ويجوز أن يكون القاتل أحد العدلين أو هما معا إذا لم يكونا عالمين بالتحريم أو وقع منهما ذلك خطأ لا عمدا أو قتله لحاجة أكله كما إذا لم يجد طعاما غيره وينبغي أن يراعى في الضمان المثل صغرا وكبرا وصحة وسقما وسلامة وعيبا ونحو ذلك .
هذا هو حكم القسم الأول وهو ما له مثل من النعم وأما حكم القسم الثاني وهو ما ليس له مثل من النعم فتجب في صيده القيمة وهو سائر الطيور سوى ما تقدم كطير الماء والأوز وغيرهما وإن نتف ريش الصيد أو شعره أو وبره فلا شيء عليه بشرط أن يعود ما أتلفه لأنه النقص قد زال كما لو جرحه واندمل جرحه أما إذا صار عاجزا بذلك الفعل فعليه قيمة ما نقص من ثمنه بهذا الفعل )