هذا لو قدرنا أن تلك الأسباب لم يرد ما يدل على سببية غيرها ومعلوم أن التنصيص على بعض الأسباب لا ينفي سببية غيرها وأما ما قيل من أنه قد ورد ما يدل على انحصار الأسباب فيها وهو قوله A وليس لك إلا ذلك بعد قوله شاهداك أو يمينه فيجاب عنه بأن هذا إنما يكون دليلا لو علمنا أن النبي A قد علم بالواقع في تلك القضية وترك العمل بعلمه وعدل إلى طلب البينة واليمين ولم يثبت ذلك على أنه يرد على هذا الحصر إقرار من عليه الحق فإنه أقوى في السببية للحكم من البينة واليمين .
فالحاصل أن الحاكم بعلمه حاكم بالعدل والحق والتعليل بالتهمة لا وجه له ولا التفات إليه فإنه التهمة عن الحكام العادلين العارفين بما شرعه الله المتعلقين لحجج الله سبحانه منتقية ولا يعود عليهم من ذلك غرض يصلح لجعله علة أصلا وليس محل النزاع هو الحاكم المتهم بل محل النزاع هو الحاكم الجامع لما قدمنا ذكره في شروط القضاء وهو أبعد عن الريب وأنزه من أن يزن بعيب .
وأما استثناء الحدود فوجهه أنه إذا لم يحصل النصاب المعتبر فيها كان ذلك شبهة وهي تدرأ بالشبهات وأما ما استدل به على هذا الاستثناء من قوله A لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها كما تقدم في قصة الملاعنة فليس فيه أن النبي A قد علم بوقوع الفاحشة منها ولكنه استدل على ذلك بما ظهر من القرائن كما تضمنته القصة وليس ذلك من باب العلم ومع هذا فالبينة هي ما يتبين به الشيء وتظهر عنده حقيقته والعلم من الحاكم من هذه الحيثية بينة بل هو أقوى بينة ولعله يأتي في الحدود ما يزيدك بصيرة إن شاء الله