أقول وجه هذا أن الحاكم مأمور بأن يحكم بين الناس وهو إن كان من الناس فهو خارج عنهم من هذه الحيثية لأن الحكم لا يصدق عليه هذا المعنى وهو أحد الخصمين وقد قدمنا في الشهادات الأدلة الدالة على المنع من شهادة المتهم وأي تهمة أقوى من أن يحكم الحاكم لنفسه وهو وإن كان من له وازع من الورع وزاجر من الدين لا يقدم على الحكم لنفسه بالباطل لكن الحكم للغالب ولا اعتبار بالنادر وهكذا الحكم لعبده لأنه حكم لنفسه لأن ماله لسيده عند من يقول بأن العبد لا يملك وهكذا الحكم لشريك فإنه حكم لنفسه فكان يغني عن التطويل الاقتصار على قوله ولنفسه وهو يتناول الحكم لها على استيلاء والحكم لها بواسطة والحكم لها ولغيرها ولا حاجة إلى قوله بل يرافع إلى غيره لأن منعه من الحكم لنفسه يستلزم أن يكون الحاكم غيره .
وأما قوله وكذلك الإمام فهو وإن كان صحيحا لكنه ينبغي أن يذكر في الأحكام المتعلقة بالأئمة وسيأتي في كتاب السير إن شاء الله .
قوله قيل وتعمد المسجد .
أقول قد كان يقع القضاء في مسجده A منه ومن خلفائه الراشدين ولم يرد ما يدل على المنع من ذلك ولا ثبت في النهي عنه شيء وأما ما روي من النهي عن رفع الأصوات في المساجد على فرض قيام الحجة به فغاية ما هناك أنه يزجر من رفع صوته من الخصوم ويعاقب فإن القاضي إذا فعل ذلك تجنب الخصوم ما يشوش على المصلين من أصوات وغيرها وقد أنزل رسول الله A وفد ثقيف المسجد وهم باقون على شركهم وأذن للحبشة بأن يلعبوا فيه بحرابهم وكانوا يتناشدون فيه الأشعار وفي هذه الأمور من التشويش على المصلين زيادة على ما يحصل من قعود خصمين أو أكثر بين يدي الحاكم في المسجد مع ما هو معلوم مع أن القضاء بالحق هو من العمل بالشريعة وتبليغها إلى العباد ونشر أحكامها