- الحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة وإن كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف الناس في ذلك فذهبت العترة والجماهير من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف .
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي .
وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي .
احتج الأولون على عدم كفره بقول الله D { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وبما سيأتي في الباب الذي بعد هذا من الأدلة .
واحتجوا على قتله بقوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة [ ص 370 ] فخلوا سبيلهم } وبقوله A ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) الحديث متفق عليه . وتأولوا قوله A : ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) وسائر أحاديث الباب على أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو على أن فعله فعل الكفار .
واحتج أهل القول الثاني بأحاديث الباب .
واحتج أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول وعلى عدم القتل بحديث : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) وليس فيه الصلاة .
والحق أنه كافر يقتل أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة فتركها مقتض لجواز الإطلاق ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرا فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها ( 1 ) وأما أنه يقتل فلأن حديث : ( أمرت أن أقاتل الناس ) يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له وكذلك سائر الأدلة المذكورة في الباب الأول ولا أوضح من دلالتها على المطلوب [ ص 371 ] وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فلا يخلى من لم يقم الصلاة .
وفي صحيح مسلم ( سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ عنقه ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقالوا : ألا نقاتلهم قال : لا ما صلوا ) فجعل الصلاة هي المانعة من مقاتلة أمراء الجور . وكذلك قوله لخالد في الحديث السابق ( لعله يصلي ) فجعل المانع من القتل نفس الصلاة .
وحديث ( لا يحل دم امرئ مسلم ) لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة . والمراد بقوله في حديث الباب ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) كما قال النووي إن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة فإن تركها لم يبق بينه وبين الكفر حائل . وفي لفظ مسلم ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) .
ومن الأحاديث الدالة على الكفر حديث الربيع بن أنس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا ) ذكره الحافظ في التلخيص وقال : سئل الدارقطني عنه فقال : رواه أبو النضر عن أبي جعفر عن الربيع موصولا وخالفه علي بن الجعد فرواه عن أبي جعفر عن الربيع مرسلا وهو أشبه بالصواب . وأخرجه البزار من حديث أبي الدرداء بدون قوله ( جهارا ) وأخرج ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعا ( تارك الصلاة كافر ) واستنكره . ورواه أبو نعيم من حديث أبي سعيد وفيه عطية وإسماعيل بن يحيى وهما ضعيفان .
قال العراقي : لم يصح من أحاديث الباب إلا حديث جابر المذكور . وحديث بريدة الذي سيأتي وأخرج ابن ماجه من حديث أبي الدرداء قال : ( أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا تشرك بالله وإن قطعت وحرقت وأن لا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر ) قال الحافظ : وفي إسناده ضعف . ورواه الحاكم في المستدرك ورواه أحمد والبيهقي من طريق أخرى وفيه انقطاع .
ورواه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت ومن حديث معاذ بن جبل وإسنادهما ضعيفان . وقال ابن الصلاح والنووي : إنه حديث منكر .
واختلف القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة فالجمهور أنه يضرب عنقه بالسيف وقيل يضرب بالخشب حتى يموت واختلفوا أيضا في وجوب الاستتابة فالهادوية توجبها وغيرهم لا يوجبها لأنه يقتل حدا ولا تسقط التوبة الحدود كالزاني والسارق وقيل إنه [ ص 372 ] يقتل لكفره فقد حكى جماعة الإجماع على كفره كالمرتد وهو الظاهر وقد أطال الكلام المحقق ابن القيم في ذلك كتابه في الصلاة والفرق بينه وبين الزاني واضح فإن هذا يقتل لتركه الصلاة في الماضي وإصراره على تركها في المستقبل والترك في الماضي يتدارك بقضاء ما تركه بخلاف الزاني فإنه يقتل بجناية تقدمت لا سبيل إلى تركها واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة والأحاديث قاضية بذلك والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه .
قال أحمد بن حنبل : إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال لا أصلي حتى خرج وقتها وجب قتله وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو غسل أو استقبال قبلة أو ستر عورة وكل ما كان ركنا أو شرطا .
_________ .
( 1 ) قال العلامة ابن رجب : وأما إقام الصلاة فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام ثم ساق حديث جابر وبعض ما ذكر هنا ثم قال : وفي حديث معاذ عن النبي A : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط ولا يثبت إلا به ثم قال : وقال عمر : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقال سعد وعلي بن أبي طالب : من تركها فقد كفر وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب رسول الله A لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة . وقال أبو أيوب السختياني : ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه ثم قال : وحكى إسحاق إجماع أهل العلم عليه وقال محمد بن نصر المروزي : هو قول جمهور أهل العلم من المحدثين اه من جامع العلوم والحكم .
وقال المنذري في الترغيب والترهيب : من ترك الصلاة قال أبو محمد ابن حزء : وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة Bهم : أن من ترك صلاة فرض واحد متمعدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد لا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا .
قال الحافظ عبد العظيم : قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله ابن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وأبو الدرداء Bهم ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه وعبد الله ابن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب الستختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر ابن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم رحمهم الله تعالى اه من الترغيب والترهيب والله أعلم