- قوله " لا يقضين " الخ قال المهلب سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحكم إلى غير الحق فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار .
وقال ابن دقيق العيد النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يحتل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه " لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان " انتهى . وسبب ضعفه أن في إسناده القاسم العمري وهو متهم بالوضع . وظاهر النهي التحريم ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقي إلى الكراهة فلو خالف الحاكم فحكم في حال الغضب فذهب الجمهور إلى أنه يصح أن صادف الحق لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى للزبير بعد أن أغبضه كما في حديث الباب فكأنهم جعلوا ذلك قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة ولا يخفى أنه لا يصح إلحاق غيره صلى الله عليه وآله وسلم به في مثل ذلك لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضائه وغضبه بخلاف غيره فلا عصمة تمنعه عن الخطأ ولهذا ذهب بعض الحنابلة إلى أنه لا ينفذ الحكم في حالة الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف .
قال الحافظ ابن حجر وهو تفصيل معتبر وقيد إمام الحرمين والبغوي الكراهة بما إذا كان الغضب لغير الله وأستغرب الروياني هذا وأستعبده غيره لمخالفته لظاهر الحديث وللمعنى الذي لأجله نهي عن الحكم حال الغضب وذكر ابن المنير أن الجمع بين حديثي الباب بأن يجعل الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجود العصمة في حقه وإلا من التعدي أو إن غضبه إنما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز وإلا منع وقد تعقب القول بالتحريم وعدم إنعقاد الحكم لأن النهي الذي يفيد فساد المنهي عنه وهو ما كان لذات المنهي عنه أو لجزئه أو لوصفه الملازم له لا المفارق كما هنا وكما في النهي عن البيع حال النداء للجمعة وهذه قاعدة مقررة في الأصول مع اضطراب فيها وطول نزاع وعدم اطراد .
قوله : " إن رجلا من الأنصار اسمه ثعلبة بن حاطب وقيل حميد وقيل حاطب ابن أبي بلتعة ولا يصح لأنه ليس بأنصاري وقيل أنه ثابت بن قيس بن شماس وإنما ترك صلى الله عليه وآله وسلم قتله بعد أن جاء في مقاله بما يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم جار في الحكم لأجل القرابة لأن ذلك كان في أوائل الإسلام وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يتألف الناس إذ ذاك كم ترك قتل عبد الله بن أبي بعد أن جاء بما يسوغ به قتله وقال القرطبي يحتمل أنه لم يكن منافقا بل صدر منه ذلك عن غير قصد كم أتفق لحاطب بن أبي بلتعة مسطح وحمنة وغيرهم ممن بدره لسانة بدرة شيطانية .
قوله : " في شراج " بكسر الشين المعجمة وراء مهملة بعد الألف جسم وهي مسايل النخل والشجر واحدتها شرجة واضافتها إلى الحرة لكونها فيها والحرة بفتح الحاء المهملة هي أرض ذات حجارة سود .
قوله : " سرح الماء " بفتح السين المهملة وتشديد الراء المكسورة ثم حاء مهملة أي أرسله .
قوله : " ثم أرسل إلى جارك " كان ذلك على سبيل الصلح .
قوله : " إن كان ابن عمتك " بفتح الهمزة لأنه استفهام للأستكثار أي حكمت بهذا لكونه ابن عمتك .
قوله : " حتى يرجع الماء إلى الجدر " بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وهو الجدار والمراد به أصل الحائط وقيل أصول الشجر والصحيح الأول وفي الفتح أن المراد به هنا المسناة وهي ما وضع بين شريات النخل كالجدار ويروي الجدر بضم الجيم والدال جمع جدار . وحكى الخطابي الجذر بسكون الذال المعجمة وهو جذر الحساب والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب .
وفي بعض طرق الحديث " حتى يبلغ الماء الكعبين " رواه أبو داود .
قوله : " فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحاء المهملة أي أثار حفيظته .
قال في الفتح احفظه بالمهملة والظاء المشالة أي أغضبه .
قوله : " فاستوعى " أي أستوفى وهو من الوعاء كأنه جمعه له في وعائه .
قوله : " فقدرت الأنصار والناس " وهو من عطف العام على الخاص .
قوله : " فكان ذلك إلى الكعبين " يعني أنهم لما رأوا أن الجدر يختلف بالطول والقصر قاسموا ما وقعت فيه القصة فوجدوه يبلغ الكعبين فجعلوا ذلك معيار الاستحقاق الأول فالأول والمراد بالأول هنا من يكون مبدأ الماء من ناحيته وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الناس شركاء في ثلاث من كتاب إحياء الموات