- قوله ( من عكل ) بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم .
قوله ( أو عرينة ) بالعين والراء المهملتين مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هذا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي والشك من حماد .
ورواه البخاري في المحاربين عن حماد أن رهطا من عكل أو قال من عرينة قال ولا أعلمه إلا قال من عكل .
ورواه في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطا من عكل ولم يشك .
وفي الزكاة رواه من طريق شعبة عن قتادة أن ناسا من عرينة ولم يشك أيضا . وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس .
ورواه أيضا البخاري في المغازي عن قتادة من عكل وعرينة بالواو العاطفة قال الحافظ : وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال : كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل .
وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان فعكل من عدنان وعرينة من قحطان .
قوله ( فاجتووا ) قال ابن فارس : اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة . وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة . وقيل الاجتواء عدم الموافقة في الطعام ذكره القزاز وقيل داء من الوباء ذكره ابن العربي . وقيل داء يصيب الجوف والاجتواء بالجيم .
قوله ( فأمر لهم بلقاح ) بلام مكسورة فقاف فحاء مهملة النوق ذوات اللبن واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف قال أبو عمرو يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون واللقاح المذكورة ظاهر الروايات إنها للنبي A .
وثبت في رواية للبخاري في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة بلفظ : ( فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة ) قال الحافظ : والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث رسول الله A بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج .
قوله ( أن يخرجوا فيشربوا ) في رواية للبخاري وأن يشربوا أي وأمرهم أن يشربوا . وفي أخرى له ( فاخرجوا فاشربوا ) وفي أخرى له أيضا ( فرخص لهم أن يأتوا فيشربوا ) .
قوله ( وقد ثبت الخ ) هو ثابت من حديث جابر بن سمرة عند [ ص 60 ] مسلم . ومن حديث البراء عند أبي داود والترمذي وابن ماجه . قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم : قد صح في هذا الباب حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة .
وقد استدل بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه وهو مذهب العترة والنخعي والأوزاعي والزهري ومالك وأحمد ومحمد وزفر وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني . أما في الإبل فبالنص وأما في غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس .
قال ابن المنذر ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل ويؤيد ذلك تقرير أهل العلم لمن يبيع أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم .
ويؤيده أيضا أن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة وأجيب عن التأييد الأول بأن المختلف فيه لا يجب إنكاره وعن الاحتجاج بالحديث بأنها حالة ضرورية وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } ومن أدلة القائلين بالطهارة حديث الإذن بالصلاة في مرابض الغنم السابق . وأجيب عنه بأنه معلل بأنها لا تؤذي كالإبل ولا دلالة فيه على جواز المباشرة والإلزام نجاسة أبوال الإبل وبعرها للنهي عن الصلاة في مباركها .
ويرد هذا الجواب بأن الصلاة في مرابض الغنم تستلزم المباشرة لآثار الخارج منها والتعليل بكونها لا تؤذي أمر وراء ذلك والتعليل للنهي عن الصلاة في معاطن الإبل بأنها تؤذي المصلي يدل على أن ذلك هو المانع لا ما كان في المعاطن من الأبوال والبعر .
واستدل أيضا بحديث لا بأس ببول ما أكل لحمه عند الدارقطني من حديث جابر والبراء مرفوعا . وأجيب بأن في إسناده عمرو بن الحصين العقيلي وهو واه جدا قال أبو حاتم : ذاهب الحديث ليس بشيء . وقال أبو زرعة : واهي الحديث . وقال الأزدي : ضعيف جدا . وقال ابن عدي : حدث عن الثقات بغير حديث منكر وهو متروك .
