معنى الحيض في اللغة السيلان يقال : حاض الوادي إذا سال به الماء وحاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ الأحمر وحاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة إذا جرى دم حيضها ويسمى الحيض الطمث والضحك والإعصار وغير ذلك .
أما معناه في اصطلاح الفقهاء فقد ذكرناه مفصلا في المذاهب تحت الخط الذي أمامك ليسهل حفظه ومعرفة ما اشتمل عليه ( المالكية قالوا : الحيض دم خرج بنفسه من قبل امرأة في السن التي تحمل فيه عادة ولو كان دفقة واحدة وإليك بيان كل كلمة من كلمات التعريف : فأما قوله : دم فإن المراد به عندهم ما كان ذا لون أحمر خالص الحمرة أو كان ذا لون أصفر أو كان ذا لون أكدر وهو ما كان وسطا بين السواد والبياض فالحيض يشمل أنواع الدم الثلاثة المذكورة وإن كان الدم في الحقيقة مختصا بما كان لونه أحمر خالص الحمر وهذا هو المشهور في مذهب المالكية فلو فرض وخرج من قبل المرأة التي في سن الحيض ماء أصفر أو أكدر فإنها تكون حائضا كما إذا رأت دما أحمر وبعضهم يقول : إن الحيض هو الدم الأحمر أما الأصفر والأكدر فليس بحيض ملطقا وبعضهم يقول : إن الأصفر والأكدر إذا نزل في زمن الحيض كان حيضا وإلا فلا ويرى بعض المحققين أن هذا القول هو أصح الأقوال وأما قوله : خرج بنفسه من قبل امرأة فمعناه أن دم الحيض المعتبر هو ما خرج بدون سبب من الأسباب فإذا خرج الدم بسبب الولادة لا يكون حيضا بل يكون نفاسا وسيأتي حكم النفاس وإذا خرج بسبب افتضاض البكارة فأمره ظاهر لأنه يكون كالدم الخارج من يد الإنسان أو أنفه أو أي جزء من أجزاء بدنه فليس على المرأة إلا تطهير المحل الملوث به أما أن تصوم الحيض بسبب دواء في غير موعده فإن الظاهر عندهم أنه لا يسمى حيضا ولا تنقضي به عدتها وهذا بخلاف ما إذا استعملت دواء ينقطع به الحيض في غير وقته المعتاد فإنه يعتبر طهرا ويتنقضي به العدة على أنه لا يجوز للمرأة أن تمنع حيضها أو تستعجل إنزاله إذا كان ذلك يضر صحتها لأن المحافظة على الصحة واجبة وحاصل هذا القيد أن الحيض يشترط فيه أن يكون خارجا من قبل المرأة فلو خرج من دبرها أو أي جزء من أجزاء بدنها فإنه لا يكون حيضا وأن يخرج بنفسه لا بسبب من الأسباب وإلا فلا يكون حيضا وقوله في السن الذي تحمل فيه عادة . خرج به الدم الذي تراه الصغيرة التي لا تحيض والدم الذي تراه الكبيرة الآيسة من الحيض فإنه لا يكون حيضا فأما الصغيرة عندهم فهي ما كانت دون تسع سنين فإذا رأت هذه دما فإنه لا يكون حيضا جزما أما إذا رأته بنت تسع سنين فإنه يسأل عنه أهل الخبرة من النساء العارفات أو الطبيب الأمين فإن قالوا : إنه دم حيض فذاك وإلا فلا ومثل بنت تسع بنت عشر سنين إلى ثلاثة عشر فإنه يسأل عن دمها أهل الخبرة ويقال لمن بلغت ثلاث عشرة : مراهقة فإن زاد سنها على ثلاث عشرة فإنه يكون حيضا جزما وأما الكبيرة فإن بلغ سنها خمسين سنة فإنه يسأل عن دمها أهل الخبرة ويعمل برأيهم إلى أن تبلغ سن السبعين وفي هذه الحالة إذا رأت دما فإنه لا يكون حيضا قطعا على أن المالكية يسمون الدم الخارج بعد السبعين استحاضة ويسمون الدم الخارج من الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين دم علة وفساد خلافا للحنفية فإنه يطلقون عليه دم استحاضة لا فرق بين صغيرة وكبيرة ومن هذه القيود تعلم أن الحامل تحيض عند المالكية فإن رأت الحامل الدم بعد شهرين من حملها وهي المدة التي يظهر فيها الحمل عادة - فإن مدة حيضها تقدر بعشرين يوما إن استمر بها الدم ويستمر هذا التقدير إلى ستة أشهر وإن رأت الدم بعد مضي ستة أشهر فإن مدة حيضها تقدر بثلاثين يوما إذا استمر نزول الدم ويستمر هذا التقدير إلى أن تضع الحمل أما إذا رأت الدم في الشهر الأول أو الثاني فإن مدة حملها تكون كالمدة المعتادة وسنبينها في " مبحث مدة الحيض والطهر " وقوله : ولو كان الحيض دفقة الدفقة - بضم الدل وفتحها - الشيء الذي ينزل في زمن يسير ومعنى ذلك أن المرأة تعتبر حائضا ولو نزل منها دم يسير فلا تصح منها الصلاة إلا إذا طهرت وإذا كانت صائمة فسد صومها ووجب عليها القضاء على أن الدم اليسير لا تنقضي به العدة بل لا بد من أن يستمر نزول الدم يوما أو بعض يوم .
