- حديث أنس أخرجه الترمذي عن طريق حميد بن مسعدة حدثنا بريدة بن زريع أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس وإسناده حسن كما قال . وحديث المغيرة صححه أيضا ابن حيان والحاكم .
قوله : " فقطع منه عرقا " استدل بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده ابن رسلان وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق .
وقد روى ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جواد قطع العروق مسقمة كما في الترمذي وابن ماجة ترك العشاء مهرمة وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع .
قوله : " كوى سعد بن معاذ " الكي هو أن يحمى حديد ويوضع على عضو معلول ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم .
وقد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله تعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه والثالث الثناء على من تركه كحديث السبعين الفا الذين يدخلون الجنة وقد تقدم والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين " وما أحب أن أكتوي " فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة .
قال الشيخ أبو محمد بن حمزة علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب وقريب منه أخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع انتهى ملخصا .
قوله : " من الشوكة " هي داء معروف كما في القاموس .
قال في النهاية هي حمرة تعلو الوجه والجسد يقال منه شيك فهو مشوك وكذلك إذا دخل في جسمه شوكة ومنه الحتديث إذا شيك فلا انتقش أي إذا شاكته فلا يقدر على انتقاشها وهو أخراجها بالنقاش .
قوله : " فقد برئ من التوكل " قال في الهدى أحاديث الكي التي في هذا الباب قد تضمنت أربعة أشياء أحدها فعله .
ثانيها عدم محبته ثالثها الثناء على من تركه . رابعها النهي عنه ولا تعارض فيها بحمد الله فإن فعله يدل على جوازه وعدم محبته لا يدل على المنع منه والثناء على تاركيه يدل على أن تركه أفضل والنهي عنه إما على سبيل الأختيار من دون علة أو عن النوع الذي يحتاج معه إلى الكي انتهى .
وقيل الجمع بين هذه الأحاديث أن المنهى عنه هو الأكتواء ابتداء قبل حدوث العلة كما يفعله الأعاجم والمباح هو الأكتواء بعد حدوث العلة .
قوله : " في شرطة محجم " بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم .
قوله : " أو شربة عسل " قال في الفتح العسل يذكر ويؤنث واسماؤه تزيد على المائة وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ويغسل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلي والمثانة وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية وفيه حفظ للمعجونات وأذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة وتنقية للكبد والصدر وادرار البول والطمس وينفع للسعال الكائن من البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء ثم هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوا من الحلاوات وطلاء من الأطلية . ومفرح من المفرحات . ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذا الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن أكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلا وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا .
وقد أخرج أبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه " من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء " .
قوله " وأنهى أمتي عن الكي " قال النووي هذا الحديث من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها أخراد الدم وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالأسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها فكأنه نبه صلى الله عليه وآله وسلم بالعسل على المسهلات وبالحجامة على أخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكي والنهي عنه اشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه لما في استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي .
قوله : " نهى عن الكي فاكتويتا " قال ابن رسلان هذه الرواية فيها اشارة إلى أنه يباح عند الضرورة بالأبتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي ويخاف الهلاك عند تركه الاتراه كوى سعدا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله ونهى عمران بن حصين عن الكي لأنه كان به باسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فتعين أن يكون خاصا بمن به مرض مخوف ولأن العرب كانوا يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي ويعتقدون أن من لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية فإن الله تعالى هو الشافي .
قال ابن قتيبة الكي جنسان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه باحراق ولا غيره والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير الله وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب .
وقد تضمنت ( أحاديث الكي ) أربعة أنواع كما تقدم .
قوله " فما أفلحن ولا أنجحن " هكذا الرواية الصحيحة بنون الأناث فيها يعني تلك الكيات التي اكتويناهن وخالفنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فعلهن وكيف يفلح أو ينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن وهو أولى من أن يكون المحذوف الفاعل على تقدير فما أفلحن الكيات ولا أنجحن لأن حذف المفعول الذي هو فضلة أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة ورواية الترمذي كما ذكره المصنف C فيكون الفلاح والنجاح مسندا فيها إلى المتكلم ومن معه .
وفي رواية لابن ماجه " فما أفلحت ولا أنجحت " بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة