- حديث أبي هريرة الأول قد أخرج ما شهد له أحمد من حديث قيس الغفاري مرفوعا وفيه التحذير من إمارة السفهاء ورجاله رجال الصحيح ومثله أخرجه الطبراني عن عوف بن مالك مرفوعا وفي إسناده النهاس بن قهم وهو ضعيف . وحديث بريدة أخرجه أيضا الترمذي والنسائي والحاكم وصححه .
قال الحاكم في علوم الحديث تفر به الخراسانيون ورواته مراوزة قال الحافظ له طرق غير هذه جمعتها في جزء مفرد . وحديث أبي هريرة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده أئمة أكثرهم من رجال الصحيح وزاد أبو داود ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خان وحديث أنس لفظ البخاري " أطيعوا السلطان وإن عبدا حبشيا كالزبيبة " .
قوله " لن يفلح قوم " الخ فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب .
قال في الفتح ةقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود . وأطلق ابن جرير ويؤيد ما قاله الجمهور إن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال . واستدل المصنف أيضا على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ورجل فدل بمفهومه على خروج المرأة .
قوله : " وإمارة الصبيان " فيه دليل على أنه لا يصح أن يكون الصبي قاضيا .
قال في البحر جماعا وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتعوذ من رأس السبعين لعله لما ظهر فيها من الفتن العظيمة منها قتل الحسين Bه ووقعة الحرة وغير ذلك مما وقع في عشر السبعين .
قوله : " القضاة ثلاثة " الخ في هذا الحديث أعظم وازع للجهلة عن الدخول في هذا المنصب الذي ينتهي بالجاهل والجائر إلى النار وبالجملة فما صنع أحد بنفسه ما صنعه من ضاقت عليه المعايش فزج بنفسه في القضاء لينال من الحطام وأموال الأرامل والأيتام ما يحول بينه وبين دار الإسلام مع جهله بالأحكام أو جوره على من قعد بين يديه للخصام من أهل الإسلام قوله من أفتى بضم الهمزة وكسر المثناة مبني لما لم يسم فاعله فيكون المعنى من أفتاه مفت عن غير ثبت من الكتاب والسنة والاستدلال كان أثمة على من أفتاه بغير الصواب لا على المستفتي المقلد .
وقد روى بفتح الهمزة والمثناة فيكون المعنى من أفتى الناس بغير علم كان أثمة على الذي سوغ له ذلك وأفتاه بجواز الفتيا من مثله مع جهله وأذن له في الفتوى ورخص له فيها .
قوله : " أراك ضعيفا " فيه دليل على أن من كان ضعيفا لا يصلح لتولى القضاء بين المسلمين قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب أدب القضاء له لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه وأن يكون عارف بكتاب الله عالما بأكثر أحكامه عالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حافظا لأكثرها وكذا أقوال الصحابة عالما بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتتبع النوازل من الكتاب فإن لم يجد ففي السنة فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة الصحابة فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع ويكون حاقظا للسانه ونطقه وفرجه فهما لكلام الخصوم ثم لا بد أن يكون عاقلا مائلا عن الهوى ثم قال وهذا وإن كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم .
وقال المهلب لا يكفي في استحباب القضاء أن يرى نفسه أهلا لذلك بل أن يراه الناس أهلا له .
وقال ابن حبيب عن مالك لا بد أن يكون القاضي عالما عاقلا قال ابن حبيب فإن لم يكن علم فعقل وورع لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل وهو إذا طلب العلم وجده فإذا طلب العقل لم يجده انتهى . قلت يصنع الجاهل العاقل عند ورود مشكلات المسائل وغاية ما يفيده العقل التوقف عند كل خصومة ترد عليه وملازمة سؤال أهل العلم عنها والأخذ بأقوالهم مع عدم المعرفة لحقها من باطلها وما بهذا أمر الله عباده فإنه أمر الحاكم أن يحكم بالحق وبالعدل وبالقسط وبما أنزل ومن أين لمثل هذا العاقل العاطي عن حيلة الدلائل أن يعرف حقية هذه الأمور بل من أين له أن يتعقل الحجة إذا جاءته من كتاب أو سنة حتى يحكم بمدلولها ثم قد عرف اختلاف طبقات أهل العلم في الكمال والقصور والإنصاف والاعتساف والتثبت والاستعجال والطيش والوقار والتعويل على الدليل والقنوع بالتقليد فمن أين لهذا الجاهل العاقل معرفة العالي من السافل حتى يأخذ عنه أحكامه وينيط به حله وأبرامه فهذا شيء لا يعرف بالعقل بأتفاق العقلاء فما حال هذا القاضي الاكحال من قال فيه من قال : .
كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر .
قوله " لا تأمرن على اثنين " الخ في هذا النهي بعد إمحاض النصح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم إني أحب لك ما أحب لنفسي أرشاد للعباد إلى ترك تحمل أعباء الإمارة مع الضعف عن القيام بحقها من أي جهة من الجهات التي يصدق على صاحبها أنه ضعيف فيها وقد قدمنا كلام النووي على هذا الحديث في باب كراهية الحرص الإمارة .
قوله : " وإن أمر عليكم عبد حبشي " بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب إلى الحبشة .
قوله : " كأن رأسه زبيبة " هي واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جف وإنما شبه رأس العبد بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود وهو التمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتذار بها .
وقد حكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال عن المهلب أنها لا تجب الطاعة للعبد إلا إذا كان المستعمل له إماما قرشيا لأن الإمامة لا تكون إلا في قريش قال وأجمعت الأمة على أنها لا تكون في العبيد . وحكى في البحر عن العترة أنه يصح أن يكون العبد قاضيا وعن الشافعية والحنفية أن لا يصح أن يكون العبد قاضيا