- قوله ( أمرت ) قال الخطابي : معلوم أن المراد بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلا الله [ ص 365 ] ويقاتلون ولا يرفع عنهم السيف وهذا التخصيص بأهل الأوثان إنما يحتاج إليه في الحديث الذي اقتصر فيه على ذكر الشهادة وجعلت لمجردها موجبة للعصمة . وأما حديث الباب فلا يحتاج إلى ذلك لأن العصمة متوقفة على كمال تلك الأمور ولا يمكن وجودها جميعا من غير مسلم .
والحديث يدل على أن من أخل بواحدة منها فهو حلال الدم والمال إذا لم يتب وسيأتي ذكر الخلاف وبيان ما هو الحق في الباب الذي بعد هذا . وفي الاستتابة وصفتها ومدتها خلاف المعروف في الفقه .
قوله ( إلا بحق الإسلام ) المراد ما وجب به من شرائع الإسلام إراقة الدم كالقصاص وزنا المحصن ونحو ذلك أو حل به أخذ جزء من المال كأروش الجنايات وقيم المتلفات وما وجب من النفقات وما أشبه ذلك .
قوله ( وحسابهم على الله ) المراد فيما يستسر به ويخفيه دون ما يعلنه ويبديه . وفيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء .
وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل ويحكى ذلك عن أحمد بن حنبل قاله الخطابي .
وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه وأوضحه . قال النووي : وقد اختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق ( 1 ) وهو الذي ينكر الشرع جملة قال : فذكروا فيه خمسة أوجه لأصحابنا والأصوب فيها : قبولها مطلقا للأحاديث الصحيحة المطلقة . والثاني : لا تقبل ويتحتم قتله لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة فكان من أهل الجنة . والثالث : إن تاب مرة واحدة قبلت توبته فإن تكرر ذلك منه [ ص 366 ] لم تقبل . والرابع : إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه وإن كان تحت السيف فلا . والخامس : إن كان داعيا إلى الضلال لم يقبل منه وإلا قبل .
قال النووي : وأيضا ولا بد مع هذا يعني القيام بالأمور المذكورة في الحديث من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الرواية الأخرى التي أشار إليها المصنف وهي من حديث أبي هريرة في صحيح مسلم بلفظ : ( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) .
_________ .
( 1 ) ومن هؤلاء الزنادقة ملحدوا أهل زمننا الذين يقلدون الفرنج في الإلحاد تقليدا أعمى ويقولون إن الشرائع الإسلامية لا تلائم روح العصر الحاضر ولا يتفق قطع يد السارق مثلا ومظاهر التحضر والتمدين الذي لا يعدو بعض شهوات النفوس وما تهواه من لذة النساء أو المال وهذا كل ما يتغنون به من الحضارة فأما تزكية النفس وترقية الأخلاق وتهذيب الروح وتصفيتها من تلك الكدورات التي هي مثار الأنانية وحب الذات الذي طالما قضى على سعادة الإنسان وراحته وما العهد بالحرب الأوربية ببعيد وما أساسها إلا تلك المدنية والحضارة الموهومة أقول : أما كل ذلك الذي يهنأ به الإنسان وتحيا به الأمم أما ذلك النور الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم فقد أعلنوا براءتهم منه بل أعلنوا حربهم عليه ليس إلا لأنه دين سماوي جاء من عند الحكيم الخبير وأخذوا يهاجمونه من كل ناحية ويحاولون القضاء عليه يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . وعلماء الإسلام غافلون عن كل ذلك فيما هم فيه مما نسأل الله لهم منه العافية وأن ينزع من قلوبهم تلك التي فتنتهم وصرفتهم عن خدمته ما اعتزوا به والتجؤوا إليه والله وحده المسؤول أن يحفظنا من الفتن ويهدينا جميعا سبيله السوي وصراطه المستقيم