- قوله " فوجد عندها ضبا " هو دويبة تشبه الحرذون ولكنه أكبر منه قليلا ويقال للأنثى ضبة .
قال ابن خالويه أنه يعيش سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل أسنانه قطعة واحدة .
قوله : " محنوذا " بحاء مهملة ونون مضمومة وآخره ذال معجمة أي مشويا بالحجارة المخماة ووقع في رواية بضب مشوي .
قوله : " أختها حفيدة " بمهملة مضمومة بعدها فاء مصغرة قوله " لم يكن بأرض قومي " قال ابن العربي اعترض بعض الناس على هذه اللفظة وقال أن الضباب موجودة بأرض الحجاز فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيء وربما أنها حدثت بعد عصر النبوة وكذا أنكر ذلك ابن عبد البر ومن تبعه قال الحافظ ولا يحتاج إلى شيء من هذا بل المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم بأرض قومي قريش فقط فيختص النفي بمكة وما حولها ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر بلاد الحجاز .
قوله : " فأجدني أعافه " أي أكره أكله يقال عفت الشيء أعافه .
قوله : " فاجتررته " بجيم وراءين مهملتين هذا هو المعروف في كتب الحديث وضبطه بعد شراح المهذب بزاي قبل الراء وقد غلطه النووي .
قوله : " لا آكله ولا أحرمه " فيه جواز أكل الضب قال النووي وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وما أظنه يصح عن أحد فإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله اه قال الحافظ قد نقله ابن المنذر عن علي Bه فاين يكون الإجماع مع مخالفته ونقل الترمذي كراهته عن بعض أهل العلم .
وقال الطحاوي في معاني الآثار كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن شبل .
قال الحافظ في الفتح وإسناده حسن فإنه من رواية إسماعيل ابن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل . وحديث ابن عياش عن الشاميين قوي وهؤلاء شاميون ثقات ولا يغتر بقول الخطابي ليس إسناده بذاك . وقول ابن حزم فيه ضعفاء ومجهولون وقول البيهقي تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة وقول ابن الجوري لا يصح ففي كل ذلك تساهل لا يخفى فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري وقد صحح الترمذي بعضها .
وأخرج أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه أنهم طبخوا منها فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب فأخشى أن تكون هذه فأفؤها .
ومثله حديث أبي سعيد المذكور في الباب .
قال في الفتح والأحاديث وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بيها وبين الحديث المذكور حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ . وحينئذ أمر بإكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه . وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له وبعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته بإذنهفدل على الإباحة . وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره .
وقد استدل على الكراهة بما أخرجه الطحاوي عن عائشة . أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ضب فلم ياكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها أتعطينه ما لا تأكلين .
قال محمد بن الحسن دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره . وتعقبه الطحاوي باحتمال ان يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدق بحشف التمر وكحديث البراء كانوا يحبون الصدقة باردأ تمرهم فنزلت { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } قال فلهذا المعنى كره لعائشة أن تصدق بالضب لا لكونه حراما . وهذا يدل على أن الطحاوي فهم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم . والمعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه . وجنح بعضهم إلى التحريم .
وقال اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم فرجحنا جانب التحريم ودعوى التعذر ممنوعة بما تقدم .
قوله : " في غائط مضبة " قال النووي فيه لغتان مشهورتان إحداهما فتح الميم والضاد والثانية ضم الميم وكسر الضاد والأول أشهر وأفصح . والمراد ذات ضباب كثيرة والغئط الأرض المطمئنة .
قوله : " يدبون " بكسر الالدال .
قوله " ولا أدري لعل هذا منها " قال القرطبي إنما كان ذلك ظنا منه من قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل لمسخ نسلا فلما أوحى إليه بذلك زال التظنن وعلم أن الضب ليس مما مسخ كما في الحديث المذكوز في الباب . ومن العجيب أن ابن العربي قال أن قولهم الممسوخ لانسل له دعوى فإنه أمر لا يعرف بالفعل وإنما طريقه النقل وليس فيه أمر يعول إليه وكأنه لم يستحضره من صحيح مسلم ثم قال وعلى تقدير كون الضب ممسوخا فذلك لا يقتضي تحريم أكله لأن كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلا وإنما كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأكل منه لما وقع عليه من سخط الله كما كره الشرب من مياه ثمود اه . ولا منافاة بين كونه صلى الله عليه وآله وسلم عاف الضب وبين ما ثبت أنه كان لا يعيب الطعام لأن عدم العيب إنما هو فيما صنعه الآدمي لئلا ينكسر خاطره وينسب إلى التقصير فيه وأما الذي خلق ذلك فليس نفور الطبع منه ممتنعا