- حديث أسامة أخرجه أيضا النسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه أيضا ابن خزيمة والحاكم . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم . وحديث أبو خزامة وهو بمعجمة مكسورة وزاي خفيفة أخرجه ايضا الترمذي من طريقين . أحدهما عن ابن أبي عمر عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه والثانية عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن الزهري عن ابن أبي خزامة عن أبيه .
وقال قد روي عن ابن عيينة كلتا الروايتين وقال بعضهم عن أبي خزامة عن أبيه وقال بعضهم عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال وقد روى هذا الحديث غير ابن عيينة عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه وهذا أصح ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث اه كلامه وقد صرح بأنه حديث حسن وهو كما قال .
قوله : " فإن الله لم ينزل داء " المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلا أو المراد به التقدير .
قوله : " عباد الله تداووا " لفظ الترمذي قال نعم يا عباد الله تداووا والداء والدواء كلاهما بفتح الدال المهملة بالمد وحكى كسر دال الدواء .
قوله : " والهرم " استثناه لكونه شبيها بالموت والجامع بينهما تقضى الصحة أو لقربه من الموت أو إفضائه إليه ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير لكن الهرم لا دواء له وفي لفظ السام بمهملة مخففا وهو الموت ولعل التقدير الأداء السام أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت .
قوله : " علمه من علمه " فيه إشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمه كل واحد ( وفي أحاديث الباب ) كلها إثبات الأسباب وإن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره الله فيها وإن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك وإليه الإشارة في حديث جابر حيث قال بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافي دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك .
قوله : " وجهله من جهله " فيه دليل على أن لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له وأقرووا بالعجز عنه .
قوله : " رقي نسترقيها " الخ سيأتي الكلام على الرقية .
قوله : " وتقاة نتقيها " أي ما نتقي به ما يريد علينا من الأمور التي لانريد وقوعها بنا .
قوله : " قال هيمن قدر الله " أي لا مخافة بينهما لأن الله هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء .
قوله : " لا يسترقون " الخ سيأتي الكلام على الرقية والكي . والما التطهير فهو من الطيرة بكسر الطاء المهملة وفتح المثناة التحتية وقد تسمن وهي التشاؤم بالشي وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وابطله ونهى عنه ( والأحاديث ) في الطيرة متعارضة وقد وضعت فيها رسالة مستقلة .
وقد استدلبهذا الحديث والذي بعده على أنه يكره التداوي وأجيب عن ذلك بأجوبة قال النووي لامخالفة بل المدح في ترك الرقي المراد بها الرقي التي هي من كلام الكفار والرقي المجهولة والتي بغير العربية ومالا يعرف معناه فهذه مذمومة لاحتمال أن معناه كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقي بآيات القرآن وبالإذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين أن الوارد في ترك الرقي للأفضلية وبيان التوكل وفي فعل الرقي لبيان الجواز مع أن تركها أفضل وبهدا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقي بالآيات وإذكار الله تبارك وتعالى .
قال المازري جميع الرقي جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره ومنهي عنها إذا كانت باللغة الأعجمية أو بما لا يدري معناه لجواز أن يكون فيه كفر وقال الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من يعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون .
قال عياض الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزرية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عنمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقي أهل الجاهلية ونحوها فليس مسلما فلم يسلم هذا الجواب وأجاب الداودي وطائفة أن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء فلا . وأجاب الحلمي بأنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاق وليس لهم ملجأ فيما يعتر بهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه فهم غافلون عن الطب الأطباء ورقي الرقاة ولا يخشون من ذلك شيئا وأجاب الخطابي ومن تبعه بأن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة . وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب .
قال ابن الأثير هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها ومرافقها وهؤلا هم خواص الأولياء ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلا وأمرا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ومع ذلك فلا ينقص من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسبابب شيئا بخلاف غيره ولو كان كثيرا التوكل فكان من ترك الأسباب وفوض وأخلص أرفع مقاما قال الطبري قيل لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم . والحق من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب إتباعا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى الله عليه وآله وسلم بين درعين ولبس على رأسه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وغلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وإدحر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله ايعقل ناقته أو يتوكل أعقلها وتوكل فأشار أن الاحتراز لا يدفع التوكل .
قوله " فقالت إني أصرع " الصرع نعوذ بالله منه علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن استعمالها منعا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من الجن ويقع من النفوس الخبيثة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطيل أفعالها وممن نص على ذلك بقراط فقال بعد ذكر علاج المصروع إنما ينتفع في الذي سببه أخلاط وأما الذي يكون من الأرواح فلا .
قوله : " وإني أتكشف " بمثناة من فوق وتشديد الشين المعجمة من التكشف وبالنون الساكنة المخففة من الإنكشاف والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر .
وفيه أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن الالتزام الشدة وفيه دليل على جواز ترك التداوي وإن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ولكن إنما ينجع بامرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى الله وقوته بالتقوى والتوكل على الله نعالى