- الحديث أخرجه البخاري تعليقا وابن حبان والحاكم واختلف فيه على عبد الرحمن بن جبير فقيل عنه عن أبي قيس عن عمرو وقيل عنه عن عمرو بلا واسطة لكن الرواية التي فيها أبو قيس ليس فيها إلا أنه غسل مغابنه فقط . وقال أبو داود : روى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية وفيه ( فتيمم ) ورجح الحاكم إحدى الروايتين وقال البيهقي : يحتمل أن يكون فعل ما في الروايتين جميعا فيكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني .
قوله ( ذات السلاسل ) هي موضع وراء وادي القرى وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة .
قوله ( فأشفقت ) أي خفت وحذرت .
قوله ( فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئا ) فيه دليلان على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك : الأول التبسم والاستبشار والثاني عدم الإنكار لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقر على باطل والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على [ ص 325 ] الجواز فإن الاستبشار دلالته على الجواز بطريق الأولى .
وقد استدل بهذا الحديث الثوري ومالك وأبو حنيفة وابن المنذر على أن من تيمم لشدة البرد وصلى لا تجب عليه الإعادة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة ولو كانت واجبة لأمره بها ولكنه أتى بما أمر به وقدر عليه فأشبه سائر من يصلي بالتيمم .
قال ابن رسلان : لا يتيمم لشدة البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا ويستره وكلما غسل عضوا ستره ودفاه من البرد لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر العلماء . وقال الحسن وعطاء : يغتسل وإن مات ولم يجعلا له عذرا .
ومقتضى قول ابن مسعود ( 1 ) : لو رخصنا لهم لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا أنه لا يتيمم لشدة البرد .
قال المصنف C تعالى بعد أن ساق الحديث ما لفظه : فيه من العلم إثبات التيمم لخوف البرد وسقوط الفرض به وصحة إقتداء المتوضئ بالمتيمم وأن التيمم لا يرفع الحدث وأن التمسك بالعمومات حجة صحيحة انتهى .
وقوله ( وأن التيمم لا يرفع الحدث ) لعله مستفاد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( صليت بأصحابك وأنت جنب ) .
_________ .
( 1 ) قول ابن مسعود هذا ذكره البخاري في باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت عن شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى : أرأيت يا أبا عبد الرحمن وهي كنية ابن مسعود إذا أجنب فلم يجد الماء كيف يصنع فقال عبد الله : لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبو موسى : فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كان يكفيك قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى : فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول فقال : إنا لو رخصنا لهم في هذا ولا شك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق : فإنما كره عبد الله لهذا قال : نعم .
قال الحافظ في الفتح : فيه جواز التيمم للجنب بخلاف ما نقل عن عمر وابن مسعود وفيه إشارة إلى ثبوت حجة أبي موسى لقوله فما درى عبد الله ما يقول .
ثم قال في الباب الثاني إن ابن مسعود لا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار فلهذا جاء عنه أنه رجع عن الفتيا بذلك كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد فيه انقطاع عنه اه . والآية التي أشار إليها أبو موسى هي آية سورة المائدة كما جاء في الباب الذي بعد هذا الباب قال الحافظ : وإنما عين سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقدم حكم الوضوء في المائدة قال الخطابي وغيره : وفيه دليل على أن عبد الله كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى وإلا لكان يقول له المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع وجعل التيمم بدلا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلا من الغسل اه