أقول أما إذا كانوا عدولا مرضيين فلا يجوز هذا التفريق لأنه يفت في أعضادهم وعضد من شهدوا له بغير سبب يوجب ذلك مع كونه لم يرد به شرع يجب اتباعه ويتعين المصير إليه وأما إذا كان حالهم عند الحاكم ملتبسا فأراد أن يختبر صدقهم واتفاقهم على ما شهدوا به فلا بأس بهذا فإنه مما يتوصل به إلى إثبات الحق ودفع الباطل وقد انتفعنا بهذا التفريق في غير قضية ولا سيما إذا كان الشهود قد جاءوا في الشهادة بلفظ واحد من غير اختلاف فإن ذلك مما يؤذن بالريبة ويدعو إلى التهمة بأنهم قد تواطئوا أن يشهدوا بذلك اللفظ وتواصوا به بينهم والغالب في شهادة الصدق أن يؤدي كل شاهد معنى ما شهد به الآخر بألفاظ يعبر بها عند التأدية سواء وافقت لفظ من شهد معه أو خالفته مع الاتفاق على المعنى .
ومما يوضح الصدق من الكذب مع الريبة أن يفرقهم الحاكم ثم يسألهم عن صفات تتعلق بالزمان أو المكان أو الحال وينوع لهم ذلك فإن الشهادة الكاذبة عند ذلك تتعثر غاية التعثر ويظهر خللها ويتبين صدقها .
وأما قوله إلا في شهادة زنا فلا وجه له وما عللوا به من أنهم يكونون قذفة تعليل باطل ليس عليه أثارة من علم بل ولو شهد كل واحد منهم في وقت غير الذي شهد به الآخر وإن تباعدت الأوقات كما وقع في شهادة الشهود على المغيرة فإن زيادا تأخر وشهد في وقت آخر وقد حضر ذلك أعيان الصحابة ولم ينكروه ولا قالوا إن المتأخر قاذف .
قوله ولا يسألون عن سبب ملك شهدوا به .
أقول وجه هذا أنهم قد أدوا ما عليهم من الشهادة على الملك بما قد علموه من ثبوت يد المشهود له على ذلك الشيء وتصرفه به تصرف المالك في ملكه فالسؤال لهم عن سبب الملك سؤال لا يجب عليهم معرفته ولا تلازم بينه وبين صحة شهادتهم