الحنفية قالوا : إن الحيض يصح أن يعتبر حدثا . كخروج الريح ويصح أن يعتبر من باب النجاسة كالبول فعلى الاعتبار الأول يعرفونه بأنه صفة شرعية توصف بها المرأة بسبب نزول الدم فتحرم وطأها وتمنعها من الصلاة والصيام وغير ذلك مما سيأتي في " مبحث ما لا يحل للحائض فعله " وعلى الاعتبار الثاني يعرفونه بأنه دم خرج من رحم امرأة غير حامل وغير صغيرة أو كبيرة - آيسة من المحيض - لا بسبب ولادة ولا بسبب مرض فقولهم : دم يشمل ما كان على لون من ألوان الدماء الستة وهي : الحمرة والكدرة والخضرة والتربية - نسبة للترب بمعنى التراب - والصفرة والسواد فإذا نزل من رحم المرأة سائل متصف بلون من هذه الألوان فإنه يكون دم حيض بشرط أن يخرج إلى ظاهر القبل والمراد به ما يظهر من فرج المرأة حال جلوسها فلو أحست بالدم من الداخل فوضعت قطنة أو نحوها منعت من وصوله إلى ظاهر قبلها فإنها لا تكون حائضا فلو كانت صائمة وأحست بدم الحيض من الداخل ثم وضعت قطنة ونحوها منعت من وصوله إلى ظاهر القبل فإن صيامها لا يفسد ثم إذا وصل الدم إلى الظاهر كانت المرأة حائضا ولو لم يكن الدم سائلا لأن السيلان ليس شرطا في الحيض عندهم فلو رأت الدم وانقطع قبل عادتها ثم عاد ثانيا فإنها تعتبر حائضا في الزمن الذي انقطع فيه ولا يقال : إن الحيض هو الدم فكيف تعتبر حائضا مع انقطاعه لأنهم يقولون : إنها في هذه الحالة تكون حائضا حكما بمعنى أن الشارع حكم بحيضها وإن لم ينزل الدم بالفعل وقولهم : غير حامل خرج به الدم الذي تراه المرأة وهي حامل فإنه لا يقال له : دم حيض عند الحنفية وقولهم : غير صغيرة وغير كبيرة خرج به الدم الذي تراه الصغيرة وهي من لم تبلغ سبع سنين فإنه لا يسمى حيضا ومثله الدم الذي تراه الكبيرة وهي التي زاد سنها على خمس وخمسين سنة ويقال لها : آيسة من المحيض : فإنه لا يسمى حيضا وذلك هو المعتمد عندهم ومن زادت على خمس وخمسين سنة إذا رأت دما قويا كالحيض فإنه يعتبر حيضا والحاصل أن الدم الذي تراه الحامل أو الصغيرة أو الآيسة من الحيض لا يقال له : حيض وإنما يقال له : استحاضة أما دم افتضاض البكارة فأمر ظاهر لأنه ليس من الرحم فلا يقال له : حيض باتفاق وبعضهم يقتصر في التعريف على قوله : دم خرج من رحم امرأة ويعلل ذلك بأن دم الاستحاضة لا يخرج من الرحم الذي هو وعاء الولد وإنما يقال له : خرج من الفرج ولعل هذا التدقيق من اختصاص الأطباء أما الفقهاء فإنهم لا يحتاجون إليه وما داموا قد حددوا سن المرأة التي تعتبر حائضة من صغرها إلى شيخوختها وحددوا مدة معينة لأكثر الحيض وأقله فإن كل ما وراء ذلك تدقيق لا ينبغي الخوض فيه غلا للعالم بالطب الذي يمكنه أن يعرف عمليا الفرق بين دم الاستحاضة ودم الحيض وهل هما يخرجان من محل واحد أو لا .
