من أراد ألإحرام فإنه يطلب منه أمور : بعضها سنة وبعضها مندوب وقد رأينا أن نذكرها مفصلة في كل مذهب على حدة ليسهل حفظها فانظرها تحت الخط ( الحنفية قالوا : يطلب منه أمور : منها الاغتسال وهو سنة مؤكدة ويقوم مقامه الوضوء في تحصيل أصل السنة ولكن الغسل أفضل وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة فيطلب من الحائض أو النفساء حال الحيض النفاس وإذا فقد الماء سقط ولم يشرع بدله التيمم إذ لا نظافة في التيمم ومنها قص الأظافر وحلق الشعر المأذون في إزالته . كشعر الرأس والشارب إذا اعتاد حلق ذلك وإلا فيسرحه وهذا مستحب ويكون قبل الغسل ومنها جماع زوجته إذا لم يكن بها مانع لئلا يطول عليه العهد فيقع فيما يفسد الإحرام وهو مستحب أيضا ومنها لبس إزار ورداء والإزار هو ما يستتر له من سرته إلى ركبته والرداء هو ما يكون على الظهر والصدر والكتفين وهو مستحب أيضا وإن زرر أو عقده أساء ولا دم عليه ويستحب أن يكون الإزار والرداء جديدين أو مغسولين طاهرين وأن يكونا أبيضين ومنها التطيب في البدن والثوب بطيب لا تبقى عينه بعد الإحرام وإن بقيت رائحته وهو مستحب إن كان عنده طيب وإلا فلا يستحب ومنها أن يصلي بعدما تقدم ركعتين إذا كان الوقت ليس وقت كراهة وإلا فلا يصلي وهذه الصلاة سنة على الصحيح والأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة { قل يا أيها الكافرون } وفي الثانية بالفاتحة وسورة الإخلاص ويقوم مقامها الصلاة المفروضة إذا أحرم بعدها ومنها أن يقول بلسانه قولا مطابقا لما في قلبه : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني ثم يلبي بعد ذلك وصفة التلبية أن يقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ويصلي على النبي A بعد الفراغ من التلبية بصوت منخفض ويكثر ما استطاع من التبية عقب كل صلاة مكتوبة وكذا كلما لقي ركبا أو ارتفع على مكان أو هبط واديا وكذا يكثرها بالأسحار وحين يستيقظ من نومه وعند الركوب والنزول ويستحب في التلبية كلها رفع الصوت بدون إجهاد .
المالكية قالوا : يسن له أن يغتسل ولو كان حائضا أو نفساء لأنه مطلوب للإحرام وهو يتأتى من كل شخص ولا تحصل السنة إلا إذا كان متصلا بالإحرام فلو اغتسل ثم انتظر طويلا عرفا بلا إحرام أعاده ويندب أن يكون الغسل بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام لمن أراد أن يحرم من ذي الحليفة وإذا كان فاقدا للماء فلا يشرع له التيمم بدل الغسل ويسن أيضا تقليد الهدي إن كان معه ثم إشعاره بعد ذلك والتقليد هو : تعليق قلادة في عنقه ليعلم به المساكين فتطمئن نفوسهم والإشعار هو أن يشق من السنام قدر الأنملة أو الأنملتين ويكون بالجانب الأيسر ويبدأ به من العنق إلى المؤخر وإنما تقلد الإبل والبقر ولا يشعر إلا الإبل وما له سنام من البقر أما الغنم فلا تقلد ولا تشعر ويندب أن يلبس إزارا ورداء ونعلين والإزار هو ما يستر العورة من السرة إلى الركبة والرداء هو ما يلقى على الكتفين ولو لبس غيرهما مما ليس مخطيا ولا محيطا فلا يضر ولكن يفوت المندوب ومن السنن إيقاع الإحرام عقب صلاة ويندب أن يكون ركعتي نفل إن كان الوقت مما تجوز فيه النافلة وإلا انتظر حتى تحل النافلة والأولى أن يحرم الراكب إذا استوى على ظهر دابته والماشي إذا أخذ في المشي ويسن قرن الإحرام بالتلبية كما تقدم والتلبية في ذاتها واجبة ويندب تجديدها