- حديث عقبة الأول هو في صحيح مسلم بدون زيادة إذا لم يسم وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي . وحديث ابن عباس الأول قال الحافظ في بلوغ المرام إسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه وقد تقدم الكلام عليه والرواية الأخرى من حديث عقبة التي فيها ولتصم ثلاثة أيام حسنها الترمذي ولكن في إسنادها عبد الله بن زحر وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . وحديث كريب عن ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح . وحديث عكرمة عن ابن عباس سكت أيضا عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح .
قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح والرواية الأخرى أوردها أبو داود وسكت عنها هو والمنذري .
قوله : " لم يسم " فيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى .
قال النووي اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله على نذر وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى . والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يسم لأن حمل المطلق على المقيد واجب .
وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الإنعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في أحاديث الباب في قصة الناذرة بالمشي وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم ومن نذر نذرا لم يطقه هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة .
وقال ابن رشد في نهاية المجتهد ما حاصله إنه وقع الأتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البر وكان على جهة الخبر وإن كان على جهة الشرط فقال مالك يلزم كالخبر ولا كفارة يمين في ذلك إلا أنه إذا نذر يجميع ماله لزمه ثلث ماله إذا كان مطلقا وإن كان معينا لزمه وإن كان جميع ماله أو أكثر من الثلث وسيأتي الخلاف فيمن نذر بجميع ماله .
قال وإذا كان النذر مطلقا أي غير مسمى ففيه الكفارة عند كثير من العلماء .
وقال قوم فيه كفارة الظهار وقال قوم فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم من القرب صيام يوم أو صلاة ركعتين .
قوله : " ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين " ظاهره سواء كان المنذور به طاعة أو معصية أو مباحا إذا كان غير مقدور ففيه الكفارة إلا أنه يخص من هذا العموم ما كان معصية بما تقدم ويبقى ما كان طاعة أو مباحا وسواء كان غير مقدور شرعا أو عقلا أو عادة .
قوله : " ومن نذر نذرا أطاقه " الخ ظاهره العموم ولكنه يخص منه نذر المعصية بما سلف وكذلك نذر المباح بلزوم الكفارة وأما النذر الذي لم يسم فغير داخل في عموم الطاقة وعدمها لأن أتصاف النذر بأحد الوصفين فرع معرفته وما لم يسم لم يعرف .
قوله : " لتمش ولتركب " فيه أن النذر بالمشي ولو إلى مكان المشي إليه طاعة فإنه لا يجب الوفاء به بل يجوز الركوب لأن المشي نفسه غير طاعة إنما الطاعة الوصول إلى ذلك المكان كالبيت العتيق من غير فرق بين المشي والركوب ولهذا سوغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الركوب للناذرة بالمشي فكان ذلك دالا على عدم لزوم النذر بالمشي وإن دخل تحت الطاقة : قال في الفتح وإنما أمر الناذرة في حديث أنس أن تركب جزم وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت وبهذا ترجم البيهقي للحديث وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس ما ذكره المصنف C .
وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ " جاء رجل فقال يا رسول الله إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت وإنه يشق عليها المشي فقال مرها فتركب إذا لم تستطع أن تمشي فما أغنى الله يشق على أختك " وأحاديث الباب مصرحة بوجوب الكفارة . ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصح فيه الهدى .
وقد أخرج الطبراني من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة نذرت أن تمشي على الكعبة حافية حاسرة وفيه لتركب ولتلبس ولتصم . وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلى عن عقبة نحوه وأخرج البيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال ففرت منه الأبل فإذا امرأة عريانة ناقضة شعرها فقالت نذرت أن أحج عريانة ناقضة شعري فقال مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما " وأورد من طريق الحسن عن عمران رفعه " إذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب " وفي سنده إنقطاع .
وقد استدل بهذه الأحاديث على صحة النذر بإتيان البيت الحرام لغير حج ولا عمرة . وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لم ينعقد ثم أن نذره راكبا لزمه فلو مشى لزمه دم لتوفر مؤنة الركوب وإن نذر ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن ينتهي الحج أو العمرة ووافقه صاحباه فإن ركب لعذر أجزأه ولزم دم .
وفي أحد القولين عن الشافعي مثله واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة وإن ركب بلا عذر لزمه الدم . وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب إلا أن يعجز مطلقا فيلزمه الهدى . وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شيء مطلقا .
قال القرطبي زيادة الأمر بالهدى رواتها ثقات . وعن الهادوية أنه لا يجوز الركوب مع القدرة على المشي فإذا عجز جاز الركوب ولزمه دم قالوا لأن الرواية وإن جاءت مطلقة فقد قيدت برواية العجز ولا يخفى ما في أكثر هذه التفاصيل من المخالفة لصريح الدليل ويرد قول من قال بأنه لا كفار مع المعجز وتلزم مع عدمه ما وقع في حديث عكرمة عن ابن عباس وفي الرواية التي بعده فإنهما مصرحان بوجوب الهدى مع ذكر ما يدل على العجز من الضعف وعدم الطاقة والرجل المذكور في حديث أنه يهادي بين ابنيه قيل هو أبو اسرائيل المذكور في الباب الأول روى ذلك عن الخطيب حكى ذلك عنه مغلطاي .
قال الحافظ وهو تركيب منه وإنما ذكر الخطيب ذلك في رجل آخر مذكور في حديث لابن عباس