- حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري قال المنذري ورواه يونس بن يزيد عن الزهري منقطعا .
قال البيهقي ومعمر بن راشد حافظ قد اقام إسناده فقامت به الحجة . وأثر أبي بكر قال الحافظ في الفتح رواه ابن شهاب عن زيد بن الصلت أن أبا بكر فذكره وصحح إسناده ( وقد اختلف ) أهل العلم في جواز القضاء من الحاكم بعلمه فروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف مثل ما ذكره المصنف عن أبي بكر واستدل البخاري أيضا على أنه لا يحكم الحاكم بعلمه بما قاله عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر ىية في كتاب الله لكتبت آية الرجم .
قال المهلب وأفصح بالعلة في ذلك بقوله لولا أن يقول الناس الخ فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشيء قال البخاري وقال أهل الحجاز الحاكم لا يقضي بعلمه سواء علم بذلك في ولايته أو قبلها .
قال الكرابيسي لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة إذ لا يؤمن على التقي أن تتطرق إليه التهمة قال ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقا أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط أن يرجمه ويدعي أنه رىه يزني أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه سطلقها أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها فإن هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحب ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت أن للحاكم أن يحكم بعلمه .
قال ابن التين ما ذكره البخاري عن عمر وعبد الرحمن هو قول مالك وأكثر أصحابه .
وقال بعض أصحابه يحكم بما علم فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلس الحكم .
وقال ابن القاسم وأشهب لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم إلا إذا شهد له عنده .
وقال ابن المنير مذهب مالك أن من حكم بعلمه نقض على المشهور إلا إن كان علمه حادثا بعد الشروع بعد المحاكم فقولان وأما ما أقر به عنده في مجلس الحكم فيحكم ما لم ينكر الخصم بعد إقراره وقبل الحكم عليه فإن ابن القاسم قال لا يحكم عليه حينئذ ويكون شاهدا وقال ابن الماجشون يحكم بعلمه قال البخاري وقال بعض أهل العراق ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضي به وما كان في غيره لم يقض إلا بشاهدين يحضرهما إقراره قال في الفتح وهذا قول أبي حنيفة ومن تبعه ووافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية .
قال ابن التين وجرى به العمل وروى عبد الرزاق نحوه من شريح .
قال البخاري وقال آخرون منهم يعني أهل العراق بل يقضي به لأنه مؤتمن قال في الفتح وهو قول أبي يوسف ومن تبعه ووافقهم الشافعي فيما بلغني عنه أنه قال إن كان القاضي عدلا لا يحكم بعلمه في حد ولا قصاص إلا ما أقر به بين يديه ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما علمه قبل ان يلي القضاء أو بعد ما ولي فقيد ذلك بكون القاضي عدلا إشارة إلى أنه ربما ولي القضاء من ليس بعدل قال البخاري وقال بعضهم يعني أهل العراق يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي بغيرها .
قال في الفتح هو قول أبي حنيفة القياس أنه يحكم في ذلك بعلمه ولكن ادع القياس واستحسن أن لا يقضي بعلمه في كل شيء إلا في الحدود قال وهذا هو الراجح عند الشافعية وقال ابن العربي لا يقضي بعلمه والصل فيه عندنا افجماع على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود قال ثم أحدث بعض الشافعية قولا أنه يجوز فيها ايضا حين رأوا أنها لازمة لهم .
قال الحافظ كذا قال فجرى على عادته في التهويل والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف وق حكى في البحر القول بأن الحاكم يحكم بعلمه عن العترة والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وحكى المنع عن شريح والشعبي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي والأقوال في المسألة فيها طول ذكر البخاري وشراح كتابه بعضا منها في باب الشهادة تكون عند الحاكم وبعضا في باب من رأي للقاضي ان يحكم بعلمه : وذكر البخاري في البابين أحاديث يستدل بها على الجواز وعدمه وهي في غاية البعد عن الدلالة على المقصود وكذلك ما ذكره المصنف في هذا الباب فإن حديث عائشة ليس فيه إلا مجرد وقوع الأخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع به الرضا من الطالبين للقود وإن كان الاحتجاج بعدم القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بما رضوا به المرة الأولي فلم يكن هناك مطالب له بالحكم عليهم .
وكذلك حديث جابر المذكور لا يدل على المطلوب بوجه وغاية ما فيه الامتناع عن القتل لمن كان في الظاهر من الصحابة لئلا يقول الناس تلك المقالة والأخبار للحاضرين بما يكون من أمر الخوارج وترك أخذهم بذلك لتلك العلة ومن جملة ما استدل به البخاري على الجواز حديث هند زوجة أبي سفيان لما أذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بوجوب النفقة لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة وتعقبه ابن المنير بأنه لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة كلام المستفتي اه فإن قيل أن محل الدليل إنما هو عمله بعلمه أنها زوجة أبي سفيان فكيف صح هذا التعقب فيجاب بأن الذي يحتاج إلى معرفة المحكوم له هو الحكم لا الافتاء فإنه يصح لمجهول فإذا ثبت أن ذلك من قبيل الافتاء بطلت دعوى أنه حكم بعلمه أنها زوجة وقد تعقب الحافظ كلام ابن منير فقال وما أدعى تفيه بعيد فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ وإطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه فلا بد من سبق علم ويجاب عن هذا بأن الأمر لا يستلزم الحكم لأن المفتي يأمر المستفتي بما هو الحق لديه وليس ذلك من الحكم في شيء ومن جملة ما استدل به على المنع الحديث المتقدم عن أم سلمة " فأقضي بنحو ما أسمع " ولم يقل بما أعلم .