عند تغير الحال كصعود على مرتفع أو هبوط إلى واد أو ملاقاة رفقة وعقب الصلاة ويستمر يلبي حتى يدخل مكة ثم يقطعها حتى يطوف ويسعى إذا أراد السعي عقب طواف القدوم ثم يعاودها بعد ذلك حتى تزول الشمس يوم عرفة ويصل إلى مصلاها فيقطعها حينئذ فإن لم يعاودها كان تاركا للواجب وعليه دم ويندب التوسط فيها فلا يداب عليها حتى يمل ويضجر كما يندب التوسط في رفع صوته بها فلا يخففه جدا ولا يرفعه جدا بل يكون بين الرفع والخفض ويندب الاقتصار على اللفظ الوارد عن النبي A وهو : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
الحنابلة قالوا : يسن له أن يغتسل ولو حائضا أو نفساء أو يتيمم لعدم الماء . أو عجزه عن استعماله بمرض ونحوه ولا يضر حدث بين الغسل والإحرام ويسن له أيضا أن يتنظف قبل إحرامه بأخذ شعره وقلم ظفره وإزالة رائحة كريهة ويسن له أيضا أن يطيب بدنه بالطيب وكره تطييب ثوبه فإن طيبه واستدام لبسه فلا بأس ما لم ينزعه فإن نزعه لم يجز له لبسه قبل غسله ويسن له أيضا قبل إحرامه لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين ونعلين بعد تجرده عن المخيط إن كان ذكرا ويسن له إحرامه عقب صلاته مفروضة أو نافلة بشرط أن لا يكون أداء النافلة وقت نهي وأن لا يكون عادما للماء والتراب ويسن أن يعين في إحرامه نسكا حجا كان أو عمرة أو قرانا وأن يتلفظ بما يعينه ويسن له أن يقول : اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإن فعل ذلك وحبس بمرض أو عدو ونحوه حل ولا شيء عليه .
الشافعية قالوا : يسن لمن يريد الإحرام أمور : منها الغسل قبله ولو مع بقاء الحيض وينوي به غسل الإحرام ويكره تركه لغير عذر فإن عجز عنه لعدم الماء أو لعدم قدرته على استعماله يتيمم ومنها إزالة شعر الإبط والعانة وقص الشارب وتقليم الأظافر وحلق الرأس لمن يتزين به وإلا أبقاه ولبده بنحو صمغ وهذا إذا كان عازما على عدم التضحية وإلا أخر ذلك إلى ما بعدها ويسن تقديم هذه الأشياء على الغسل في حق غير الجنب أما هو فيسن له تأخيرها عنه ومنها تطييب البدن بعد الغسل إلا لصائم فيكره وإلا للمرأة التي وجب عليها الإحداد - ترك الزينة - لوفاة زوجها فيحرم ولا بأس باستدامته بعد الإحرام ولو كان مما له جرم ولا يضر تعطر الثوب بسبب ذلك ومنها الجماع قبل إحرامه ومنها أن تخضب المرأة يديها إلى الكوعين من غير نقش وأن تمسح وجهها بشيء من الخضاب ومنها أن يلبس إن كان رجلا إزارا ورداء أبيضين جديدين وإلا فمغسولين ونعلين ويكره لبس المصبوغ ومنها صلاة ركعتين سنة الإحرام القبلية في غير وقت الكراهة إلا لمن كان في الحرم المكي فيصليها مطلقا ويقوم مقامها أي صلاة يصليها فرضا أو نفلا ويسر القراءة فيهما ولو ليلا ومنها استقبال القبلة عند بدء الإحرام ويقول : اللهم احرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي ومنها التلبية وهي أن يقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك يقول ذلكبسكينة ووقار للذكر ويسن أن يرفع صوته بها ما دام محرما فإن لم يكن محرما فالسنة الإسرار بها كما أن السنة للمرأة أن تسر بها على كل حال ويكره لها رفع الصوت بها بحضرة الأجانب ومثلها الخنثى ويصلي ويسلم عقبها على النبي A وتتأكد التلبية ثلاثا عند تغير الأحوال من سكون إلى حركة وصعود وهبوط واختلاط رفقة وإقبال ليل أو نهار ثم يدعو بعدها بما شاء والوارد أفضل )