- حديث ابن عمر قال ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة حدثنا أسباط بن محمد عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر فذكره ومحمد بن إسماعيل المذكور ثقة وبقية إسنلاده رجال الصحيح . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وفيه مقال وقد أخرج له البخاري مقرونا بآخر وحديث عكرمة هو مرسل وقد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني لليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى وفي إسناده مجهول لأن الزهري قال أخبرنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة . وحديث أبي هريرة الأول المذكورة في الباب أخرجه ايضا الحاكم في المستدرك . وحديث جابر أخرجه أيضا مالك وأبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم كذا في الفتح ورجال إسناده عند ابن ماجه كلهم ثقات .
وفي الباب عن أبي أمامة بن ثعلبة عند النسائي بإسناد رجاله ثقات رفعه من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
قوله : " من حلف بالله " فيه دليل على أنه يكفي مجرد الحلف بالله تعالى من دون أن ينضم إليه وصف من أوصافه ومن دون تغليظ بزمان أو مكان .
قوله : " قال له " يعني ابن صوريا بضم الصاد المهملة وسكون الواو وكسر الراء المهملة ممدودا . أصل القصة أن جماعة من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس في المسجد فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا فقال أئتونب بأعلم رجل منكم فأتوه بابن صوريا .
قوله : " وأنزل عليكم المن والسلوى " أكثر المفسرين على أن المن هو الترنجبين وهو شيء أبيض كالثلج والسلوى طير يقال السماني فيه دليل على جواز تغليظ اليمين على أهل الذمة فيقال لليهودي بمثل ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن أراد الاختصار قال قل والله الذي أنزل التوراة على موسى وإن كان نصرانيا قال له قل والله الذي أنزل الأنجيل على عيسى .
قوله : " ذكرتني " بتشديد الكاف المفتوحة .
قوله : " أن أكذبك " بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة يعني فيما ذكرته لي .
قوله : " عبد ولا أمة " أي ذكر وأنثى .
قوله : " ولو على سواك رطب " إنما خص الرطب لأنه كثيرا الوجود لا يباع بالثمن وهو لا يكون كذلك إلا في مواطن نباته بخلاف اليابس فإنه قد يحمل من بلد إلى بلد فيباع .
قوله : " ثلاثة لا يكلمهم الله " الخ فيه دليل على أن حالهم يوم القيامة حال المغضوب عليهم لأن هذه الأمور لا تكون إلا عند الغضب فهي كناية عن حلول العذاب بهم قوله " رجل على فضل ماء بالفلاة " قد تقدم الكلام على منع فضل الماء وحكم مانعه .
قوله : " بعد العصر " خصه لمشرفه بسبب اجتماع مائكة الليل والنهار .
قوله : " لقد أعطى بها " الخ قال في الفتح وقع مضبوطا بضم الهمزة وفتح الطاء على البناء للمجهول وفي بعضها بفتح الهمزة والطاء على البناء للفاعل والضمير للحالف وهي أرجح ومعنى لا خذها بكذا أي لقد أخذها وقد استدل بأحاديث الباب على جواز التغليض على الحالف بمكان معين كالحرم والمسجد ومنبره صلى الله عليه وآله وسلم وبالزمان كبعد العصر ويوم الجمعة ونحو ذلك وقد ذهب إلى هذا الجمهور كما حكاه صاحب الفتح . وذهبت الحنفية إلى عدم جواز التغليظ بذلك . وعليه دلت ترجمة البخاري فإنه قال في الصحيح ( باب يحلف المدعي عليه حيثما وجبت عليه اليمين ) وذهبت العترة إلى مثل ما ذهبت إليه الحنفية كما حكى ذلك عنهم صاحب البحر . وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك موضع اجتهاد للحاكم .
وقد ورد عن جماعة من الصحابة طلب التغليظ على خصومهم في الأيمان بالحلف بين الركن والمقام وعلى منبره صلى الله عليه وآله وسلم . وورد عن بعضهم الامتناع من الإجابة إلى ذلك .
وروى عن بعض الصحابة التحليف على المصحف . والحاصل أنه لم يكن في أحاديث الباب ما يدل على مطلوب القائل بجواز التغليظ لأن الأحاديث الواردة في تعظيم ذنب الحالف على منبره صلى الله عليه وآله وسلم . وكذلك الأحاديث الواردة في تعظيم ذنب الحالف بعد العصر لا تدل على أنها تجب إجابة الطالب للحلف في ذلك المكان أو ذلك الزمان .
وقد علمنا صلى الله عليه وآله وسلم كيف اليمين فقال للرجل الذي حلفه " احلف بالله الذي لا إله إلا هو " كما في حديث ابن عباس .
وقال في حديث ابن عمر المذكور في الباب " ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله " وهذا أمر منه صلى الله عليه وآله وسلم بالرضا لمن حلف له بالله ووعيد لمن لم يرض بأنه ليس من الله ففيه أعظم دلالة على عدم وجور الإجابة إلى التغليظ بما ذكر وعدم جواز طلب ذلك ممن لا يساعد عليه .
وقد كان الغالب من تحليفه صلى الله عليه وآله وسلم لغيره وحلفه هو الأقتصار على اسم الله مجردا عن الوصف كما في قوله " والله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيرا منه إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني " وكما في تحليفه صلى الله عليه وآله وسلم لركانة فإنه اقتصر على اسم الله . وتارة كان يحلف صلى الله عليه وآله وسلم فيقول " لا والذي نفسي بيده . لا ومقلب القلوب " وقال تعالى ( فيقسمان بالله ) ومن جملة ما استدل به البخاري على عدم وجوب التغليظ حديث " شاهداك أو يمينه " ووجه ذلك أن الذي أوجبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مطلق اليمين وهي تصدق على من حلف في أي زمان وأي مكان فمن بذلك لخصمه أن يحلف له حنث هو ولم يجبه إلى مكان مخصوص ولا إلى زمان مخصوص فقد بذل ما أوجبه عليه الشارف ولا يلزمه الزيادة على ذلك لأن الذي تعبد به هو اليمين على أي صفة كانت ولم يتعبد بأشد الأيمان جرما وأعظمها ذنبا . على أنه قد ورد في اليمين التي يقتطع بها حق امرئ مسلم من الوعيد ماليس عليه من مزيد كما في الباب الذي قيل هذا أنها من الكبائر ومن موجبات النار وليس في الحلف على منبره صلى الله عليه وآله وسلم وبعد العصر زيادة على هذا فالحق عدم وجوب إجابة الحالف لمن أراد تحليفه في زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو بألفاظ مخصوصة .
وقد روى ابن رسلان أنهم لم يختلفوا في جواز التغليظ على الذمي فإن صح الإجماع فذاك عند من يقول بحجيته وإن لم يصح فغاية ما يجوز به هو ما ورد في حديث الباب وما يشابهه من التغليظ باللفظ وأما التغليظ بزمان معين أو مكان معين على أهل الذمة مثل أن يطلب منه أن يحلف في الكنائس أو نحوها فلا دليل على ذلك