وفي إسناده أيضا يحيى بن العلاء أبو عمر البجلي الرازي قد ضعفوه جدا قاله الدارقطني وكان وكيع شديد الحمل عليه . وقال أحمد : كذاب . وقال يحيى : ليس بثقة . وقال النسائي والأزدي : متروك . واحتجوا أيضا بحديث ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) عند مسلم والترمذي وأبي داود من حديث وائل بن حجر وابن حبان والبيهقي من حديث أم سلمة وعند الترمذي وأبي داود من حديث أبي هريرة بلفظ : ( نهى رسول الله A عن كل دواء خبيث ) والتحريم يستلزم النجاسة والتحليل يستلزم الطهارة فتحليل التداوي بها دليل على طهارتها فأبوال الإبل وما يلحق بها طاهرة . وأجيب عنه بأنه محمول على [ ص 61 ] حالة الاختيار وأما في الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر فالنهي عن التداوي بالحرام باعتبار الحالة التي لا ضرورة فيها والإذن بالتداوي بأبوال الإبل باعتبار حالة الضرورة وإن كان خبيثا حراما ولو سلم فالتداوي إنما وقع بأبوال الإبل فيكون خاصا بها ولا يجوز إلحاق غيره به لما ثبت من حديث ابن عباس مرفوعا : ( إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم ) . ذكره في الفتح والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه على أن حديث تحريم التداوي بالحرام وقع في جواب من سأل عن التداوي بالخمر كما في صحيح مسلم وغيره ولا يجوز إلحاق غير المسكر به من سائر النجاسات لأن شرب المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف ذلك ويجاب بأنه قصر للعام على السبب بدون موجب والمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب .
واحتج القائلون بنجاسة جميع الأبوال والأزبال وهم الشافعية والحنفية ونسبه في الفتح إلى الجمهور . ورواه ابن حزم في المحلى عن جماعة من السلف بالحديث المتفق عليه أنه A ( مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر عن البول ) الحديث . قالوا : فعم جنس البول ولم يخصه ببول الإنسان ولا أخرج عنه بول المأكول وهذا الحديث غاية ما تمسكوا به .
وأجيب عنه بأن المراد به بول الإنسان لما في صحيح البخاري بلفظ : ( كان لا يستتر من بوله ) قال البخاري : ولم يذكر سوى بول الناس فالتعريف في البول للعهد قال ابن بطال : أراد البخاري أن المراد بقوله كان لا يستتر من البول بول الإنسان لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال : فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها قال في الفتح : ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله من بوله أو الألف واللام بدل من الضمير انتهى .
والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكا بالأصل واستصحابا للبراءة الأصلية والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا كذلك وغاية ما جاؤوا به من حديث صاحب القبر وهو مع كونه مرادا به الخصوص كما سلف عموم ظني الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة بما سلف .
وقد طول ابن حزم الظاهري في المحلى الكلام على هذه المسألة بما لم نجده لغيره لكنه لم يدر بحثه على غير حديث صاحب القبر ( فإن قلت ) إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبله لما تقدم حتى يرد [ ص 62 ] دليل فما الدليل على نجاسة بول غير المأكول وزبله على العموم .
قلت قد تمسكوا بحديث ( إنها ركس ) قاله A في الروثة أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وبما تقدم في بول الآدمي وألحقوا سائر الحيوانات التي لا تؤكل به بجامع عدم الأكل وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن علة النجاسة عدم الأكل وهو منتقض بالقول بنجاسة زبل الجلالة والدفع بأن العلة في زبل الجلالة هو الاستقذار منقوض باستلزامه لنجاسة كل مستقذر كالطاهر إذا صار منتنا إلا أن يقال إن زبل الجلالة هو محكوم بنجاسته لا للاستقذار بل لكونه عين النجاسة الأصلية التي جلتها الدابة لعدم الاستحالة التامة .
وأما الاستدلال بمفهوم حديث ( لا بأس ببول ما يؤكل لحمه ) المتقدم فغير صالح لما تقدم من ضعفه الذي لا يصلح معه للاستدلال به حتى قال ابن حزم : إنه خبر باطل موضوع قال : لأن في رجاله سوار بن مصعب وهو متروك عند جميع أهل النقل متفق على ترك الراوية عنه يروي الموضوعات فالذي يتحتم القول به في الأبوال والأزبال هو الاقتصار على نجاسة بول الآدمي وزبله والروثة . وقد نقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير ولكنه زاد ابن خزيمة في روايته إنها ركس إنها روثة حمار .
وأما سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فإن وجدت في بول بعضها أو زبله ما يقتضي إلحاقه بالمنصوص عليه طهارة أو نجاسة ألحقته وإن لم تجد فالمتوجه البقاء على الأصل والبراءة كما عرفت .
قال المصنف C في الكلام على حديث الباب ما لفظه : فإن أطلق الإذن في ذلك ولم يشترط حائلا بقي من الأبوال وأطلق الإذن في الشرب لقوم حديثي العهد بالإسلام جاهلين بأحكامه ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما يصيبهم منها لأجل صلاة ولا غيرها مع اعتيادهم شربها دل ذلك على مذهب القائلين بالطهارة انتهى