وأما تقديم البادي من المتخاصمين على الحاضر منهم فوجهه أنه يصحب البادي من المشقة ما لا يلحق الحاضر فهذا التقديم فيه ضرب من الصلاح وللحاكم أن يفعل ما يراه أوفق لمراد الله وأرفق بأهل الخصومات وهكذا التنسم لأنه مع اجتهاده لنفسه قد يوقع الحكم حال الفتوى المقتضي لعدم التثبت أو للحكم حال الغضب ففي هذا ضرب من الصلاح وهو لا يؤاخذ إلا بما يقدر عليه ويدخل تحت طاقته .
قوله واستحضار العلماء .
أقول هذا الاستحضار قد يتسبب عنه تحفظ الحاكم وتحريه لما تقتضيه المسالك الشرعية وإن كان الحاكم العدل المتورع يفعل في تثبته مع الخلو ما يفعله مع الحضور ويراقب الله سبحانه في كل حالاته نعم أعظم فوائد حضور أهل العلم الذين هم أهله أن يستعين بهم في تقويمه إذا زاغ من الحق ويأذن لهم بذلك فإن هذه فائدة عظيمة وإن كان من الأئمة المجتهدين فإنه قد تتشعب طرائق الاجتهاد فيكون بعضها أوفق من بعض وأقرب إلى قطع الخصومة وطيبة نفس الخصوم والموافقة للحق .
قوله ويحرم تلقين أحد الخصمين وشاهده إلا تثبتا .
أقول أما تعريف الخصم لما يجب له وعليه فهو واجب على الحاكم كما فعله رسول الله A حيث قال ألك بينة وقال فلك يمينه وقال شاهداك أو يمينه .
والحاصل أن أحكام الشرع ليست بمقامرة ولا مخادعة ولا مماكرة بل هي الجادة الواضحة التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا جاحد فإذا أوضح الحاكم للخصمين أو أحدها وما يجب وما لا يجب في وجه الشرع فذلك من عهدته ومن تمام ما يتحصل به الحكم بالحق والعدل ومما أنزل الله وأما إذا كان التلقين بتنبيه أحد الخصمين على ما يدل على