ويجاب بأن التنصيص على السماع لا ينفي كون غيره طرقا للحكم على أنه يمكن أن يقال أن الاحتجاج بهذا الحديث للمجوزين أظهر فإن العلم أقوى من السماع لأنه يمكن بطلان ما سمعه الإنسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه ففحوى الخطاب تقتضي جواز القضاء بالعلم ومن جملة ما استدل به المانعون حديث شاهداك أو يمينه وفي لفظ وليس لك إلا ذلك ويجاب بالعلم ومن جملة ما استدل به المانعون حديث شاهداك أو يمينه وفي لفظ ليس لك إلا ذلك ويجاب بما تقدم من التنصيص على ما ذكره لا ينفي ما عداه .
وأما قوله " وليس لك إلا ذلك " فلم يقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد علم بالحق منهما من المبطل حتى يكون دليلا على عدم حكم الحاكم بعلمه بل المراد أنه ليس للمدعي من المنكر إلا اليمين وإن كان فاجرا حيث لم يكن للمدعي برهان . والحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن يقال إن كانت الأمور التي جعلها الشارع أسبابا للحكم كالبينة واليمين ونحوهما أمورا تعبدنا الله بها لا يسوغ لنا الحكم إلا بها وإن حصل لنا ما هو أقوى منها بيقين فالواجب علينا الوقوف عندها والتقيد بها وعدم العمل بغيرها في القضاء كائنا ما كان وإن كانت أسبابا يتوصل الحاكم بها إلى معرفة المحق من المبطل والمصيب من المخطئ غير مقصودة لذاتها بل لأمر آخر وهو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظن وأنها أقل ما يحصل له ذلك في الواقع فكان الذكر لها لكونها طرائق لتحصيل ما هو المعتبر فلا شك ولا ريب أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه لأن شهادة الشاهدين والشهود لا تبلغ إلى مرتبة العلم الحاصل عن المشاهدة أو ما يجري مجراها فإن الحاكم بعلمه غير الحاكم الذي يستند إلى شاهدين أو يمين . ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم " فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من نار " فإذا جاز الحكم مع تجويز كون الحكم صوابا وتجويز كونه خطأ فكيف لا يجوز مع القطع بأنه صواب لاستناده إلى العلم اليقين ولا يخفي رجحان هذا وقوته لأن الحاكم به قد حكم بالعدل والقسط والحق كما أمر الله تعالى .
ويؤيد هذا ما سيأتي في باب استحلاف المنكر حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم للكندي ألك بينة فإن البينة في الأصل ما به يتبين الأمر ويتضح ولا يرد على هذا أنه يستلزم قبول شهادة الواحد والحكم بها لأنا نقول إذا كان القضاء بأحد الأسباب المشروعة فيجب التوقف فيه على ما ورد .
وقد قال تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال صلى الله عليه وآله وسلم " شاهداك " وإنما النزاع إذا جاء بسبب آخر من غير جنسها هو أولى بالقبول منها كعلم الحاكم . واستدل المستثني للحدود بما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " وفي لفظ " لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها " أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة . وظاهره أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد علم وقوع الزنا منها ولم يحكم بعلمه .
ومن ذلك قول أبي بكر وعبد الرحمن المتقدمان . ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يعمل بعلمه لكونه قد حصل التلاعن وهو أحد الأسباب الشرعية الموجبة للحكم بعدم الرجم والنزاع إنما هو في الحكم بالعلم من دون أن يتقدم سبب شرعي ينافيه وقد تقدم في اللعان ما يزيد هذا وضوحا . ومن الأدلة الدالة على جواز الحكم بالعلم ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من حديث عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة قال " جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للمدعي أقم البينة فلم يقمها فقال للآخر أحلف فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عنده شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد فعلت ولكن غفر لك بأخلاص لا إله إلا الله " وفي رواية للحاكم " بل هو عند أدفع إليه حقه ثم قال شهادتك أن لا إله إلا الله كفارة يمينك " وفي رواية لأحمد " فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنه كاذب إن له عنده حقه فأمره أن يعطيه وكفارة يمينه معرفة لا إله إلا الله " وأعله ابن جزم بأبي يحيى وهو مصدع المعرقب كذا قال ابن عساكر وتعقبه المزي بأنه وهم بل اسمه زياد كذا اسمه عند أحمد والبخاري وأبي داود في هذا الحديث واعله أبو حاتم برواية شعبة عن عطاء بن السائب عن البختري بن عبيد عن أبي الزبير مختصرا " أن رجلا حلف بالله وغفر له " قال وشعبة أقدم سماعا من غيره .
وفي الباب عن أنس من طريق الحارث بن عبيد عن ثابت وعن ابن عمر .
قال الحافظ أخرجهما البيهقي والحارث بن عبيد هو أبو قدامة . فهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بعلمه بعد وقوع السبب الشرعي وهو اليمين فبالأولى جواز القضاء بالعلم قبل وقوعه .
وقد حكى في البحر عن الإمام يحيى وأحد قولي المؤيد بالله وأحد قولي الشافعي أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في الحدود وغيرها واستدل لهم بأنه لم يفصل الدليل . وحكى عن ابن حنيفة ومحمد أنه إن علم الحد قبل ولايته أو في غير بلد ولايته لم يحكم به إذ ذلك شبهة وإن علم به في بلد ولايته أو بعد ولايته حكم بعلمه