- حديث عدي بن حاتم الآخر أخرجه أيضا البيهقي وهو من رواية مجالد عن الشعبي عنه قال البيهقي تفرد مجالد بذكر الباز فيه وخالف الحفاظ .
قوله : " ما صدت بقوسك " سيأتي الكلام عن الصيد بالقوس .
قوله : " وما صدت بكلبك المعلم " المراد بالمعلم الذي إذا أغراه صاحبه على الصيد طلبه وإذا زجره أنزجر وإذا أخذ الصيد حبسه على صاحبه وفي اشتراط الثالث خلاف . واختلف متى يعلم ذلك منها فقال البغوي في التهذيب أقله ثلاث مرات وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين .
وقال الرافعي لا تقدير لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف .
قوله : " فذكرت اسم الله عليه " فيه اشتراط التسمية وسيأتي الكلام عليه . ( وأحاديث الباب ) تدل على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة وإليه ذهب الجمهور من غير تقييد واستثنى أحمد وإسحاق الأسود وقالا لا يحل الصيد به لأنه شيطان . ونقل عن الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك .
قوله : " فكل ما أمسك عليك " فيه جواز أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المذكورة في الأحاديث وهو مجمع عليه .
قوله : " ما لم يشركها كلب ليس معها " فيه دليل على أنه لا يحل أكل ما يشاركه كلب آخر في اصطياده ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل ثم ينظر فإن كان أرسلهما معا فهو لهما وإلا فللأول ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله " فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمي على الكلب لحل ووقع في رواية بيان عن الشعبي وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فيؤخذ منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب ويؤيده ما في حديث الباب وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل .
قوله : " بالمعراض " بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة .
قال الخليل وتبعه جماعة هو سهم لا ريش له ولا نصل .
وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده هو سهم طويل له أربه قذذ رقاق فإذا رمي به اعترض .
وقال الخطابي المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصاة محدد رأسها وقد لا يحدد وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض .
وقال القرطبي أنه المشهور وقال ابن التين المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل وما أصاب بغير حده فهو وقيذ .
قوله : " فخزق " بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف أي نفذ يقال سهم خازق أي نافذ ويقال بالسين المهملة بدل الزاي وقيل الخزق بالزاي زقدج تبدل سينا الخدش .
قال في الفتح وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد حل وكانت تلك ذكاته وإذا أصاب بعرضه لم يحل لأنه في معتى الخشبة الثقيلة أو الحكر ونحو ذلك من المثقل .
قوله : " بعرضه " بفتح العين المهملة أي بغير طرفه المحدد وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور وعن الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام يحل مطلقا وسيأتي لهذا زيادة بسط إن شاء الله .
قوله : " ولم يأكل منه " فيه دليل على تحريم ما أكل منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلما وقد علل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه وهذا قول الجمهور وقال مالك وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن بعض الصحابة أنه يحل .
واحتجوا بما ورد في حديث عمر و بن شعيب عن أبيه عن جده " إن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها فقال كل مما أمسك عليك وإن أكل منه " أخرجه أبو داود قال الحافظ ولا بأس بإسناده وسيأتي هذا الحديث في الباب الذي بعد هذا .
وقال سلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا منها للقائلين بالتحريم . الأولي حمل حديث الأعرابي على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه والثانية الترجيح . فرواية عدي في الصحيحين ورواية الأعرابي في غير الصحيحين ومختلف في تضعيفها وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل ولطاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى { فكلوا مما أمسكن عليكم } فإن مقتضاه أن الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح ويتقوى أيضا بالشواهد من حديث ابن عباس عند أحمد " إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه " وأخرجه البزار من وجه آخر على ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع نحوه بمعناه ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما أحتيج إلى زيادة عليكم في الآية وأما القائلون بالإباحة فحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه . وحديث الأعرابي على بيان الجواز قال بعضهم ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحمل على الأولي بخلاف أبي ثعلبة فإنه كان بعكسه ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه .
وقال ابن التين قال بعض أصحابنا هو عام فيحمل على الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه لآنه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال والإمساك على صاحبه .
قال ويحتمل أن يكون معنى قوله قان أكل فلا تأكل إن لا يوجد منه غير الأكل دون إرسال الصائد له وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها ولا يخفى تتعسف هذا وبعده وقال ابن القصار مجرد إرسالنا الكلب إمساك علينا لأن الكلب لا نية له وإنما يتصيد بالتعلم فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله فلم يمسك عليه كذا قال ولا يخفى بعده ومصادمته لسياق الحديث .
وقد قال الجمهور إن معنى قوله أمسكن عليكم صدن لكم وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لالصاحبه فلا يعدل عن ذلك وقد وقع في رواية لبن أبي شيبة إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دجل على أنه ليس يعلم التعليم المشترط وسلك بعض المالكية الترجيح فقال هذه القطعة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام وعارضها حديث الأعرابي المعروف بأبي ثعلبة .
قال الحافظ وهذا ترجيح مردود لما تقدم وتمسك بعضهم بأن الإجماع على جواز أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهم بأكله فأدركه قبل أن يأكل منه يدل على أنه يحل ما أكل منه لآن تناوله بفيه وشروعه في أكله مثل الأكل في أن كل واحد منهما يدل على أنه إنما أمسكه على نفسه .
قوله : " فإن أخذ الكلب ذكاة " فيه دليل على أن إمساك الكلب للصيد بمنزلة التذكية إذا لم يدركه الصائد إلا بعد الموت لا إذا أدركه قبل الموت فالتذكية واجبة لقوله في الحديث فإن أدركته حيا فاذبحه .
قوله : " فكل ما أمسك عليك " استدل به على أنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره حل للعموم الذي في قوله " ما أمسك عليك " وهذا قول الجمهور وقال مالك لا يحل وهو رواية البويطي عن الشافعي