الشافعية قالوا : الحيض هو الدم الخارج من قبل المرأة السليمة من المرض الموجب لنزول الدم إذا بلغ سنها تسع سنين فأكثر من غير سبب ولادة فقولهم : الدم المراد بالدم ما كان له لون من ألوان الدماء وألوان الدماء خمسة : أحدها : السواد وهو أقواها عندهم ثانيها : الحمرة وهي تلي السواد في القوة : ثالثها : الشقرة وهي تلي الحمرة في القوة ورابعها : الكدرة وقد عرفت معناها فيما تقدم للمالكية وهي تلي السواد خامسها : الصفرة وهي تلي الكدرة وقيل : بل الصفرة أقوى من الكدرة وعلى كل فالأمر سهل لأنها جميعها يقال لها : حيض وقوله : الخارج من قبل المرأة المراد به أقصى الرحم فالدم عندهم يخرج من عرق في أقصى الرحم سواء كانت المرأة حاملا أو غير حامل لأن الحامل تحيض عند الشافعية كالمالكية خلافا للحنفية والحنابلة وتعتبر مدة الحيض بالنسبة للحامل كعادتها وهي غير حامل فالدم الذي يخرج من غير الرحم لا يسمى حيضا طبعا سواء خرج من القبل كالخارج بسبب إزالة البكارة أو خرج من الدبر أو من أي جزء من أجزاء البدن وقوله : السليمة من المرض الموجب لنزول الدم خرج به الدم الذي ينزل من الرحم بسبب المرض ويقال له : دم استحاضة . وقوله : إذا بلغ سنها تسع سنين خرج به الدم الذي ينزل من الصغيرة وهي ما دون تسع سنين فإنه لا يسمى حيضا بل يسمى استحاضة كما يسميه الحنفية . خلافا للمالكية الذين يقولون : إن الدم الخارج من قبل الصغيرة لا يسمى استحاضة وإنما يقال له : دم علة وفساد ولاحد لنهاية مدة الحيض عند الشافعية فإنهم يقولون : إن المرأة يمكن أن تحيض ما دامت على قيد الحياة نعم الغالب انقطاع الحيض بعد اثنتين وستين سنة فإذا رأت المرأة الدم بعد هذا السن كانت حائضا وقد خالفوا في ذلك الأئمة الثلاثة : وقوله : من غير سبب الولادة خرج به دم النفاس وسيأتي بيانه بعد .
الحنابلة قالوا : الحيض دمطبيعي يخرج من قعر رحم الأنثى حال صحتها وهي غير حامل في أوقات معلومة من غير سبب ولادة فقولهم : دم الغالب فيه أن يكون ذا لون أسود أو أحمر أو أكدر وقولهم : طبيعي معناه أنه لازم للمرأة بأصل خلقتها وهذا القيد متفق عليه في المذاهب وقولهم : يخرج من قعر رحم الأنثى خرج به الدم الذي يخرج من محل آخر من أجزاء البدن فإنه ليس بحيض وقولهم : وهي غير حامل خرج به الدم الذي تراه الحامل فإنه ليس بحيض وهذا موافق لما يراه الحنفية ومخالف لما يراه المالكية والشافعية كما تقدم وقوله : في أوقات معلومة خرج به ما تراه الصغيرة وهي ما دون تسع سنين أو تراه الكبيرة الآيسة من المحيض وهي عندهم المرأة التي تبلغ خمسين سنة فلو رأت الدم بعدها لا تكون حائضا ولو كان قويا وقولهم : من غير سبب ولادة خروج به النفاس ) من بيان معنى دم الحيض وبيان هل الحامل تحيض أو لا وبيان السن الذي يمكن فيها الحيض وبيان القدر الذي يعتبر حيضا ونحو ذلك