- حديث علي أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح لأنه من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه . وأخرجه أيضا أبو داود موقوفا من حديث مسدد عن يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة بالإسناد السابق إلى علي موقوفا بلفظ : ( يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم ) وأخرجه أيضا مرفوعا من حديثه بدون ما لم يطعم وجعله من قول قتادة . وكذلك أخرج عن أم سلمة أنها كانت تصب على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية .
وحديث أبي السمح أخرجه أيضا البزار وابن خزيمة من حديثه بلفظ : ( كنت أخدم رسول الله A فأتي بحسن أو بحسين فبال على صدره فجئت أغسله فقال يغسل ) الحديث . وصححه الحاكم قال أبو زرعة والبزار : ليس لأبي السمح غير هذا الحديث ولا يعرف اسمه . وقال البخاري : حديث حسن .
وحديث أم كرز الأول والثاني في إسنادهما انقطاع لأنهما من طريق عمرو بن شعيب عنها ولم يدركها وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب فقيل عنه عن أبيه عن جده كما رواه الطبراني وحديث أم الفضل أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والطبراني .
قوله ( لم يأكل الطعام ) المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغير ذلك . وقيل المراد بالطعام ما عدا اللبن فقط . ذكر الأول النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها الثاني . وقال في نكت التنبيه : إن لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وقيل لم يأكل أي لم يستقل بجعل الطعام في فيه ذكره الموفق الحموي في شرح التنبيه . قال الحافظ ابن حجر : والأول أظهر وبه جزم الموفق ابن قدامة وغيره قال ابن التين : يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه A فيحمل النفي على عمومه .
قوله ( على ثوبه ) أي ثوب النبي A وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال : المراد به ثوب الصبي .
قوله ( فنضحه ) في صحيح مسلم من طريق الليث عن ابن شهاب فلم يزد على أن نضح بالماء . وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب فرشه زاد أبو عوانة في صحيحه عليه . قال الحافظ : ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنفيض الماء فانتهى إلى النضح وهو صب الماء . ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من [ ص 57 ] طريق جرير عن هشام ( فدعا بماء فصبه عليه ) ولأبي عوانة ( فصبه على البول يتبعه إياه ) انتهى . والذي في النهاية والكشف والقاموس أن النضح الرش .
قوله ( ولم يغسله ) ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند فنضحه قال : وكذلك روى معمر عن ابن شهاب وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال فرشه لم يزد . قال الحافظ في الفتح : وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج وقد أخرجه عبد الرزاق بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع ذلك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم وهو لمسلم عن يونس وحده . نعم زاد معمر في روايته قال ابن شهاب فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج لكنها غيرها فلا إدراج . وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك .
قوله ( بول الغلام الرضيع ) هذا تقييد للفظ الغلام بكونه رضيعا وهكذا يكون تقييد اللفظ الصبي والصغير والذكر الواردة في بقية الأحاديث . وأما لفظ ما لم يطعم فقد عرفت عدم صلاحيته لذلك لأنه ليس من قوله A .
وقد شذ ابن حزم فقال إنه يرش من بول الذكر أي ذكر كان وهو إهمال للقيد الذي يجب حمل المطلق عليه كما تقرر في الأصول ورواية الذكر مطلقة وكذلك رواية الغلام فإنه كما قال في القاموس لمن طر شاربه أو من حين يولد إلى أن يشب وقد ثبت إطلاقه على من دخل في سن الشيخوخة . ومنه قول علي عليه السلام في يوم النهروان : .
أنا الغلام القرشي المؤتمن ... أبو حسين فاعلمن والحسن .
وهو إذ ذاك في نحو ستين سنة .
ومنه أيضا قول ليلى الأخيلية في مدح الحجاج أيام إمارته على العراق .
شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها .
ولكنه مجاز قال الزمخشري في أساس البلاغة : إن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد ذلك غلام فهو مجاز .
قوله ( بصبي ) قال الحافظ : يظهر لي أنه ابن أم قيس ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين . فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت : ( بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله A فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ) . ولأحمد عن أبي ليلى نحوه . ورواه الطحاوي [ ص 58 ] من طريقه قال : فجيء بالحسن ولم يتردد . وكذا للطبراني عن أبي أمامة ورجح الحافظ أنه غيره .
قوله ( فأتبعه ) بإسكان المثناة من فوق أي أتبع رسول الله A البول الذي على الثوب الماء .
قوله ( يحنكه ) قال أهل اللغة : التحنيك أي تمضغ التمر أو نحوه ثم تدلك به حنك الصغير .
قوله ( فيبرك عليهم ) أي يدعو لهم أو يمسح عليهم . وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته .
وقد استدل بأحاديث الباب على أن بول الصبي يخالف بول الصبية في كيفية استعمال الماء وأن مجرد النضح يكفي في تطهير بول الغلام وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب : .
الأول الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول علي عليه السلام وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم وروي عن مالك وقال أصحابه هي رواية شاذة ورواه ابن حزم أيضا عن أم سلمة والثوري والأوزاعي والنخعي وداود وابن وهب .
والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكي عن مالك والشافعي .
والثالث هما سواء في وجوب الغسل وهو مذهب العترة والحنفية وسائر الكوفيين والمالكية .
وأحاديث الباب ترد المذهب الثاني والثالث وقد استدل في البحر لأهل المذهب الثالث بحديث عمار المشهور وفيه ( إنما تغسل ثوبك من البول ) الخ وهو مع اتفاق الحفاظ على ضعفه لا يعارض أحاديث الباب لأنها خاصة وهو عام وبناء العام على الخاص واجب ولكن جماعة من أهل الأصول منهم مؤلف البحر لا يبنون العام على الخاص إلا مع المقارنة أو تأخر الخاص وأما مع الالتباس كمثل ما نحن بصدده فقد حكى بعض أئمة الأصول أنه يبنى العام على الخاص اتفاقا وصرح صاحب البحر أن الواجب الترجيح مع الالتباس ولا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث أن أحاديث الباب أرجح وأصح من حديث عمار وترجيحه لحديث عمار بالظهور غير ظاهر وقد جزم صاحب البحر في المعيار وشرحه بأن الواجب مع الالتباس الإطراح فتخالف كلامه . وجزم صاحب المنار بأن العام متقدم والخاص متأخر ولم يذكر لذلك دليلا يشفي .
وأما الحنفية والمالكية فاستدلوا لما ذهبوا إليه بالقياس فقالوا المراد بقوله ولم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث من التفرقة بين بول الغلام والجارية فإنهم لا يفرقون بينهما .
والحاصل أنه لم يعارض أحاديث الباب شيء يوجب الاشتغال به