- قوله " لا يأكل أحد بشماله " فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال والنهي حقيقة في التحريم كما قرر في الأصول ولا يكون لمجرد الكراهة إلا مجازا مع قيام صارف .
قال النووي وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر بمنع الأكل أو الشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال .
قوله : " فإن الشيطان يأكل " الخ إشارة إلى أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشيطان وقد تقدم الخلاف هل ذلك على الحقيقة أم على المجاز .
قوله : " البركة تنزل في وسط الطعام " لفظ أبي داود " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصفحة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها " وفيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه قال الرافعي وغيره يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة ويأكل مما يلي أكيله ولا بأس بذلك في الفواكه . وتعقبه الأسنوي بأن الشافعي نص على التحريم فإن لفظه في الأم فإن أكل مما يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما واستدل بالنهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى هذا الحديث قال الغزالي وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته إلا إذا قل الخبز فليكسر الخبز والعلة في ذلك ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط الطعام .
قوله : " تطيش " بكسر الطاء وبعدها مثناة تحتية ساكنة أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصفحة ولا تقتصر على موضع واحد .
قال النووي والصفحة دون القصعة وهي ما تسع ما يشبع خمسة والقصعة ما تشبع عشرة كذا قال الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه .
وقيل الصفحة كالقصعة وجمعها صحاف .
قال النووي أيضا وفي هذا الجديث ثلاث سنن من سنن الأكل . وهي التسمية . والأكل باليمين وقد سبق بيانهما . والثالثة الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة قد يتقذر صاحبه ولا سيما في الأمراق وشبهها وهذا في الثريد والأمراق وشبههما فإن كان تمرا وأجناسا فقد نفلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه والذي ينبغي تعميم النهي حاملا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص والله أعلم .
قوله : " أما أنا فلا آكل متكئا " سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن يسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال " أهديت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شاة فجثى على ركبتيه يأكل فقال له الأعرابي ما هذه الجلسة فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا " قال ابن بطال إنما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك تواضعا لله . ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملك لم يأته قبلها فقال إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأموأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا " اه وقال الحافظ وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه .
وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئا قط .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال ما أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال " اللهم إني عبدك ورسولك " وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو .
وقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئا فنهاه .
ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك واختلف في صفة الإتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان وقيل أن يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض .
قال الخطابي يحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطأ عند الأكل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إني أذم من يستكثر من الطعام فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا .
وفي حديث أنس " أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل تمرا وهو مقع " والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن .
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف " زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل " قال مالك هو نوع من الإتكاء .
قال الحافظ وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة ما يعد الآكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها . وجزم ابن الجوزي في تفسير الإتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك وحكى ابن الأثير أن من فسر الإتكاء بالميل على أحد الشقين تأويله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا . واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال يكره لغيره ايضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه الآكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل نظر .
وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولي فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قالوا كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأة مخافة أن تعظم بطونهم وإلى ذلك تشير بقية ما ورد من الأخبار . ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من وحه الطب