اجتهد رأيه وهو حديث صالح للعمل به كما بيناه في غير هذا الموضع ولا يصلح لنقض حكم الحاكم المتأهل مع وجود دليل يعارض دليله إذا كان ما عمل به صالحا للاحتجاج به لأن ذلك هو فرضه عند تعارض الأدلة أما إذا تبين أن الحاكم المتأهل أخطأ في الحكم فلا يجوز إقرار حكمه بل يجب على الحاكم الآخر نقضه لما قدمنا لك أن مجرد تأهل الحاكم للقضاء ليس يعصمه ولهذا يقول الصادق المصدوق في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن اجتهد فأصاب فله أجران فقد جعل النبي A حكمه مترددا بين الصواب والخطأ فليست الأهلية بعصمة عن الخطأ كما في هذا القول النبوي وذلك بأن يستند في حكمه إلى رأي والدليل الصحيح الذي تقوم به الحجة موجود فإن الحكم المبني على هذا الرأي منقوض بالدليل الصحيح الذي مضروب به وجه الحاكم لأن شرع الله سبحانه واحد لا يخرج بخطأ الحاكم عن كونه شرعا والتعبد به للعباد ثابت قبل الحكم وبعده في هذا القضية التي حكم فيه الحاكم وغيرها وعلى هذا المحكوم له أو عليه وعلى غيرهما أما إذا كان القاضي المتولي للحكم غير متأهل للقضاء فحكمه باطل من أصله لأنه صادر عن غير حاكم لكنه إذا وافق الحق فقبوله واجب من حيث كونه لا حقا من حيث كونه صادرا عن غير من يصلح للقضاء لأن الحق حق في نفسه لا يخرج بحكم من ليس بمتأهل للقضاء عن كونه حقا وإن كان القاضي الذي ليس بمتأهل آثما لأنه قضى بالحق وهو لا يعلم به فهو أحد قاضيي النار كما تقدم في الحديث لأنه لا يعرف كون الحكم الذي حكم به حقا أو باطلا إذ هو لا يتعقل الحجة فضلا عن أن يحكم بها بين الناس .
وإذا تقرر لك هذا عرفت أن مرجع لزوم حكم الحاكم ووجوب امتثاله وتحريم نقضه يرجع إلى كونه مطابقا للحق وعدم لزومه وجواز نقضه يرجع إلى كونه مخالفا للحق ومثل هذه الموافقة والمخالفة لا تخفى على المحققين من أهل العلم المشتغلين بأدلة